مبادرة بري إذا تكاملت مع مهمّة لودريان أو أعقبتها فسيعني ذلك أنّها تحظى بتأييد المجموعة الخماسية، أو على الأقل سيدلّ ذلك إلى أنّ صاحبها لم يطلقها من فراغ وإنّما بناء على تنسيق مسبق مع الخماسية
ليس مهمّا ما يحمله الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ولا ما سيقوم به في زيارته الحالية للبنان، فالمهم يكمن في السؤال: هل صدر "القرار الكبير" بالانفراج عن الاستحقاق الرئاسي وصيرورته إلى انتخاب رئيس؟ أم أنّ الانتظار سيطول ويبقى سيد الموقف إلى أمد غير معلوم؟ والجواب على هذين السؤالين يكمن في ما سيكون عليه مصير الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وما ستنتهي إليه مهمّة لودريان التي نعاها المعارضون قبل وصوله. إلّا أنّ الجميع لا يتوقّعون في الاستحقاق "فتحاً مبيناً" قبل انعقاد المجموعة الخماسية العربية – الدولية بين 22 و23 الجاري على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، اللهم إلّا إذا حصلت "معجزة" وحصل أن انتُخب رئيس قبل ذلك التاريخ، فسيكون هذا الاجتماع الخماسي للمباركة بإنجاز هذا الاستحقاق، ولكن لا مؤشرات عملية حتّى الآن إلى تلك "المعجزة" بعد في انتظار مبادرة برّي ومهمّة لودريان.
يستقبل لبنان هذه الأيام وللمرّة الثالثة هذه السنة ولثلاثة أيّام الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان، وسط توقّعات البعض وتكهناتهم في أنّ ايلول "سيكون طرفه بالاستحقاق الرئاسي مبلول وأن يشهد على انتخاب رئيس جمهورية جديد"، فيما الانقسام السياسي العمودي القائم يشي بأنّ البلاد ماضية إلى حقبة جديدة من الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية لن يحول دونها إلّا توافق داخلي مشفوع بتوافق خارجي، أو توافق خارجي مشفوع بتوافق داخلي ولو بالحدّ الأدنى، يسهّل انتخاب الرئيس وإقامة سلطة جديدة في البلاد.
وفي ضوء مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية – الانتخابية الرئاسية (حوار السبعة أيام ينتهي إلى جلسات انتخابية متتالية حتى انتخاب رئيس) فإنّ الاهتمام منصبّ على معرفة ما إذا كانت هذه المبادرة ستتكامل مع مهمّة لودريان الحالية، أم أنّها ستليها في ضوء تأييد الأكثرية النيابية أو السياسية هذه المبادرة حتى الآن، على رغم من الزئبقية أو الضبابية التي تلفّ موقف "التيار الوطني الحر".
وفي هذا السياق يقول معنيّون أنّ مبادرة بري إذا تكاملت مع مهمّة لودريان أو أعقبتها فسيعني ذلك أنّها تحظى بتأييد المجموعة الخماسية، أوعلى الأقل سيدلّ ذلك إلى أنّ صاحبها لم يطلقها من فراغ وإنّما بناء على تنسيق مسبق مع الخماسية، ولودريان الذي يفترض أنّه يتحرّك باسمها مثلما فعل في زيارته السابقة، وهي على الأرجح هي كذلك، بدليل مسارعة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى تأييدها وكذلك "اللقاء الديموقراطي" وكتلتا "التوافق الوطني" و"الاعتدال الوطني"، وغيرهما، فيما تفرّد حزبا "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" وكتل معارضة ونواب تغييريين بالاعتراض عليها واعتبارها خطوة غير دستورية.
كلّ ذلك حصل خلال زيارتَي الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان وبعدهما، لما احتوت عليه هاتان الزيارتان من رسائل في مختلف الاتجاهات، فضلاً عمّا لاقتاه من تفسيرات وقراءات مناقضة لأبعادهما والخلفيات، في ظلّ الوضع الإقليمي المراوح في هذه المرحلة بين إيجابيات وسلبيّات، وبين تهدئة هنا وتصعيد هناك، في ضوء ما يعتبره البعض "الهجوم المضاد" الذي بدأته الولايات المتحدة الأميركية على الحدود السورية ـ العراقية من التنف وصولاً إلى شرق الفرات، تعبيراً عن عدم ارتياحها إلى الاتفاق السعودي ـ الإيراني وما تركه ويتركه من تداعيات على ساحة المنطقة.
