أكثر من 100 حالة تحرّش، وتعنيف، واغتصاب، طالت أطفالاً لبنانيين ومقيمين منذ مطلع العام 2023

أصبح المجتمع اللبناني بيئة غير آمنة للأطفال، الذين وإن لم يُقتلوا نتيجة رصاصة طائشة أو انفجار، يسلّمون الرّوح بعد جريمة اغتصاب أو يدخلون في تروما نفسيّة بعد تجربة تحرّش جنسي مروّعة. وآخر فضائح العنف ضدّ الأطفال سجّلت في "بيت اليتيم الدرزيّ" بعد أن تعرّض عدد من الأطفال الذكور والإناث للإغتصاب والتحرّش على يد "ر. ذ." أحد أساتذتهم، الذي كُشِفت قضيّته حين فرّ قاصران من "البيت" وتقدّما بشكوى عن جرائم تحرّش مستمرّة من قبله فتمّ توقيفه.

وكان قد سبق بيت اليتيم الدرزي فضيحة "قرية المحبّة والسلام" التي أُقفلت بالشمّع الأحمر بسبب مخالفات فاضحة بحقّ الأطفال. حيث كان "ج. ك."، وهو حسب التعريف عضو في الجمعية، قد قام بالتحرّش بقاصرات. بالإضافة إلى إجبارهن على ممارسة الجنس القسري وتعاطي المخدّرات، وذلك بمعرفة مديرة الجمعية "ن. س." التي بدورها قامت ببيع رضيعتين لعائلتين أجنبيتين دون أيّ إجراءات قانونية. 

أرقام العنف ضدّ الأطفال إلى تزايد

تأتي هذه الحوادث بعد أقلّ من شهر على إقفال حضانة Gardereve، فور انتشار مقاطع فيديو على مواقع التّواصل الإجتماعي تظهر لقطات لتعنيف أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات، عن طريق ضربهم وتخويفهم وإجبارهم على تناول الطّعام، من قبل الحاضنات، وسط بكاء وصراخ بعضهم.

وإلى هذه القصص، تنضمّ جريمة اغتصاب "م.ش." لإبنة الـ7 سنوات، داخل ملعب قصقص في العاصمة بيروت، الذي كان مؤتمن على حمايته وروّاده من الأطفال. فيما كشفت التحقيقات أنّ هذه الطفلة ليست أولى ضحاياه بل سبق له أن تحرّش بعدد كبير من الأطفال. وكذلك قضيّة الطفلة "ل.ط."، ابنة الـ6 سنوات التي توفيت بعد تعرضها للاغتصاب من قبل خالها في بلدة عكار الشماليّة. كما قضيّة تعرّض طفلة سورية تبلغ من العمر 13 سنة لاعتداء جنسي من قبل سائق "توك توك" في منطقة البقاع في شهر تموز الماضي.

والمسبحة تكرّ إلى أكثر من 100 حالة تحرّش، وتعنيف، واغتصاب، طالت أطفالاً لبنانيين ومقيمين منذ مطلع العام 2023. وكانت قد سجّلت قوى الأمن الداخلي في لبنان، 57 حالة اعتداء جنسي مبلّغ عنه منذ مطلع العام 2022 لغاية شهر تشرين الأوّل، من بينها 20 حالة اغتصاب و37 حالة تحرّش جنسي، أي بمعدّل 6 حالات في الشهر. فيما الأرقام بحسب معلومات "الصفا نيوز" أكبر بكثير، إلّا أنّ غالبيتها لا تخرج إلى العلن، بسبب تفضيل معظم العائلات اللبنانيّة التكتّم على الموضوع وعدم التبليغ، خوفًا من وصمة العار التي يفرضها المجتمع والصّورة النمطيّة لضحايا التحرّش الجنسي والإغتصاب.


