كيفما ننظرْ إلى وقائع يوم السبت نرَ إنجازا كبيرا للفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة

بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، روّجت الدعاية الإسرائيلية لمقولة نسبتها إلى مسؤولين مصريين يبررون فيها الهزيمة بقولهم "أننا انتظرناهم من الشرق ففاجأونا من الغرب." وقد ذهبت هذه العبارة مثلا للدلالة على السذاجة وقلة الاستعداد وضعف الحيلة، في وصف الجيوش العربية التي شاركت في الحرب آنذاك.

هذه العبارة نفسها يمكن استخدامها اليوم في وصف حالة إسرائيل التي فاجأها الهجوم الواسع الذي شنته حركة حماس فجر السبت في السابع من تشرين الأول من غزة المحاصرة على جنوب اسرائيل والذي سيطرت فيه على نحو أربع عشرة بلدة ومستعمرة إسرائيلية في المنطقة المحاذية لغزة والتي يطلق عليها اسم غلاف غزة.

كيفما ننظرْ إلى وقائع يوم السبت نرَ إنجازا كبيرا لحركة حماس وللفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وانكشافا استخباراتيا وعسكريا إسرائيليا واضحاً أدى إلى سيطرة مقاتلي حماس على تلك المساحة من الأرض، وتمكنهم من قتل حامياتِ مواقعَ عسكرية وأعداد من المدنيين إضافة إلى إصابة عدد أكبر وأسر جنود ومدنيين واقتيادهم رهائن إلى غزة.

ولا تزال القوات الإسرائيلية حتى الآن تسعى إلى تحديد كل الأماكن التي يمكن أن يكون المقاتلون الفلسطينيون متحصنين فيها واستعادة السيطرة عليها قبل أن تقرر الحكومة خياراتها للرد على هذا الهجوم.

اليوم تشعر إسرائيل بالهزيمة رغم تأكيد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو "أننا في حرب، وأن ما حصل لم يحدث مثله من قبل، وأن الحرب ستكون طويلة،" ورغم تهديد وزير دفاعها يؤاف غالانت أن "غزة ما بعد السابع من تشرين الأول ستكون مختلفة كثيراً عما كانت قبله."

فما هي الانعكاسات المحتملة لأحداث السابع من تشرين الأول وما سيليها؟

سقوط صورة الدولة التي توفر الأمن والحماية لمواطنيها والمقيمين فيها

نجاح مقاتلي حماس في اختراق الدفاعات الحدودية الاسرائيلية ومفاجأة الجنود وسكان جنوب إسرائيل في مراكزهم العسكرية ومنازلهم فجرا وقتلهم وأسرهم بسهولة وبأعداد كبيرة يس صورة الدولة الحامية المستعدة دائما والقادرة على درء الخطر عن سكانها. وهذه الصورة مبنية على ما يعرف عن فعالية أجهزة استخباراتها وسرعة جيشها في التحرك وقدرته على القيام بالعمليات الخاطفة.

انكسار صورة فعالية المخابرات الإسرائيلية

لا شك في أن الاختراق الفلسطيني لجنوب إسرائيل من منطقة محاصرة يشكل فشلا لتلك الأجهزة التي جرت الاستعدادات العسكرية واللوجستية للعملية من تحتها وهي غافلة عنها. ويكبر هذا الفشل إضا ما قورن بنجاح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تجنيد العديد من الناشطين في حماس وسواها من الفصائل وتمكينها من اغتيال قيادات بارزة في الفصائل المسلحة الفلسطينية. وقد أدى هذا الفشل إلى مقتل مئات من الإسرائيليين بينهم ضباط قادة وأسر عسكريين ومدنيين نقلوا رهائن إلى داخل غزة. والانتقادات التي وجهت إلى المخابرات الإسرائيلية من داخل إسرائيل تركز على "القراءة الخاطئة بسبب عدم الكفاءة."

تأكّد حاجة إسرائيل إلى غطاء استخباري وعسكري دولي، لتتمكن من الاستمرا ر

قبل خمسين سنة، حين عبر الجيش المصري قناة السويس في حرب يوم الغفران واستعاد سيناء ووصل إلى حدود ما قبل 1967 استنجدت إسرائيل بالولايات المتحدة التي مدّتها بجسر جوي من الأسلحة والعتاد والذخيرة ووفرت لها صور الأقمار الصناعية التي مكّنت الفرقة التي كان يقودها آرييل شارون من العبور في مساحة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين ومحاصرة الجيش الثالث، وأجبر الرئيس المصري أنور السادات على قبول وقف إطلاق النار قائلا إنه لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة عسكريا.

