هل يمكن لاشتعال جبهة غزة، وإمكانية تدرّجها لفتح جبهة جنوب لبنان، ومعها كلّ الجبهات من سوريا واليمن والعراق، وصولاً إلى طهران، أن يخلق أزمة، أشبه بأزمة الصواريخ الكوبية؟
خلال شهر تشرين الأول سنة 1962، وعلى خلفية ما عُرف لاحقاً بأزمة الصواريخ الكوبية، عاش العالم فترة رعب من احتمال وقوع صدام مباشر بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، واندلاع حرب عالمية ثالثة، كان يمكن أن تؤدّي إلى ذوبان حراري يقضي على الحياة على الكرة الأرضية.
الولايات المتحدة فرضت حصاراً بحرياً، بعدما التقطت طائرة تجسس أميركية صورا تظهر بناء مواقع إطلاق صواريخ في كوبا، كما اكتشفت طائرة تجسس أميركية أخرى 20 سفينة سوفياتية تحمل صواريخ نووية في المحيط الأطلسي متجهة إلى كوبا. وطالبت واشنطن بتفكيك الصواريخ وسحب القاذفات IL28 من كوبا، وإلّا تعرّضت للقصف والتدمير. الإتحاد السوفياتي طالب بسحب صواريخ جوبيتر من تركيا. تمّت التسوية في 28 تشرين الأول، وحصل التوافق على تنفيس الأزمة، وتنفّس الطرفان والعالم الصعداء...
هل يمكن لاشتعال جبهة غزة، وإمكانية تدرّجها لفتح جبهة جنوب لبنان، ومعها كلّ الجبهات من سوريا واليمن والعراق، وصولاً إلى طهران، أن يخلق أزمة، أشبه بأزمة الصواريخ الكوبية؟ وكيف ذلك في ظلّ ما يعتقده البعض، من عدم تكافؤ في موازين القوى، والإمكانية النووية؟
وهل هناك من بُعد ديني للعنف المتفجّر؟ هل العالم مقبل على حرب دينية غير معلنة؟
عسكرياً، لم تعد القدرة النووية هي الرّادع الوحيد.
أصبحت القدرة التدميرية، ولو تفاوتت أحجامها، موجودة عند عدّة أطراف في العالم.
من جهة أخرى، ما زال العالم يعتمد على الطاقة الحرارية من غاز ونفط، كمصدر أساس لحياته اليومية وإنتاجه الاقتصادي. فهل يستطيع العالم، في حال حصول مواجهة عسكرية مباشرة، أن يضمن حماية مواقع إنتاج وتكرير وتحميل النفط والغاز، إضافة الى حماية ممرّات النّقل؟
هناك تهديدات قديمة وجديدة، أغلبها غير معلن، تُرسل عبر قنوات مخابراتية، أنّ بعض هذه المواقع، على مرمى رشقات حجر من بعض دول "الممانعة"، وأنظمتها الدفاعية أو الهجومية.
خلال عشاء منذ سنوات قليلة، في دار سفير غربي، سأل أحد القياديين اللبنانيين المناوئين لطهران، رئيس الوفد البريطاني إلى مفاوضات الملف النووي JCPOA, لماذا لا يتمّ تأليف محور لضرب وتأديب إيران؟
أجابه حرفيا:
"إنّ إيران كانت تحتلّ المرتبة التاسعة بين اقتصاديات العالم، وشعبها قارب ال100 مليون، منهم 60 في المئة تحت ال28 عاما، متحمّسون، متعلّمون، منتجون. تربّوا على أيديولوجية دينية متعمّقة، ولو اختلفنا معها.
وإيران هي دولة تعلّمت كثيراً من فشلها في حربها مع العراق. لذلك ركّزت كثيراً على تطوير صناعاتها العسكرية.
ناهيك عن موقعها الجغرافي الحسّاس جداً، لأنّها تستطيع التحكّم بمضيقَي هرمز وباب المندب على السواء، أهمّ ممرّين استراتيجيين للنّفط والغاز المسيّل إلى العالم.
لذلك الحرب معها ليست نزهة. الأكيد أنّ أوروبا غير متحمّسة لحرب من هذا النوع.
بعض الدول العربية تتمنّى ذلك، لكنّها غير قادرة.
إسرائيل لديها الرغبة، لكنها غير قادرة بمفردها، ولن تفعل إلّا بدخول أميركا معها، وأميركا لم توافق بعد".
انتهى ردّ الوزير، رئيس الوفد المفاوض.
أميركا اليوم على حدود اشتباك عسكريّ مع إيران.. ولهذا السبب كانت استعادة هذا الكلام اليوم لأنّه قد يكون هناك احتمال أن تدخل أميركا وحلفاؤها، في حرب مع إيران وحلفائها.
ولكن هل هو مجرّد احتمال؟
هل العالم قادر، إضافة إلى حمل وزر الحرب الرّوسية الأوكرانية، وما تبعها من أزمة في أسواق الغاز، على تحمّل توقّف شريان الدم للاقتصاد العالمي؟ وهل ستقف روسيا والصين وكوريا الشمالية على الحياد، في حال إمكانية حشر حليف استراتيجي كإيران؟ ناهيك عن أهميّة طهران الإستراتيجية لها لما تملكه من مخزون من الغاز والنفط؟ هل بدأ العالم يضيق بسكّانه؟ أم أن هناك أطرافاً تصرّ على الهيمنة بسبب التناقص في الموارد الطبيعية من معادن وسلع ونفط وغاز؟
لم يعد الصراع العربي الإسرائيلي فقط إحدى نقاط التوتّر العالمي. بل هو إحدى نقاط ترجمة لصراع عالمي، يخرج للعلن في أبشع تجلّياته. قد تصبح جبهات الشّرق الأوسط والحرب الأوكرانية الروسية، والمواجهة غير المعلنة مع الصين، ونقاط التوتر في إفريقيا، متّصلة مع بعضها البعض، وفيها ترابط صف ومصير. الواقع العالمي يخرج إلى العلن ليظهر أبشع انواع العنصرية والكراهية...
لا بد من كينيدي وخروتشوف جديدين..
لا بد من ظهور وتأثير لعقلاء على مراكز القرار.
الكلّ يلعب سياسة حافّة الهاوية.
لكنّ اللعبة ليست تسلية...
إنّه مصير الجنس البشري؟
هل من عقلاء يقنعون المتديّنين ممّن في مراكز القرار، بأن ظهور المسيح أو عودة المسيح مع الإمام، لا يحتاج إلى أرماغيدون؟ وأنّ السلام والعدالة في العالم ليسا مستحيلين بدون "معركة كبرى"؟