الخوف من وصمة العار وحكم المجتمع

وهو ما تؤكّده استشاريّة المناصرة والحماية القضائيّة في جمعيّة حماية، باسمة روماني في حديثها لموقع "الصفا نيوز"، مشيرة إلى أنّ "بعض الأهل يفضّلون لفلفة الموضوع والتكتّم عنه للمحافظة على سمعة أولادهم، وخصوصًا إذا كان القاصر الذي تعرّض لأيّ نوع من أنواع العنف الجنسي هو أنثى، حيث يعتقدون أنّ وصمة العار ستلحق بها مدى الحياة ولا أحد سينسى ما تعرّضت له".

وعن سبب تكتّم الأطفال عن الموضوع تقول " للأسف معظم الأطفال يعتقدون أنّهم مذنبين وأنّ ما حصل من اعتداء جنسي بحقّهم هو بسببهم، وأنّ أهلهم سيحمّلونهم المسؤوليّة وسيلومونهم كيف وافقوا وسمحوا للآخر بلمسهم والتحرّش بهم. وذلك بسبب عدم وجود مساحة للحوار بين الأهل وأبنائهم، حيث لا يتشارك الأهل يوميّات أطفالهم، ولا يسألونهم كيف أمضوا نهارهم، وبمن التقوا وعلى من تعرّفوا... وسط غياب للتربية الجنسيّة والتوعية على أساليب حماية الأطفال لأجسادهم والمحافظة على حدودها إن من جهة الأهل أو المدارس".

ومن جهة أخرى، تتابع روماني، "وبمعظم الأحيان يعتقد الأطفال أنّ ما يحصل من عنف جنسي (تحرّش لفظي أو جسدي أو إغتصاب...) هو مشاعر حبّ يشاركها المتحرّش معهم، فغالبًا ما يكون هذا الأخير شخصا لطيفًا والولد يثق به. إلاّ أنّه يجب أن يعي الولد أنّ ما يحصل بحقّه هو خطأ، وأنّ المشاعر التي يظهرها له المعتدي هي غير حقيقيّة. في المقابل قد يقوم بعض المتحرّشين بتهديد الأطفال بإيذائهم، أو أذيّة أهلهم أو أيّ شخص يحبّونه، ما يجعل الولد يدخل في حالة من التكتّم، خوفًا على أهله، حيث يعتقد أنّه بهذه الطريقة يحميهم، إلى أن يتكلّم ويفضح كلّ شيء. وبهذه الحالة يجب أن يكون الأهل داعمين لأولادهم، وأن يظهروا لهم مدى الحبّ الذي يكنّونه لهم".

وعن الخدمات التي تؤمّنها جمعيّة "حماية" تقول "نقدّم خدمات تدخّل ومتابعة إجتماعيّة ونفسيّة، وخدمة الحماية القضائيّة، وتوفير دورات توعية للأهل والأولاد والمتخصصين".


ما العوارض التي تظهر على ضحايا العنف وما الحلّ؟

من جهته يقول الطبيب النفسي المتخصّص بالأطفال، د. أنطوان الشرتوني، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "هناك عوارض قد تظهر على الطّفل بعد تعرّضه لأيّ نوع من أنواع العنف، ومن أبرزها نذكر انطواءه وانزواءه وابتعاده عن النّاس، وخوفه من الخروج من المنزل والاختلاط مع الآخرين، كما تزيد نسبة خوفه من أشياء بسيطة جدّا لم يكن يخاف منها من قبل، وقد يجد بعض الأطفال صعوبة في اللعب مع أصدقائهم، ويخافون كلّ من يكبرهم سنًّا، فيما بعض الأطفال يدخلون في حالة إكتآب وعدم استيعاب لما حصل معهم، ويبقون في حالة قلق دائم. كما قد نلحظ تراجع في علامات بعض الأطفال وأدائهم في المدرسة، ويصبح بعض الأطفال عدائيّين تجاه محيطهم"، مشيراً إلى أنّ "هذه العوارض لا تظهر على جميع الأولاد بنفس النّسبة، فهي تعود للطريقة التي يفهم فيها الولد الأمور وكيف هو محاط ومتابع وإذا ما كان يحصل على إرشاد نفسي أم لا".

