عنوانان مصيريان للبلاد، إلّا أنّهما يحملان أيضاً مخاطر مستقبلية سيادية كما بيئية...

جاءت رسالة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان المنسوخة 38 مرة، شبيهة بباخرة التنقيب عن النفط، خطوة لا تغني ولا تسمن عن جوع بانتظار موعد الحوار أو انبعاث روائح الغاز من المنصّة في البلوك رقم 9، مع العلم أنّ الحوار كما النفط مسألة غير مضمونة.

على الرّغم من ارتفاع درجات الحرارة في لبنان إلى مستويات غير مسبوقة، شهدت الأجواء التي كانت محمومة عقب حادثة الكحالة برودة غير معهودة في أعقاب هكذا أحداث. هذه البرودة هي نفسها التي تعامل بها البعض مع الرسالة الفرنسية التي حملت توقيع لودريان. وإن بدا الثنائي الوطني الأكثر حماسة لها، إلّا أنّه كان يمنّي النّفس أن يلاقيه رئيس تكتّل لبنان القوي جبران باسيل بموقف مماثل، لكن الاخير وجد في الرسالة فرصة لحصر الحوار في ملف الرئاسة وفي مدة زمنية محدودة على أنّه وفي حال فشل الحوار يكون تعهّد من رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعقد جلسات انتخاب متتالية. موقف باسيل هذا يمكن وضعه في خانة أقرب الى موقف المعارضة التي رفضت المشاركة في الحوار، وبتوقيع 32 نائباً يمثّلون القوّات والكتائب وبعض التغييريين والمستقلّين. هذا الموقف للمعارضة الذي لم يستسغ طريقة توجيه الدعوة ولغتها، أهّلها لأن تكون في موقع من يملك زمام المبادرة خارج عن جدول الأعمال الفرنسي للبنان، وإن كان البعض لا يزال يصرّ على أنّ فرنسا تتحرّك بتغطية من اللجنة الخماسية. وبحسب ما علمت "الصفا" من مصادر معنية بالحوار الخماسي إنّ المملكة العربية السعودية لا تزال على موقفها الأول والذي يرفض الخوض في الأسماء وإنّما يتمسّك بالمواصفات التي يرتضي بها أغلبية الفرقاء اللبنانيين. وعلى ما يقول العارفون فإن هذه المواصفات لم يظهر المرشح سليمان فرنجية كمن يتمتّع بها حتى اللحظة، حيث أنّه لم يحصد تأييداً خارج إطار الثنائي وحلفائه.

يبدو تكتّل لبنان القوي كما كتلة اللقاء الديمقراطي برئاسة تيمور وليد جنبلاط في المساحة الرمادية، ويمكن للكتلتين أن تلعبان معاً هذه المرّة دور المرجّح لأيّ خيار من الخيارات، خصوصاً وأنّ باسيل كان قد بادر عقب لقائه وليد جنبلاط إلى ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي كان من ضمن أسماء وجدها جنبلاط مؤهلة للموقع. فهل يلتقي الرجلان مجدّداً ومن خلفهما كتلتيهما على مرشّح يمكن حشد تأييد المعارضة له كما حصل مع أزعور؟ هذا السؤال ينتظر الشكل الذي سيتخذه موقف المعارضة بقيادتها الجديدة، وهو دور يرجّح أنّ القوات اللبنانية تلعبه منذ فترة ولو من دون إشهار. فالقوات التي تركت للكتائب أن تتصدّى لموضوع حادثة الكحّالة، كانت على تواصل مفتوح مع جميع الفرقاء تقريباُ بشكل مباشر أو بالواسطة. وهذا الأداء الأخير للقوات يردّه البعض إلى مقاربة جديدة للوضع الداخلي مبنيّة على التطورات الإقليمية المستجدة. فالقوات لم تعد تجد نفسها محرجة أو معزولة داخلياً بل ومنذ تبنّت ترشيح أزعور باتت في موقع مقرّر بل قيادي على جبهتها. وفيما ينشغل الفرقاء بموضوع الحوار ورسالة لودريان تواصل القوات العمل على التحضير لمهرجان شهدائها مطلع الشهر المقبل، وهي تريد لهذا المهرجان أن يكون رداً جماهيرياً على الخصوم في ملفات عدة، أهمها موضوع الانتخابات الرئاسية ومستقبل الحكم في لبنان. فالحساسية التي تجمع المسيحيين على الرغم من اختلافاتهم هو خشيتهم من أن يصبح انتخاب أي رئيس للجمهورية رهن موافقة "الثنائي الشيعي" إن لم يكن من اختياره ولو كان خارج الإرادة المسيحية الجامعة.

