المرشّح الذي تنتهي إليه وبه بورصة الترشيحات، ويشكّل نقطة تقاطع في ضوء تسوية إقليمية دولية تنعكس على الدّاخل...

من الصّعب أن يجد قاصد اليرزة حديثاً غير الهموم العسكرية والهاجس الأمني ليتحدّث به قائدها العماد جوزف عون. الأوضاع الأمنية مضبوطة والجيش على أهبّة التدخّل بحزم متى كان ذلك ضرورة، بدليل دوره في بشرّي والكحّالة والطيّونة قبلهما. يعمل الجيش بمعزل عن حسابات السياسيين وتقييمهم لدوره.

لا خشية على الوضع الأمني ولا معطيات تفيد بتصعيد قريب أو توتّرات أمنية، على عكس ما يشاع بين فترة وأخرى على أساس أن توتّر الوضع الأمني سيكون منفذاً لقائد الجيش للتدخّل، فيتصدّر اسمه للرئاسة. تختلف حسابات القيادة العسكرية عن الحسابات السياسية هنا. تمارس القيادة العسكرية دورها بمعزل عن السياسة وأولويتها الإبقاء على وحدة المؤسسة العسكرية والحفاظ على دورها وحمايتها. تلك المؤسسة التي لا تزال تستقطب الشباب للإنتساب إليها وقد بلغ عدد طلبات المنتسبين 30 ألف طلب، رقم يفوق قدرة المؤسّسة العسكرية على استيعابه لعدم توافر الاعتمادات الماليّة وضعف الإمكانيات.

الإستفاضة في شرح الهموم العسكرية لم تمنع مقاربة الموضوع الرئاسي وتلمّس أصداءه في اليرزة. لا يحتاج قائد الجيش في لبنان لإعلان ترشيح، ليكون مرشّحا للرئاسة. بحكم الأمر الواقع المتعارف عليه فإنّ اسمه سيدرج حكماً على لائحة المرشّحين، فيتقدمهم أحيانا أو يبقى اسمه مستتراً إلى أن يتمّ انتخابه على سبيل التسوية. لم يخرج اسم قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون عن التقليد. فإسمه متداول حتّى قبيل مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا. احتمال أن يكون قائد الجيش الرابع الذي ينتخب رئيساً وارد في أي لحظة، يزكّيه انسداد الأفق حيال التوافق على اسم الرئيس.

تمّ التداول باسم جوزف عون للمرّة الأولى في اجتماعات اللجنة الخماسية في باريس، تحمّس لترشيحه الأميركي والسعودي والمصري والقطري، لكنّ السعودي فضّل تأجيل طرح الإسم علناً والتداول به، قبل تحديد المواصفات، يتبعه القطري الذي تبنّى اسم جوزف عون وفاتح به من التقاهم خلال زياراته المتكرّرة إلى لبنان، ولم يتردّد في استفسار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن الموانع التي تعترض انتخابه، ولغاية اليوم لم تنقطع قطر عن الدفع باتّجاه تحسين حظوظه والحديث بشأنه بشكل ولو غير واضح أحياناً .

زائر اليرزة له أن يستخلص أنّ قائدها وإن تناهت إلى مسامعه الأخبار عن ترشيحه، إلّا أنّه يحاول النّأي بنفسه عن الاستحقاق، ويجزم من يلتقيه أن لا القطري فاتحه بالترشيح ولا الفرنسيين خلافاً للمتداول.

قبل أيام زار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قائد الجيش شاكراً على موقف الجيش ازاء حادثة الكحالة. الزيارة بحدّ ذاتها رسالة واضحة إلى حسن العلاقة بين الطرفين. يتحدّث أحد مسؤولي حزب الله عن أفضل العلاقات التي تربط حزب الله بقائد الجيش الذي لديه الحقّ بالترشّح للرئاسة، وعلى عكس المتداول فإنّ الحزب لا يضع فيتو على جوزف عون أو على أيّ مرشح آخر، لكنّه يؤيّد مرشّحاً واحداً هو سليمان فرنجية. بلباقة فائقة يعرف حزب الله كيف يحاذر في التعاطي مع القائد المرشّح، فلا يزكّيه ولا يلغي حظوظه، بحجّة التزامه بدعم سليمان فرنجية. وكيف يفعل ومن مصلحته أن يبقى ترشيح قائد الجيش لغزاً يحيّر باسيل ويجبره أحيانا على التعاطي بمرونة.

