على الرغم من أنّ القانون الدولي ينصّ على أنّ استخدام عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على الجرائم الأشدّ خطورة، أي القتل العمد، فإنّ منظمة العفو تعتقد أنّ عقوبة الإعدام ليست هي الحلّ مطلقاً.

يعتبر اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، حدث يوحّد الحركة المناهضة لعقوبة الإعدام على المستوى العالمي، ويتمّ الاحتفال به في 10 تشرين الأول من كلّ عام. ويصادف هذا العام الذكرى الـ21 لليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام. وتعتبر هذه العقوبة بحسب منظمة العفو الدولية، انتهاكاً لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الحقّ في الحياة والحقّ في عدم التعرّض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وكلا الحقّين يكفلهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 1948.

عقوبة الإعدام في التشريعات الدولية

اعتمد المجتمع الدولي العديد من التشريعات والصكوك في هذا المجال، من بينها التالي:

• البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.

• البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمتعلّق بإلغاء عقوبة الإعدام، والبروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في ما يتعلّق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف.

• بروتوكول الاتفاقية الأميرية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام.

• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 /12/1948) الذي أكّد أنّ لكلّ فرد الحقّ في الحياة والحرية والأمان على شخصه، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة...». كما يؤكّد العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية (1966) الحقوق الأساسية للإنسان، ويكرّس حقه في الحياة وعدم جواز حرمان أيّ إنسان منها، وإنّما من دون جواز التذرّع بهذا الحقّ لتأخير عقوبة الإعدام أو لمنعها أو الغائها. ويدعو هذا العهد البلدان التي لم تقم بإلغاء عقوبة الإعدام إلى عدم الحكم بهذه العقوبة إلّا على أشدّ الجرائم خطورة وفق معايير المحاكمة العادلة.

• الميثاق العربي الجديد لحقوق الانسان الصادر عن قمّة جامعة الدول العربية /16/ في تونس (أيار 2004) والذي يؤكّد الحقّ في الحياة كحقّ ملازم لكلّ شخص.

• وقد دعت الجمعية العامّة للأمم المتحدة في قرارها الرقم ١٧٦/٦٧ جميع الدول إلى إتاحة معلومات وثيقة الصلة بتطبيقها عقوبة الإعدام تشمل جملـة أمور منها، عدد الأشخاص الذين حكم عليهم بالإعدام وعدد الذين ينتظرون تنفيـذ هذا الحكم وعدد حالات تنفيذه، لكي يتسنّى إجراء مناقشات على الصعيدين الوطني والدولي تتناول التزامات الدول في ما يتصل بعقوبة الإعدام.

• اعتمدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة (10/12/1984) اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ثم اعتمدت (18/12/2002) بروتوكولًا إختياريًا لهذه الاتفاقية.

أسباب وجوب إلغاء عقوبة الإعدام

على الرغم من أنّ القانون الدولي ينصّ على أنّ استخدام عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على الجرائم الأشدّ خطورة، أي القتل العمد، فإنّ منظمة العفو تعتقد أنّ عقوبة الإعدام ليست هي الحلّ مطلقاً. للأسباب التالية:

أولاً، تُعتبر عقوبة لا رجعة فيها وقد تقع أخطاء في الأحكام، فالإعدام نهائي ولا يمكن تداركه: فلا يمكن أبداً استبعاد خطر إعدام شخص بريء. فمنذ عام 1973، على سبيل المثال، كان هناك أكثر من 191 سجينًا في انتظار تنفيذ حكم الإعدام في الولايات المتّحدة؛ وفي وقت لاحق، تمّت تبرئتهم، أو أفرج عنهم، استناداً إلى ثبوت براءتهم. وأعدم آخرون على الرغم من وجود شكوك حول إدانتهم.

ثانياً، عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة: فالبلدان التي تنفّذ عقوبة الإعدام تنظر إليها على أنّها وسيلة لردع الناس عن ارتكاب الجرائم. وقد تمّ دحض هذا الادّعاء مراراً وتكراراً، وليس هناك أيّ دليل على أنّ عقوبة الإعدام أشدّ ردعاً في الحدّ من الجريمة أكثر من السجن مدى الحياة.

ثالثاً، غالباً ما تستخدم عقوبة الإعدام في إطار أنظمة العدالة المنحرفة: ففي العديد من الحالات التي سجّلتها منظّمة العفو الدولية، تمّ إعدام أشخاص بعد إدانتهم في محاكمات بالغة الجور، استناداً على أدلّة مشوبة بالتعذيب، وعدم التمثيل القانوني المناسب. وفي بعض البلدان، تُفرض أحكام الإعدام باعتبارها عقوبة إلزامية بالنّسبة لجرائم معيّنة، ممّا يعني أنّ القضاة غير قادرين على النّظر في ظروف ارتكاب الجريمة أو ظروف المدّعى عليه قبل إصدار الحكم.

