شكّل الاستحقاق الرّئاسي مناسبة أمام الطّرفين لاستئناف حوار بعد فترة من الإختلاف والإبتعاد...

لم تخلّف حادثة الكحّالة ندوباً على العلاقة بين التّيّار الوطني الحرّ وحزب الله، وإن كانت قلوب الحليفين تكتنز عتباً متبادلاً لم ينفِ واقعة اعتبارها حادثة عرضية، تمّ تطويق مفاعيل استغلالها السّياسي من قبل خصوم الطرفين. بعدها فوراً جاء تأكيد حزب الله أنّ "الحادثة العرضيّة" لن تؤثّر على حواره مع رئيس التّيّار جبران باسيل وأنّه على استعداد للذهاب أبعد ما يكون على ضفّة هذا الحوار لإنجاحه، لكن طبعاً بما لا يمسّ استراتيجة عمل حزب الله ومسلّماته. يمكن القول أنّ هذا الحوار انطلق بعدما تراجع كلّ طرف خطوة لملاقاة الطّرف الثّاني، وحافظ كلّ منهما على ماء وجه الآخر واعتبارته أمام جمهوره.

الحوار وحزب الله

حالما انطلق الحوار مع التّيّار تنفّس حزب الله الصّعداء. رضي بعد طول عناد أن يدرج اسم سليمان فرنجية في سياق أسماء عدد من مرشّحين آخرين للتفاوض بشأنهم، بمعنى آخر لا يكون ترشيح فرنجية مسلّما به وغير خاضع للنّقاش ولو بقي اسمه يحتلّ صدارة البحث. واقترب باسيل من حزب الله بأن تراجع عن طرح سحب فرنجية كشرط للتّفاوض وطرح معادلة جديدة "إمّا بيجي رئيس من عمق قناعتنا، أو بيجي قوانين وإصلاحات أهمّ منه". في اعتقاد باسيل طالما يصرّ حزب الله على فرنجية فيجب أخذ النّقاش إلى مكان آخر ومختلف، يترك المرشّح للحزب ويتحاور هو على الأهمّ الذي بتحقيقه يسجّل التّيّار تحوّلاً كبيراً في مسيرته السياسية. طرح اللامركزية الإدارية والصّندوق الائتماني. نقاش عميق ومسار طويل بدأ بتسليم رئيس التيار لحزب الله تصوّره للمشروعين. في سرّه يدرك حزب الله أنّ تحقيق هذين المطلبين لا يتوقّف عليه وحده، وأنّ هناك شركاء معه يجب أن يتقاسمهم الرّأي، وفي مقدّمهم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي وقوى سياسية أخرى يجب أن تتشارك الرّأي بشأنهما كضمانة لتحقيقهما، وإلّا يكون ذلك ضرباً من المستحيل. داخل حزب الله من لم يقتنع بإمكانية تحقيق المطلبين لعدم توافر بيئة سياسية مشجعة على دراستهما، ويشكّك في نوايا باسيل ومقاصده، ويتحدث عن تقارب حذر هو السّائد حاليا بين التّيّار الوطني الحرّ وحزب الله، سببه الخشية من أن يكون طرح باسيل على سبيل المناورة وتمرير الوقت إلى حين خروج قائد الجيش جوزف عون من قيادة الجيش قريباً، فيعلن ترشّحه للرئاسة. في ظنّ صاحب هذا التّوصيف أنّ باسيل لم يغادر مربّع الرغبة في الترشّح للرئاسة، وهو يطرح اقتراحين ويدرك سلفاً صعوبة تنفيذهما، وإنّ مشوار بحثهما طويل للغاية بينما الموفد الرئاسي الفرنسي عائد في أيلول لبحث إمكانية فتح حوار حول الرّئاسة.

أكثر من لقاء عقده رئيس التّيّار مع رئيس وحدة الارتباط في حزب الله وفيق صفا. فكانت النتيجة تسلّم الحزب من باسيل مشروع اللامركزية والصندوق الإئتماني.

تقول مصادر التّيّار "إنّ الحوار مع حزب الله قائم في هذه المرحلة، حصراً على موضوع رئاسة الجمهورية والجمهورية. هو بشكل أو بآخر استعادة للبند الرابع من اتّفاق مار مخايل الذي لم يطبّق في موضوع بناء الدولة".