وكما هي الحال عند الثنائي تلعب القوات تماماً كحركة أمل دور الرافعة في شارعها وهي الأقدر على الإفصاح عن موقف جمهورها، فيما يعاني التيار الوطني الحر في هذه النقطة لجهة ضبط انفعالات الأتباع وإحساسهم بالعجز وبإمكانية السير مجدداً في مسار تسووي يمكن أن يقود مجدداً إلى تكرار مقولة "ما خلّونا". يبقى أن القوات مطالبة من جمهورها اوّلاً بما يتّصل بالشعارات التي رفعتها خلال حملتها الانتخابية والتي أمّنت لها الحصول على أكبر كتلة مسيحية في البرلمان اللبناني وهو ما تصرّح به. هذه الشعارات التي تراوحت بين السياسة والاقتصاد والمال والتنمية تحدّثت عن قدرة القوات على النهوض بها وتغيير واقع المعاناة، وهو ما لم يتحقّق حتّى اللحظة. فهل ستكون هذه العناوين ضمن المحاور التي ستكون حاضرة في مناسبة يوم شهداء القوات؟ وهل ستنجح القوات في رسم مسار للتغيير والنهوض قابل للتحقق في قابل الأيام؟ أم أنّها ستنجح في حصد مبايعة جماهيرها لها ومن دون مساءلة أو محاسبة طالما أن العنوان سيكون على المستوى الوجودي؟

الخشية هي من الضرر البيئي الذي يمكن أن ينجم عن عمليات التنقيب في منطقة كانت حتّى الأمس القريب الأكثر نقاءً والأقلّ تلوّثاً على طول الساحل اللبناني

فإن كانت الغالبية النيابية لا تبدي حماسة تذكر لزيارة لودريان ولا تتوقع من زيارته أي تغيير يذكر على قياس "تعا ولا تجي"، فإن الأمر لا يختلف بالنسبة لموضوع التنقيب عن النفط والغاز، وكلاهما عنوانان مصيريان للبلاد، إلّا أنّهما يحملان أيضاً مخاطر مستقبلية سيادية كما بيئية.

في موضوع النفط والغاز لا تزال الأسئلة حول الصندوق السيادي وعائدات هذا القطاع المستقبلية من دون أجوبة حاسمة. كما أنّ مسألة العثور على مكامن من عدمها لا تزال رهن التوقعات وإن كانت توقعات مبشّرة، إلّا أنّ الخشية هي من الضرر البيئي الذي يمكن أن ينجم عن عمليات التنقيب في منطقة كانت حتّى الأمس القريب الأكثر نقاءً والأقلّ تلوّثاً على طول الساحل اللبناني.

فهل العائد المرتقب من عمليات التنقيب يوازي كلفة الإضرار بالبيئة البحرية، في حال وقوع أي تسرّب، وهل القوانين التي تم إقرارها في هذا المجال كافية للحد والحيلولة دون وقوع خطأ بشري أو تقني يمكن أن ينتهي بتلوّث قادر على الإضرار بكامل الشّاطئ اللبناني أو السّاحل الجنوبي على الأقلّ.

كما يحضر سؤال إضافي حول جدوى التنقيب عن النفط فيما العالم يتّجه إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية تماشيا مع الدعوات للحفاظ على بيئة نظيفة والحد من الاحتباس الحراري والبصمة البيئية. وكان المجلس النيابي قبل أيام يدرس مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجددة والموزعة، خصوصاً وأن لبنان يتمتع بـ 300 يوم من الطقس المشمس في السنة وهي مصدر ملائم جدّا لإنتاج الكهرباء، وتضاف الرياح إلى الشمس كمصدر متجدد وهناك تجارب عدة في هذا المجال بيّنت إمكانية تحقيق هذا الأمر وطبعا من دون إغفال الطاقة التي تولّدها السدود النهرية وتجربة بحيرة القرعون خير دليل على ذلك ويمكن تعميمها بالنظر إلى التضاريس اللبنانية والجبال والأنهار في طول البلاد وعرضها.

هذه المعطيات تدفع بالكثيرين إلى التعامل مع بدء العمل بالتنقيب بحثاً عن النفط والغاز على قاعدة: المهم ما تروح "المصاري والبيئة" هدر وسمسرات وفساد.