من هنا يجب أن نعلّم الأولاد أهميّة الدفاع عن أنفسهم وحماية أجسادهم، بحسب الشرتوني، الذي شدّد على " ضرورة أن يحظى الولد على توعية وتربية جنسيّة، في المنزل والمدرسة، وأن يُفَسَّر له أنّه لا يحقّ لأيّ شخص كان أن يلمس جسده أو يضربه، وأنّه عليه فورًا أن يشتكي ويطالب بحقّه، وهذه التربية تساعدنا على حماية الولد وتجنيبه الكثير من المشاكل".

وبالنّسبة للعلاج الذي يجب أن يحصل عليه الطّفل بعد تعرّضه لأيّ نوع من أنواع العنف يجيب الشرتوني أنّه: "يجب أن يحظى كلّ ولد على علاج ومتابعة وإرشاد نفسي، ومدّة العلاج تختلف بحسب كلّ طفل، ومدى تفاعله وتجاوبه مع الأخصّائي، وهنا يلعب الأهل دورًا أساسيًّا ومهمًّا في العلاج".


ما هي القوانين التي تحمي الأطفال في لبنان وهل هي كافية؟

وإلى ذلك هناك سلسلة من القوانين التي تحمي القاصر في لبنان، ومنها نذكر:

1- التشريعات الدوليّة والتي تضمّ:

     - اتّفاقيّة حقوق الإنسان

     - اتّفاقيّة حقوق الطّفل

     - البروتوكول الإختياري الملحق بالإتفاقيّة بشأن بيع الأطفال وبغاء الأطفال والمواد الإباحيّة على الأطفال

     - البروتوكول الاختياري الملحق بالإتفاقيّة بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة لعام 2000

2- التشريعات الداخليّة، ومنها نذكر:

قانون العقوبات والذي ينصّ في المادتين 501 و502، على أنّه وفي حال تُرك الطفل وأُهمل ولم يتم إعالته أوالإنفاق عليه، تطال الأم والأب عقوبات تصل إلى الحبس مع التشغيل مدّة 3 أشهر وغرامة 200 ألف ليرة، أمّا المادّة 548 وما يليها من المادّة 559، تنص على أنه في حال ضُرب الطّفل أو جُرح أو تم إيذائه، تكون مدة العقوبة من 3 أشهر إلى 3 سنوات حبس، وفي حال تمّ تشريد الطفل وأجبر على التسوّل فتنصّ المادّة 617 على عقوبة السجن من شهر إلى سنتين، وفي حال بيعَ الطفل فالعقوبة هي الحبس من سنة إلى 3 سنوات.

أمّا في حال تمّ حمل الطفل على ارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة فالعقوبة بحسب المادّتين 507 و509، هي الأشغال الشاقة المؤقتة، وفي حال حضّ الطفل على الدعارة والفجور فالعقوبة بحسب المادة 523 هي بالحبس من شهر إلى سنة + غرمة ماليّة. أمّا في حال إغتصاب الأطفال دون الـ15 سنة فتنصّ المادّة 505 على عقوبة السجن من شهرين إلى سنتين.

وبدورها تنتقد مصادر قانونيّة في حديثها لموقع "الصفا نيوز" قانون العقوبات، معتبرة أنّ "المواد تحتاج إلى تطوير وتعديل، حيث إنّ العقوبة لا تتلاءم وقوّة الجرم. فمن جهة، الغرامة الماليّة المفروضة، فقدت قيمتها في ظلّ انهيار العملة الوطنيّة مقابل الدولار، حيث إنّ الـ200 ألف ليرة أصبحت تساوي دولارين تقريبًا بعد أن كانت أكثر من 130$ قبل الأزمة".