شكّل الاستحقاق الرّئاسي مناسبة أمام الطّرفين لاستئناف حوار بعد فترة من الإختلاف والإبتعاد سببها كان أوّلاً "موقف الحزب المتراخي مع ما قام به رئيس المجلس النيابي نبيه برّي طيلة عهد الرّئيس ميشال عون من عرقلة وتعطيل، وقيام حزب الله بتغطية وصول نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة على الرّغم من رفض التّيّار لذلك وتحذيره من أنّ ميقاتي لن يشكّل حكومة، وهذا ما حصل بالفعل، وقد تبيّن أنّ ميقاتي إنّما يريد الإستفادة من فترة نهاية ولاية عون ليثبت أمر واقع جديد، وأنّه قادر على التحكّم بالبلاد في محاولة لإعادة المنظومة التي حكمت في التسعينات". وثانياً "عجز حزب الله عن إيصال مرشّحه سليمان فرنجية للرئاسة فأصبح الحوار مع باسيل ضرورة حتمية بالنسبة إليهم، وهو يشكّل بالنسبة للتيار ضرورة وفرصة إذا استطاع من خلالها أن ينفذ إلى تحقيق ما يمكن إدراجه في خانة بناء الدولة".

بين الرئاسة والإصلاحات

تؤكّد المصادر أنّ الحوار حول الاستحقاق الرئاسي يتناول مسألتين مهمّتين طرحهما باسيل وهما ملفّ إقرار قانون اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وملف إقرار قانون الصّندوق الإئتماني. الأولى هي استحقاق كان يفترض باللبنانيين أن ينفّذوه منذ الطائف ولم يفعلوا، والثّانية استجدّت مع الإنهيار بإعتبارها حماية لأصول الدّولة من محاولات بيعها بعدما نهبت المنظومة المال الخاص وفلّست الدولة، وهي كانت تفكّر في بيع الأصول".

وعمّا وصل إليه الحوار لغاية اليوم يتحدّث التّيّار عن مرحلة بحث "متقدّم في مجال اللامركزية الإدارية لكنّه لم يبلغ بعد خواتيمه، وهناك لجان من الجانبين تبحث". أمّا الحوار المتعلّق بالصندوق الإئتماني "لا يزال في مرحلة طرح الأسئلة مع شرط أن يتم اقرارهما قبل الانتخابات وأن تكون مراسيمهما التطبيقية من ضمن القوانين".

يعتبر التّيّار أنّ "موضوع الاستحقاق الرّئاسي بحدّ ذاته يحكمه مساران من المفاوضات يجريهما التّيّار مع الحزب، المسار الأول هو إقرار اللامركزية والّصندوق الإئتماني، وقبل ذلك يسهّل باسيل الإسم الذي يريده حزب الله، والمسار الثّاني وفي حال العجز عن إقرار القانونين أو عدم موافقة حزب الله عليهما، فيتلخّص بأن يتّفق التيار مع الحزب على اسم مرشّح ثالث غير جهاد أزعور وفرنجية، يشكّل نقطة تقاطع ليس فقط بين التّيّار والحزب وإنما بين اللبنانيين ككلّ ويكون مقبولاً من أكثريّة وازنة لدى اللبنانيين".

الحوار الذي انطلق بين التّيّار وحزب الله منذ ما يزيد على شهرين ليس إلّا مساراً طويلاً وشاقّاً يريد كلّ طرف أن يحقّق غايته من خلاله. غايتان مختلفتان بطبيعة الحال. يريد حزب الله رئيساً للجمهورية يخرج من عباءة أمينه العام، حافظاً لضهر المقاومة ودورها الإستراتيجي. بالمقابل يريد التّيّار رئيساً لبنانياً مارونياً يخرج بتوافق ماروني لبناني، يعيد بناء الدّولة ويحمي أصولها ولا يكون على خلاف مع المقاومة أو ضدّها، بل يحفظ لها دورها من خلال إقرار الإستراتيجية الدّفاعية.

المعضلة أنّ الطرحين يحتاجان إلى بحث عميق ومعمّق على مسافة عام من الفراغ الرئاسي. سباق محموم بين حوار غير مضمون النّتائج، ووضع إقليمي يعيد ترتيب الأوراق والأولويات التي يقف لبنان خارجها، وسيبقى إلى أن تدقّ ساعة التّسوية ويصبح للكلام جدوى.