واليوم يتكرر سيناريو العبور مع الفلسطينيين، إذ أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يقاتل الفلسطينيين في جنوب إسرائيل وليس داخل غزة وأعلن أنه لم يحدد بعد جميع نقاط انتشار الفلسطينيين في جنوب اسرائيل. ويبدو أن إسرائيل تنتظر مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة لتستكمل خطتها للرد على الاختراق الفلسطيني. وقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تحريك مجموعة حاملة الطائرات الهجومية جيرالد فورد، وهي أكبر حاملة طائرات في العالم، إلى شرقي المتوسط مقابل الشاطئ الإسرائيلي، وإرسال نحو ثلاثين طائرة مقاتلة، إضافة إلى مدّ إسرائيل بالذخيرة والعتاد.

بداية نهاية حقبة نتنياهو

بعد إعلان نتنياهو أن إسرائيل في حرب وستكون حربا طويلة ستنتصر فيها بلاده، دعا زعماء المعارضة للانضمام إلى اجتماع الحكومة لاتخاذ قرارات تحظى بإجماع وطني. وقد ينضم زعيما المعارضة يائير لابيد وبيني غانتز، وربما آخرون إلى حكومة أقطاب تحد من غلواء اليمين المتطرف الإسرائيلي وتعمل على حلول سياسية للمشاكل داخل إسرائيل وبين إسرائيل وجيرانها.

وقد تجاهل نتنياهو وحكومته اليمينية تحذيرات داخلية وخارجية من مغبة الاستمرار في سياسات داخلية، خصوصا التعديلات القضائية التي تمس باستقلالية القضاء والتي عارضتها قطاعات واسعة من الشعب، من بينها طيارو الاحتياط. وقد أثر رفض هؤلاء وغيرهم الالتحاق بوحداتهم واستمرار التدريب في جاهزية القوات المسلحة.

ومن المتوقع على صعيد واسع أن يدفع نتنياهو، وضباط من هيئة الأركان والمخابرات، ثمن هذه السياسات بعد انتهاء العمليات العسكرية.

تباطؤ حركة التطبيع

كانت إسرائيل في السنوات الأخيرة تسير على درب التطبيع السريع مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج العربي. وبعد توقيع اتفاقات ابراهام توالت خطوات التطبيع مع البحرين والإمارات وقطر، فيما بدأت المملكة العربية السعودية تقترب من التطبيع بخطوات مدروسة. لكنّ الاختراق الفلسطيني وما سيتبعه من عمليات عسكرية من شأنه أن يجمّد حركة التطبيع إلى حين.

احياء محادثات السلام

وكما كانت حرب أكتوبر 1973 بابا لبدء محادثات سلام بين مصر وإسرائيل أفضت إلى اتفاق كمب ديفد، تنشط الآن اتصالات بعيدا عن الأضواء لتوفير مناخات تتيح استئناف عملية السلام بعد استبعاد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لم يكن يقبل بالتفاوض ولا بالسلام ولا يتعامل مع الفلسطينيين إلا بالوسائل العسكرية. وتقود الولايات المتحدة هذه الجهود منعا لتوسع القتال وتشاركها فيها مصر وقطر.

لقد جرّبت إسرائيل الحل العسكري في مفاوضاتها مع الفلسطينيين ولم تحصد سوى الفشل. ومع ذلك فقد توصلت بمساعدة الولايات المتحدة إلى عقد اتفاق سلام مع مصر والأردن ثم عقد اتفاقات ابراهام والحصول على اعتراف من المغرب والسودان. لم يبق إلا الفلسطينيون ولبنان والمملكة العربية السعودية. وقد باتت إسرائيل تعرف أنها لن تستطيع ختم هذه الملفات إلا بمحادثات واتفاق سياسي.

يبقى السؤال عن السلطة الفلسطينية وموقعها في كل هذه الأحداث، خصوصا أنها كانت شبه غائبة فيما كانت إسرائيل تنتقل من مدينة إلى مدينة في الضفة الغربية ومن مخيم للاجئين إلى مخيم آخر فتقتل مزيدا من الفلسطينيين وتعتقل المزيد من المدنيين وتدمّر بيوتهم بحجة انتمائهم إلى الفصائل المسلحة.