في النيجر، انتهت المواجهة الشرسة التي شنّها الرئيس إيمانويل ماكرون ضد الانقلابيين بانكسار مذهل. فتمّ إجلاء السفير الفرنسي وسحب الوحدة العسكرية الفرنسية المتواجدة هناك، وهو ما يُظهر تدهورًا واضحًا في الوضع الدبلوماسي الفرنسي بالمنطقة.

تعيش فرنسا لحظات من الإحراج في بوركينا فاسو، حيث أعلنت السلطات الانقلابية في البلاد عن طرد ملحقها العسكري، وهو خبر وصل إلى باريس مؤخرًا. في تطور آخر، رفضت الحكومة الانقلابية التعامل مع سفير فرنسا الجديد الذي تم اختياره من قبل العاصمة الفرنسية. ففي سياق متّصل، تعرّضت فرنسا للإهانة من المملكة المغربية بعد رفضها لعرض المساعدة الفرنسية بعد الزلزال الكارثي، ما أثار انتقادات وجدل لم يكن متوقعاً، حسب تقدير الرئيس الفرنسي. هذه الأحداث تمثّل إضافة جديدة لسلسلة من الهزائم والتحديات التي تواجهها فرنسا في الساحة الدولية.

تعيش السلطة الفرنسية في الخارج لحظات صعبة بفعل الفشل الدبلوماسي الواسع النطاق الذي شهده إيمانويل ماكرون. نجحت بلادنا بعهده في تحقيق إنجاز تاريخي غير مسبوق، حيث تجد نفسها في نفس الوقت في خلاف مع الجزائر والمغرب في المنطقة المغاربية. بدون الحديث عن الجزء الآخر من القارة الإفريقية، حيث تتغير الأوضاع بسرعة وتنقلب الدول كالدومينو في سلسلة من الانقلابات، مما يتسبّب في طرد فرنسا دون تقديم تفسير أو رد فعل فعال. قد أقدم رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، بدوره على توجيه رسالة قوية للرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة في آذار الماضي.

الشرّ لا يأتي دائماً مضمونًا، ولكنه يظهر أحياناً. أكدت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، خلال مقابلة على قناة LCI، أنّ الرئيس الفرنسي تمّت دعوته من قبل الملك المغربي محمد السادس، وكانت زيارة رسمية مخططة. لكنّ الواقع كان مختلفًا تمامًا! أجاب مصدر حكومي مغربي بقسوة على التصريحات الفرنسية قائلاً: "زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب ليست ضمن الجدول الزمني للزيارات الرسمية". وبهذا تمّ حسم الجدل بسرعة.

تترنّح الدبلوماسية الفرنسية على حافة الهاوية. ففي بداية الصيف، أعلن رئيس الجمهورية عزمه المشاركة في قمة دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) التي كانت مقرّرة في نهاية شهر آب بمدينة جوهانسبرج. إلّا أنّه واجه رفضاً قاسياً، وهو ما يمثّل صفعة جديدة للدبلوماسية الفرنسية.

في بداية العام الجاري، أثار إلغاء ماكرون لوجود هيئتين دبلوماسيتين بارزتين احتجاجات نادرة في مقرّ وزارة الخارجية الفرنسية "Quai d'Orsay"، حيث كان الرأي العام يرى أنّ هذه "الإصلاحات" ستضعف الدبلوماسية الفرنسية بشكل أكبر. بالفعل، ها نحن الآن نرى العواقب المحتملة لهذا القرار.

تتقاطع في هذا السياق مفارقات اختفاء الدبلوماسية والتعالي الرئاسي في العلاقات الخارجية، وبدأت تظهر آثارها السلبية بشكل واضح. فالجمهورية الفرنسية، التي أصبحت هدفًا للسخرية والانتقادات والاهانات، تتراجع على الساحة الدولية. فما هو مصير زيارتي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، حيث هدّد بـ “استعادة النظام" في هذا البلد السيد بذاته؟ يبدو أن جان إيف لو دريان، الممثل الخاص لماكرون في لبنان، لا يزال يقوم بزياراته الرسمية للبلاد لكن السؤال يبقى: ما هي النتائج التي تحققت حتّى الآن؟ تظلّ الضحكات تتردّد بصمت.

حتّى بين حلفائنا التاريخيين، ولا سيما الولايات المتحدة وألمانيا، يبدو أنّ التراجع في تأثير فرنسا في العالم يعتبر فرصة مثالية لزيادة تعزيز أعمالهما التجارية بشكل أكبر. على سبيل المثال، أثارت ألمانيا جدلاً كبيراً برفضها استقبال المهاجرين الجدد الذين وصلوا بأعداد كبيرة إلى جزيرة لامبيدوزا، مما يعكس قوة الدولة الألمانية في مواجهة فشل الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، وفي إطار مكالمة هاتفية مع رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "التضامن" الفرنسي مع إيطاليا، ولكن هل هذا اللفظ يكفي؟

في ديسمبر 2021، أعلن رئيس الجمهورية المعروف بـ"فرنسا في نفس الوقت" أنّه يسعى إلى تحقيق "أوروبا أكثر سيادة"، وأشار إلى ضرورة إعادة هيكلة "منطقة شنغن" وتعزيز حماية الحدود، لكنّ ما الذي تحقق فعلياً من هذه العهود؟ في عالم السياسة الفرنسية المعروفة بالتذبذبات، يبدو أنّ الأقوال تفوق الأفعال، وأن فرنسا باتت تفتقد للتأثير على الساحة الدولية.