رابعاً، إنّها عقوبة تنطوي على التمييز: فهؤلاء الذين ينحدرون من أصول اجتماعية أو اقتصادية أشدّ حرماناً، أو ينتمون إلى أقلّيات عنصرية أو عِرقية أو دينية، هم أكثر من تُفرض عليهم عقوبة الإعدام بشكل غير متناسب. ومن مظاهر هذا التمييز افتقار هؤلاء إلى سبل الحصول على تمثيل قانوني، على سبيل المثال، أو تضرُّرهم [تعرُّضهم للضرر] بصورة أكبر في تعاملهم مع نظام القضاء الجنائي.

خامساً، يتمّ استخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية: وتستخدم السلطات في بعض البلدان عقوبة الإعدام لمعاقبة المعارضين السياسيين.

بالأرقام

ووفقا لأرقام منظّمة العفو الدولية، وحتى العام 2021 فقد ألغى أكثر من ثلثي دول العالم عقوبة الإعدام في القانون أو الممارسة. فيما قد ألغى 112 بلداً عقوبة الإعدام في القانون بحلول نهاية 2022. وسجّلت 883 عمليّة إعدام في عام 2022 – ما يمثّل زيادة بنسبة 53% مقارنة بعام 2021. و795 عمليّة إعدام في عام 2023 حتّى الآن. أمّا في عام 2021، فسجّلت منظّمة العفو الدولية تنفيذ ما لا يقلّ عن 2,016 حكماً بالإعدام في 52 بلداً، وهو ما يمثّل انخفاض طفيفاً عن الرقم البالغ 2,052 الذي تمّ تسجيله في 2020. ومن المعروف أنّ 28,282 شخصاً على الأقلّ كانوا تحت طائلة أحكام الإعدام عالمياً في نهاية 2022.

ولا يزال هناك 56 دولة لم تلغ عقوبة الإعدام بعد، وتنصّ قوانينها على عقوبة الإعدام للجرائم العادية. ونذكر في ما يلي أبرز هذه الدول وعدد عقوبات الإعدام التي نفّذتها في عام 2019: الصين (1000)، إيران (251)، السعودية (184)، العراق (100)، مصر (32)، الولايات المتّحدة الأميركيّة (22)، باكستان (14)، الصومال (12)، جنوب السودان (11)، اليمن (7).

وبحسب منظّمة العفو هناك:

• 106 دولة لا يسمح فيها القانون باستخدام عقوبة الإعدام.

• 8 دول لا تسمح بعقوبة الإعدام إلّا للجرائم الخطيرة في ظروف استثنائية، كتلك التي ارتكبت في أوقات الحرب.

• 28 دولة لديها عقوبة الإعدام في القانون، ولكنّها لم تنفذها بحقّ أي شخص لمدة 10 سنوات على الأقل، أو تتبع سياسة رسمية بعدم تنفيذها أو عدم الالتزام بها.

• 56 دولة تحتفظ بقوانين عقوبة الإعدام وتنفّذ عمليات إعدام، أو لم تصدر السلطات إعلاناً رسمياً يشير إلى التزامها بعدم تنفيذها.

ومنذ 1990، وثّقت منظمة العفو الدولية تنفيذ 163 عملية إعدام على الأقل بحق أشخاص كانوا دون 18 عامًا عند ارتكاب الجريمة في عشرة بلدان: الصين، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإيران، ونيجيريا، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وجنوب السودان، والولايات المتحدة الأميركية، واليمن.

عقوبة الإعدام في أميركا: عزّزها ترامب وجمّدها بايدن

وقد يستغرب البعض أنّ عقوبة الإعدام لا تزال تطبّق في الولايات المتّحدة الأميركيّة، على الرّغم من أنّ هذه الدولة تعتبر من أكثر الدول المطالبة بحقوق وحريّات الأفراد.

وبدأ ظهور هذه العقوبة بسبب المستعمرات الأميركية، إلّا أنّ المحكمة العليا في الولايات المتحدة ألغتها عام 1972 معتبرة أنّها عقوبة غير دستورية، وذلك عقب قضية فورمان ضد جورجيا، واستبدلت عقوبة الإعدام بأحكام بالسجن مدى الحياة. ليُرفع عنها الحظر مرّة أخرى في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وقد مضي ترامب قدماً في السماح بتنفيذ سلسلة من أحكام الإعدام قبل مغادرته لمنصبه في كانون الثاني من العام 2020. وكان قد أعدم 25 شخصاً في الولايات المتحدة في العام 2019، كانت بمعظمها عقوبات إعدام بالحقنة القاتلة واستخدمت ولاية واحدة (تينيسي) الصعق بالكهرباء.