وتشير إلى أنّه "وبعد التروما والمشاكل النفسيّة التي يتعرّض لها الطفل جرّاء أيّ شكل من أشكال العنف التي تمّ ذكرها في ما تقدّم، يصبح بحاجة إلى وقت طويل للعلاج منها، فضلاً عن التكاليف الباهظة من أدوية وجلسات علاج نفسي، فيما على الدولة أن تفرض على مرتكب الجرم التكفّل بهذه المصاريف".

وتلفت المصادر إلى أنّ "الدولة لا تقدّم حماية مستقبليّة للقاصر المتعرّض لأيّ نوع من أنواع التعنيف، بعد إطلاق سراح المتحرّش أو المغتصب أو المعنّف، ما يفرض احتمال خروج المتحرش من السجّن ومحاولته الإنتقام من الضحيّة لفضحه. أيضًا وأيضًا، مدّة عقوبة السجن والأشغال الشاقّة ليست فعّالة، حيث يجب رفع عدد سنوات السجن والأشغال الشاقّة، كما يجب إخضاع المعتدي لجلسات تأهيل نفسي".


الإعدام للمغتصب والمتحرّش؟

أمام قضايا التحرّش واغتصاب الأطفال، التي أصبحت قضايا رأي عام، ينقسم هذا الأخير بين مؤيّد لعقوبة الإعدام بحقّ المعتدين ورافض لها

وعن عقوبة الإعدام تقول المصادر أنّها "أصبحت حبرًا على ورق، حيث أنّ آخر عقوبة إعدام نفّذت في لبنان كانت على عهد الرئيس إميل لحّود، ومن بعدها جمّد تنفيذ عقوبات الإعدام، على الرغم من أنّ المحاكم لا تزال تصدر هكذا نوع من الأحكام بحقّ بعض مركتبي جرائم القتل العمد أو الإرهاب، إلاّ أنّ الحكم لا يُطبّق على أن يبقى هذا الموقوف مسجون مدى الحياة حتى إشعار آخر".

وكانت قاضية التحقيق الأوّلي في شمال لبنان سمرندا نصّار قد أصدرت حكما بالإعدام بحقّ الخال المغتصب للطفلة ل. ط. الذي استغلّ غياب عائلته واعتدى على ابنة شقيقته البالغة من العمر ست سنوات في حمام المنزل. وفي تفاصيل الحادثة، أظهر القرار الظنّي أن "الخال أقفل فم الطفلة بشريط لاصق كي لا تصرخ ما أدى إلى تورم شفتيها، وأمسك يدها بقوة ما أدى إلى حدوث كسر فيها". وأضاف التقرير: "اغتصب الخال الطفلة بوحشية ما أدّى إلى ظهور كدمات على عدة أماكن من جسدها، وردّت الطفلة محاولة الدفاع عن نفسها بخدش الخال بأظافرها". كذلك طلبت القاضية إعدام والدة الطفلة وجدّها وجدّتها من جهّة أمّها، بناء على جنايتي المادتين 503 و504 في قانون العقوبات. ومن المتوقّع أن تُحال القضية إلى الهيئة الاتهامية، تمهيدًا لإصدارها قرارها الاتّهامي وإحالة القضية إلى محكمة الجنايات.

وأمام قضايا التحرّش واغتصاب الأطفال، التي أصبحت قضايا رأي عام، ينقسم هذا الأخير بين مؤيّد لعقوبة الإعدام بحقّ المعتدين ورافض لها. إلاّ أنّ ما لا خلاف عليه هو ضرورة تعديل العقوبات والأحكام وتشديدها إلى جانب تفعيل عمل النيابات والمحاكم لحماية الأطفال من وحشيّة وظلم المعتدين، من دون إعطاء هؤلاء أيّ أسباب تخفيفيّة وتسمح لهم بالإفلات من العقاب. فما حصل ويحصل بحقّ هؤلاء الأطفال أفظع من أن يتمكّن إنسان من وصفه أو تخيّله، لذلك يجب الحرص دائماً على أن يكون العقاب موازياً للفعل، لردع كلّ من يمكن أن يقدم على فعل مشين كهذا، والأهم تفاعل الأهل اليومي مع أطفالهم.