حتّى قبل الأزمة الاقتصادية الرّاهنة والتي استفحلت في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات، لم تكن المدارس الرسميّة بأفضل حال، وكنّا نشهد بين الحين والآخر إضرابات متقطّعة.
لكنّ ما شهدته هذه المدارس في السنتين الماضيتين كان أشبه بإعلان الموت السريري للتعليم الرسمي.
ومع اقتراب موعد انطلاق العام الدراسي في القطاعين العام والخاص، أسئلةٌ عدّة تُطرح حول قدرة الوزارة الماديّة واللوجستية على إعادة فتح المدارس وتأمين حقوق الأساتذة والانطلاق بعام دراسي منتظم؟
وفي المقلب الآخر ماذا عن المدارس الخاصّة وأقساطها التي تواصل ارتفاعها؟ وماذا عن المفاوضات الدّائرة بين إدارات المدارس وأساتذتها وكيف يتلقّف الأهالي الزيادات المتواصلة؟
في التاسع عشر من الجاري ينطلق العام الدّراسي في عددٍ من المدارس الخاصّة فيما لا موعد محدّد بعد حتّى الساعة لانطلاقته في المدارس الرّسميّة.
وزارة التربية وكالعادة لا أجوبة لديها على الكثير من الأسئلة. الأكيد بحسب المصادر في الوزارة "أنّ التحضيرات اللوجستية جاهزة، لكنّ العقدة الأساس تكمن في المعوقات المادية."
إذا تأخّرت الحقوق فليتأخّر العام الدراسي
نقيب أساتذة التّعليم الرّسمي في المدارس الرسمية حسين جواد يشير في حديث مع "الصفا نيوز" إلى أنّ اجتماعاً عُقد مع وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي منذ بضعة أسابيع وأنّ النقابة قدّمت للوزير مطالبها لانطلاق العام الدراسي تمثّلت بمبلغ 600$ كمداخيل لأنّ الرواتب الرّاهنة تصل في أحسن الأحوال إلى 200 $ وهذا لا يؤمّن فتح المدارس ولا استمراريّتها.
ومع اقتراب موعد فتح المدارس مجددًا يشير جواد إلى أنّ النّقابة طلبت من وزير التربية إرجاء موعد فتح المدارس الذي كان مقرّرًا في الرابع من أيلول إلى حين يصبح في جعبة الوزير محفزّات جديدة يمكن تقديمها للأساتذة
وفوجئ الاساتذة أنّ الوزير أصدر في صباح الرابع من أيلول مذكّرة قضت بفتح المدارس إداريًا في الرابع عشر من أيلول، من دون أيّ تنسيق مسبق معهم. وفي هذا الإطار يتمنّى جواد أن يقتصر هذا القرار فقط على بعض الإداريين وأن لا يُستتبع بقرارٍ يقضي ببدء العام الدراسي، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى مواجهة مباشرة بين الأساتذة والوزارة.
ويلفت جواد إلى أنّ النقاش كان تطرّق أيضًا إلى سلّة مطالب تضمّنت بنودًا متعلقةً بالوضع الاستشفائي، فعلى الرّغم من زيادة تعرفة تعاونية موظفي الدولة خمسين ضعفًا إلّا أنّ الأساتذة لم يلمسوا بعد الفرق، والدليل أنّ التعاونية فسخت عقودها مع عدد من المستشفيات التي لم تلتزم بتعرفة التعاونية.
أمّا في ما يتعلق بمطالب المتعاقدين فيشير جواد إلى أنّ المطالب تضمّنت رفع أجر السّاعة إلى خمسة دولارات على الأقلّ بدل المئة الف ليرة.
ويشير جواد إلى أنّ انطلاق العام الدراسي سيكون بالتّوازي مع تأمين حقوق الأساتذة، وفي حال تأخّرت هذه الحقوق فليتأخّر العام الدراسي.
اقساط المدارس الخاصّة ارتفعت بين ضعفين وثلاثة اضعاف
التحضيرات في القطاع الخاص جارية على قدم وساق، وإذا كان انطلاق العام الدراسي محتّمًا في التاسع عشر من الجاري فإنّ المشكلة الأساس تكمن في الأقساط التي ارتفعت بشكل ملحوظ هذا العام.
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر يقول في حديث عبر "الصفا نيوز": "أنّ الأقساط إرتفعت بمعدّل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف في المدارس الخاصّة، وكلّ مدرسة بحسب موقعها الجغرافي ومستواها التعليمي" .
ويشير نصر إلى "أنّ في كلّ مدرسة مكتب خدمات اجتماعية يستقبل طلبات أهالي الطلّاب غير القادرين على دفع الاقساط بمن فيهم الذين يعملون في القطاع العام". مشيرًا إلى وجود صندوق تعاضدي يغطّي الحسومات التي تقدّم وهو يُموّل عبر مساعدات فردية وجماعية ومؤسسات ومنظمات غير حكومية.
ويؤكّد نصر "أنّ الاقساط ستبقى بالليرة اللبنانية لأنّ تعديلها يتطلّب قرارًا من المجلس النيابي، إلّا أنّ المدارس تتقاضى بدل المسلتزمات المدرسية بالدولار".