لتعود إدارة الرئيس الجديد جو بايدن وتوقفها وفاءً لوعود حملته الانتخابية. وكانت تطبّق عقوبة الإعدام الفيدرالية في جميع الولايات والأقاليم الأميركية الخمسين، إلّا أنّها تستخدم بشكل نادر جداً، ويتمّ تنفيذها في الغالب باستخدام الحقن المميتة. ويقبع حالياً في السجون الأميركية نحو 50 شخصاً محكومين بالإعدام الفيدرالي.

الإعدام في لبنان

هناك العديد من المواد في القانون اللبناني التي تتطرّق إلى عقوبة الإعدام، نعرض بعضها:

- المادة 37 التي تنصّ على العقوبات الجنائية العادية ومنها الإعدام.

- المادة 43 التي توجب عدم تنفيذ حكم الإعدام إلّا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة، وتقضي بشنق المحكوم عليه بالإعدام داخل بناية السجن أو في أيّ محل آخر يعيّنه المرسوم المتعلّق بتنفيذ العقوبة. كما تنصّ هذه المادّة على حظر تنفيذ الإعدام أيام الآحاد والجمع والأعياد الوطنية أو الدينية، وتأجيل تنفيذ الإعدام بالحامل الى أن تضع حملها.

- المادة 163 التي حدَّدت مدّة مرور الزمن على عقوبة الإعدام بخمس وعشرين سنة.

- المادة 198 التي نصت على أنّه إذا تحقّق القاضي أنّ للجريمة طابعًا سياسيًا، قضى بالاعتقال المؤبّد بدلًا من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبّدة.

- المادتان 200 و201 اللتان نصّتا على أنهّ في محاولة الجريمة تخفّض العقوبات ويمكن أن تُستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقّتة.

- المادة 251 التي نصّت على الأعذار المخفّفة، فإذا كان الفعل جناية توجب الإعدام حوّلت العقوبة الى الحبس. والمادة 253 المتعلّقة بالأسباب المخفّفة فتقضي المحكمة بدلًا من الإعدام بالأشغال الشاقّة المؤبّدة أو المؤقّتة. وكذلك المادة 257 التي نصت على تشديد العقوبة وإنزال الإعدام بدل الأشغال الشاقة المؤبّدة. والمادة 258 التي تنص على أنّه من حكم عليه بالأشغال الشاقّة المؤبدة حكمًا مبرمًا وارتكب جناية أخرى توجب العقوبة نفســها قضي عليه بالإعدام.

كما يقضي القانون اللبناني بالمعاقبة بالإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي في حالات معيّنة (المادة 273) وما يليها، وفي الجنايات المرتكبة من الجمعيات غير المشروعة (المادة 336).

شهد لبنان عدة محاولات لإلغاء عقوبة الإعدام، حيث يوجد منذ العام 2004 اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء هذه العقوبة وإبدالها بعقوبة الأشغال الشاقّة المؤبّدة، ومشروع قانون مماثل من وزير العدل في العام 2008.

وقد صدر قانون تنفيذ العقوبات رقم 463/2002 وجرى تعديله بالقانون رقم 183/2011، وهو بالغ الأهمية كون التعديل منح قاضي تنفيذ العقوبات حقّ تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن، شرط ارتباطها بحسن السلوك والتعويضات الشخصية وإعلام أهل الضحية. وتوصي الخطّة الوطنية لحقوق الانسان التي ناقشها البرلمان اللبناني في كانون الأول من العام 2012 الحكومة اللبنانية باعتماد قرار الجمعية ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ للأمم المتحدة الرقم ١٤٩/٦٢ ﺑﺸﺄﻥ ﻭقف ﺗﻨﻔيذ ﻋقوبة ﺍلإعدام، ﻭالتصديق ﻋﻠﻰ البروتوكول ﺍلاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ﻭﺍلسياسية.

وآخر عقوبة إعدام نفّذت في لبنان كانت على عهد الرئيس إميل لحّود في العام 2004، ومن بعدها جمّد تنفيذ عقوبات الإعدام، على الرغم من أنّ المحاكم لا تزال تصدر هكذا نوع من الأحكام بحقّ بعض مرتكبي جرائم القتل العمد أو الإرهاب، إلاّ أنّ الحكم لا يُطبّق على أن يبقى هذا الموقوف مسجوناً مدى الحياة حتى إشعار آخر.