يعتقد حزب الله أنّ باسيل في حواره معه إنّما يهدف إلى تمرير الوقت إلى حين انتهاء ولاية جوزف عون، ليصبح قائد جيش سابق بلا حظوظ تعزّز ترشيحه للرئاسة. بات بحكم المفروغ منه ألّا يؤيد باسيل ترشيح جوزف عون للرئاسة وعلى حدّ قول مصادره فإنّ أيّ جهة لم تتبنَّ ترشيحه كي يتمّ التفاوض معها بشأنه.

وإذا كانت قطر عرّابة ترشيحه فما قدرتها على المقايضة على انتخابه. إذا كان حزب الله رشّح فرنجية فيمكن التفاوض معه على ثمن لمثل هذا الترشيح، أمّا في حال رشّحت قطر قائد الجيش فما الذي ستمنحه بالمقابل؟ وهل بمقدورها التفاوض لأجله؟

لقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين تطرّق إلى موضوع جوزف عون


مطمئن التيّار الى أنّ حزب الله يستحيل أن ينتخب جوزف عون إلّا في حال اتفقت إيران مع السعودية، وصار انتخابه متوقّفا على اتفاق القوات مع حزب الله، فهل يفعلها حزب الله بأن يلتقي مع القوات؟ قد لا يتمكّن باسيل من اختيار رئيس للجمهورية لكن لا رئيس من دونه ولا خيارات أمام الثنائي، فإمّا الحديث مع التيار أو القوّات.

على المستوى الدولي تعتبر فرنسا أنّ انتخاب جوزف عون غير ممكن من دون موافقة حزب الله، بينما بدأت أميركا عبر موفديها الإستفسار عن مستقبل قائد الجيش السياسي. وفي المعلومات أنّ لقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين تطرّق إلى موضوع جوزف عون، حيث استفسر المبعوث الأميركي عن مصيره، بما يفهم منه أنّ ادارته تهتمّ بالتمديد له في ولاية جديدة أو سنوات إضافية أو يكون مرشحاً للرئاسة. وتتقاطع هذه المعلومات مع ما تكشفه مصادر سياسية واسعة الاطلاع من أنّ جهات غربية بدأت تتقصّى عن مصير جوزف عون، وفاتحت حزباً سياسياً بإمكانية التمديد له في حال لم تنضج مسألة ترشيحه للرئاسة.

ليس التيار وحده من يعارض وصول جوزف عون، قبله القوات وإن جاهرت بالعكس. ترشيحها لقائد الجيش أضرّ به ولم ينفعه، وهذه كانت غاية بحدّ ذاتها، أمّا من ناحية السنّة، فتقليدياً ثمّة تقارب مزمن بينهم وبين القيادة تجعل قائد الجيش قريباً لهم لكن ليس أقرب من فرنجية، وحَسْم الأمر متوقّف على موقف المملكة السعودية وكلمتها الفصل في الإستحقاق.

قائد الجيش مرشّحاً، حظوظه متوافرة بنسب معينة، وترشيحه كترشيح الآخرين يخضع لمسار التطوّرات، وبسببها تعلو أسهمه أو تنخفض، لكنّه يبقى المرشّح الذي تنتهي إليه وبه بورصة الترشيحات، ويشكّل نقطة تقاطع في ضوء تسوية إقليمية دولية تنعكس على الدّاخل. وصوله احتمال كغيره متى دقّت ساعة الرئاسة حسب التوقيت الخارجي.