وعن رواتب الأساتذة يوضح نصر أنّ المدارس بدأت بإعطاء الأساتذة مساعدات مادّية بالدولار، ومع تفلّت سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية اضطرّت المدارس لرفع قيمة الرواتب والمساعدات. ويكشف نصر عبر "الصفا نيوز": "أنّ المدارس الخاصّة بصدد البحث قي إقرار سلسلة رواتب جديدة خاصّة بأساتذتها، لكنّه يعرّج قائلا أن ليس من مسؤولية المدارس الخاصّة أن تحلّ مكان الدولة.
وإذ يلفت نصر إلى أنّ نسبة النزوح الأكبر من المدارس الرسمية إلى الخاصّة كانت العام الماضي، واعتبر أنّ بعض الأهالي ينتظرون ما ستؤول إليه الامور في القطاع الرسمي مطلع العام الراهن.
35 إلى 65 في المئة من رواتب اساتذة القطاع الخاص ستُدفع بالدولار
نقيب اساتذة التّعليم الخاص نعمة محفوض يؤكّد عدم قدرة أيّ قطاع في لبنان العمل بانتظام مطلق في ظلّ الانهيار العام الحاصل، كاشفًا في حديث مع "الصفا نيوز" أنّ اتفاقًا حصل بين نقابة الاساتذة والمدارس نصّ على أن يُدفع قسم من الرّاتب بالدولار وهذه النسبة تتراوح بين 35% و65% حسب المناطق الجغرافية للمدارس.
ويشدّد محفوض على أنّه "لا يمكن تعميم الوضع نفسه على المدارس الخاصّة كلّها فهناك مدارس تتقاضى اقساطًا مرتفعةً جدًا ولا تعطي الأساتذة أبسط حقوقها، في المقابل هناك مدارس تتقاضى أقساطًا مقبولة وتؤمّن لأساتذتها رواتب جيدة."
ويلفت محفوض إلى "أنّ المدارس التي ستتلكّأ عن إعطاء حقوق الأساتذة ستحاسب وستدعم النقابة إضراب أساتذتها".
بين مطرقة الاقساط وسندان ورواتب الاساتذة يقع العبء الاكبر على كاهل الأهل
تشير المستشارة القانونية لاتّحاد هيئات لجان الأهل في المدارس الخاصّة المحامية مايا جعارة عبر "الصفا نيوز" إلى وجود تفاوتٍ كبير في الأقساط بين مدرسة وأخرى فهناك عدد محدود من المدارس الكبيرة التي يتخطّى القسط فيها الـ 4000 دولار وصولاً إلى 11000 دولار. بينما هناك مدارس أخرى كبيرة مع أقساط أدنى من ذلك يبلغ القسط فيها حوالي الـ 2000 دولار. بينما العدد الأكبر من المدارس يبلغ القسط فيها حوالي الـ 1200 دولار .
واعتبرت المحامية جعارة، أنّه "بات من الضروري أن يتدخّل المشترع بعد طول غياب لوضع ضوابط صارمة، لأنّ السياسة المعتمدة للسنوات المقبلة من قبل إدارات المدارس تتجه لإضافة زيادات كبيرة على الأقساط لإيصالها إلى ما كانت عليه قبل العام 2019، والواضح أنّها ستتخطىّ قدرات عدد كبير من أهالي التلاميذ الذين باتوا مضطرين للجوء إلى المدارس الخاصّة في ظل تعثّر القطاع التربوي الرسمي مع الاضرابات المتتالية ".
وأسفت جعارة لكون لا نيّة لدى الحكومات المتعاقبة لمعالجة معضلة الأقساط في المدارس الخاصّة فيما وزارة التربية عاجزة عن فرض هيبتها و"وهرتها" وهي تحاول عندما يعلو الصّوت جمع الأسرة التربوية أو إصدار تعاميم وبعض القرارات التي تبقى حبراً على ورق.
المطلوب اليوم بحسب جعارة تفعيل دور لجان الأهل وتكريس حقّ كل لجنة أهل في مدرستها بالاطّلاع على كامل الموازنة .
وتشير جعارة إلى "أنّ التجارب أثبتت أنّ لجان الاهل عاجزة عن لجم الزيادات لأسباب عديدة نذكر منها قلّة الخبرة والإحراج وعدم وجود جهة رقابية مع تعطيل المجالس التحكيمية التربوية". مشددةً على ضرورة حثّ الجهات المانحة والتي هي عديدة في المجال التربوي على تقديم مساعدات للأهالي في القطاع التربوي الخاص.
ماذا عن المنح التعليمية؟
قبل الأزمة الاقتصادية كان موظفو القطاع العام يعوّلون على المنح المدرسية التي يحصلون عليها أكان في القطاعات العسكرية أو الإدارية .
في العام الماضي تراوحت مبالغ هذه المنح بين المليون ليرة والثلاثة ملايين في أفضل الأحوال في القطاعات العسكرية، أمّا من يستفيد من تعاونية موظفي الدولة فتراوحت نسبة المنح بين مليون وستة ملايين ليرة، علمًا أنّ قيمة هذه المنح للعام الدراسي 2023-2024 لم تصدر بعد.