استيضاح وتوضيح
ولذلك إذا أراد البعض أن يعرف ما هو مصير الاستحقاق الرئاسي الذي يكاد يصبح صغيراً وغير ذي أهميّة نتيجة تمادي البعض في الاستهانة به، فإنّ عليه أن يعرف ماذا دار في خلوة العشرين دقيقة بين بري والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وكذلك معرفة ما دار في اللقاء الليلي الطويل بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ووزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، والذي أحيط بري بنتائجه سواء من عبد اللهيان الذي التقاه في اليوم التالي أو من السيد نصرالله. كذلك أيضاً معرفة ما تضمنته الرسالة التي بعث بها بري إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي سارع بعدها إلى تأييد مبادرته الحوارية – الانتخابية الرئاسية التي أطلقها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقه في 31 آب المنصرم، فضلاً عن معرفة ما دار في لقاء الديمان بين السفير السعودي وليد البخاري والراعي في اليوم التالي لتأييده مبادرة بري، والخطاب التصعيدي لقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ضدّ الفريق الآخر بعد ساعات من عظة الراعي وتأييده المفاجئ لمبادرة بري، واعتراض "القوات" عليه قبل أن يتّصل به جعجع للاستيضاح والتوضيح. كما ينبغي أيضا معرفة خلفية هجوم الرئيس فؤاد السنيورة على مبادرة بري في حوار مع قناة "العربية" – الحدث السعودية.
والبعض قرأ في زيارة البخاري للراعي، وقبلها خطاب جعجع الشديد اللهجة، وكذلك كلام السنيورة التصعيدي أيضا، تعبيراً عن "رفض سعودي" لمبادرة بري. لكنّ كلام البخاري للراعي في الديمان حسب بيان السفارة السعودية يومها وكذلك حسب كلام المستشار الإعلامي للبطريركية المارونية وليد غياض، لم يدلّ على أيّ رفض سعودي لمبادرة بري، حيث قال بيان السفارة أنّ اللقاء "كان مناسبة جرى خلالها استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، كما البحث في آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، بخاصة الاستحقاق الرئاسي، وضرورة انجازه في أسرع وقت ليساهم في إنقاذ لبنان، ويكون جامعاً لجميع اللبنانيين ويعمل على تمتين العلاقات بمحيطه العربي". فيما قال غياض أنّ البخاري "أبدى خلال اللقاء كلّ التمني والحرص باسم المملكة على الاستقرار في لبنان وحماية الدستور وحماية اتفاق الطائف، وضرورة ألّا يملي أحد شروطاً على اللبنانيين، مؤكّداَ أنّ المملكة تحترم إرادة اللبنانيين ومتعاونة مع أي قرار يتخذونه".
الحدث الكبير على ساحة الاستحقاق الرئاسي كان لقاء المصادفة الذي حصل بين رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون
لقاء المصادفة
على أنّ الحدث الكبير على ساحة الاستحقاق الرئاسي كان لقاء المصادفة الذي حصل بين رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون في احدى الزيارات. يقول أحد المطّلعين على ما دار في اللقاء أنّ تسريب خبر انعقاده لم يكن من جانب الحزب، وأنّ المسرّبين عما دار فيه من أحاديث دخلوا في مبالغات إلى درجة أثارت حفيظة كثيرين وخصوصاً رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.
والواقع لم يكن باسيل وحده من لم يرحه لقاء رعد ـ عون، فاللقاء لم يرح حتّى فريق المعارضة الذي يؤيّد لفظياً ترشيح عون لاستخدام ذلك في مواجهة ترشيح فرنجية، تماماً كتأييده أو بالأحرى "تقاطعه" على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي أراد منه اسقاط ترشيح فرنجية. فمثلما توجّس باسيل من هذا اللقاء توجّس بعض أفرقاء المعارضة أيضاً ولا سيما منهم من يعارضون انتخاب عسكري مجدداً كرئيس للجمهورية، ويطرحون خيارات "مدنية".
وفي أيّ حال فإنّ الرسائل التي تأتّت من "لقاء المصادفة" والتي يعتبر البعض أنّها كانت "رمية من غير رام"، جاءت في محلّها، وستستمر في التفاعل على وقع مهمة لودريان ومبادرة بري والحراك السعودي والقطري المحكى أنّه سينطلق الأسبوع المقبل عبر موفدين إلى لبنان وذلك عشية الاجتماع الوزاري الخماسي في نيويورك.