من شأن من يتسنّى له التواجد في الفضاء – نظرياً – أن يكون أصغر سنّاً هناك مقارنة بعمره الأرضي
عندما وضع ألبرت آينشتاين نظريّة النّسبيّة الخاصّة، كان أحد أبعادها الجوهرية عامل تمدّد الزمن (time dilation)، أي تباطؤ الوقت بالنّسبة لمراقب ثابت عند التحرك بسرعة فائقة. ومن هناك، أصبحت أسئلة مشروعة كثيرة تدور في عقولنا نحن الأرضيين. نذكر اثنين منها: هل يختلف الوقت على الأرض عنه في أنحاء أخرى من الفضاء، وبالتّالي هل يتغيّر عمر الإنسان في حال أمضى وقتاً معيّناً خارج الكوكب؟
النظريّة النسبية تجيب بـ"نعم" على السؤالين أعلاه. وأبرز العوامل هنا، بحسب النّظرية، هو تأثير قوّة الجاذبية والسرعة النسبية، حيث يكون مرور الوقت في الفضاء أبطأ منه على الأرض. وهكذا، من شأن من يتسنّى له التواجد في الفضاء – نظرياً – أن يكون أصغر سنّاً هناك مقارنة بعمره الأرضي. وأكثر من تنطبق عليهم المقارنة (إلى أن يصبح السفر الخارجي متاحاً بشكل أوسع) هم روّاد الفضاء بالأخص.
لنأخذ مثالاً على تأثير قوة الجاذبية في الفضاء على سريان الزمن. ففي أي مجال قريب من كتلة ضخمة على غرار الكواكب أو النجوم، يتمّ تشويه المكان على شكل انحناء ما يؤدّي إلى نشوء اختلاف في سريان الزمن مقارنة مع مناطق أخرى من الفضاء تخلو من تأثيرات جاذبية مشابهة. أمّا بما يتعلق بالسّرعة النسبية، فتأثيرها يحدث لدى تحرّك الأجسام في الفضاء بسرعات عالية، ما يعني أنّ مرور الزّمن يختلف وفقاً لسرعة الجسم المتحرّك.
نهاية الشهر الماضي، توصّل مجموعة من العلماء لخلاصة أكثر دقّة ذات صلة بالوقت على نطاق أشمل. فالوقت، بحسب عالم الفيزياء الفلكية بجامعة سيدني والمعدّ الرئيسي لدراسة نُشرت في مجلة "Nature Astronomy"، جيراينت لويس، كان يمرّ أبطأ بخمس مرّات في مراحل الكون المبكرة. ولتأكيد الظاهرة، استخدمت الدراسة، في سابقة من نوعها، أجساماً كونية ساطعة تُعرف بالنجوم الزائفة (quasars) – وهي نوى مجريّة فائقة النشاط تشتمل في مركزها على ثقب أسود فائق الكتلة، وتعود نشأتها إلى ما يقارب مليار سنة بعد ولادة الكون.
بالعودة إلى نظرية النّسبية، يقول لويس إنّه يُفترض بسبب توسّع الكون ملاحظة نموّ الأجزاء البعيدة منه في حركة بطيئة. فتوسّع الكون يعني أنّ أيّ ضوء منبعث من أحداث كونية موغلة في القِدم، يتطلّب وقتاً أطول للوصول إلى الأرض كونه يحتاج للسفر لمسافات أطول باستمرار. وهو أشبه ما يكون بسباق مع الزمان والمكان في آن.
لويس وزملاؤه لجأوا إلى نجوم تُنهي حياتها بانفجار وتُعرَف بالمستعرات العظمى (supernovae) لإظهار كيف بدا مرور الوقت أبطأ بمرّتين عندما كان الكون في نصف عمره الحالي والبالغ 13,8 مليار سنة. ولقياس ظاهرة تمدّد الزمن، جرى تحليل بيانات 190 نجماً زائفاً رُصدت على مدار 20 عاماً بالاعتماد على المسح التصويري الطيفي (Sloan Digital Sky Survey)، مسح الطاقة المظلمة (Dark Energy Survey) وتلسكوب المسح البانورامي (Pan-STARRS).
وفق الفريق البحثي، كَمَنَ التحدّي في تحويل النجوم الزائفة إلى ساعات كونية مثل المستعرات العظمى، لِما هي توفّر من إشارات موثوقة حيال مرور الوقت. لكنهم نجحوا في نهاية المطاف في تفسير الصدمات المتعددة الناتجة عن امتصاص ثقب أسود لنجم زائف المادة. وبما أن قرص التراكُم (accretion disk) المتشكّل جرّاء انتشار المادة حول الثقب الأسود صغير نسبياً، ليس ثمة حاجة لحدوث تقلّبات (fluctuations) في مستوى سطوع الضوء المنبعث من النجم الزائف لأكثر من أيّام محدودة، ما يجعلها سهلة التعقّب. لكن، منذ انبعاث الضوء من نجوم زائفة عمرها يقارب 12 مليار سنة، لم ينفكّ الكون يتوسّع ما يعني أن ما تمّت مشاهدته هو حال تلك النجوم يومذاك فحسب. ونظراً للبطء الشديد الذي تحصل خلاله التقلّبات، بدا أنّ الوقت في تلك النجوم مرّ أبطأ بواقع خمس مرات مقارنة مع مروره بالنسبة إلينا على الأرض.
ما رصده العلماء يثبت مجدّداً أنّ أينشتاين كان على حقّ، كما يؤكّدون في معرض تحليلهم لنتائج الدراسة. فتماماً كما أثبت العالِم الألماني، هناك أمور غريبة تحصل – ومن ضمنها تمدّد الزمن - عند اقتراب جسم ما من حافة السّفر بسرعة الضوء. إذ، من منظار شخص متواجد على الأرض يراقب ساعة موجودة داخل جسم مسافر في الفضاء، بقدر ازدياد السرعة التي تسير بها الساعة، بقدر ما يبدو الوقت أبطأ هناك بالنسبة إلى المراقب الأرضي. والنظر إلى الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض مثالٌ على ذلك، وإن لم يكن بالوضوح المطلوب لقرب مدار دوران تلك الأجسام حول الكوكب.
وعلى مقياس أضيق، ثمة أيضاً من يقول إن رؤوسنا تشيخ أسرع من أقدامنا. والتفسير هنا مردّه إلى ما يحدث لدى وقوع جسمين مختلفين في حقلَي جاذبية مختلفين. فالوقت يمرّ بشكل أبطأ بالنسبة للجسم المتواجِد في نقطة أكثر "عمقاً" داخل الحقل مقارنة مع ذلك المتواجد في نقطة أكثر "سطحية". وهكذا، تشيخ الرؤوس - الأكثر بعداً عن مركز جاذبية الأرض - بوتيرة أسرع من الأقدام - الأكثر قرباً منه.
لكن ما توصّل إليه الباحثون، على أهميّته، لا يغيّر من حقيقة راسخة. فالوقت، بالرغم من كل شيء، ينساب بإيقاع ثابت وباختلاف الأزمان. هو بحدّ ذاته لا يُسرع ولا يُبطئ. بل جلّ ما في الأمر أنّنا بإزاء مقاربة نسبية لعملية انسيابه تلك من مناظير ونقاط مرجعية مختلفة لا أكثر.