الجميع عاد خطوة إلى الوراء على أمل إحداث كوة في جدار الأزمة الحاصلة، ومع هذه الخطوة عاد "المتقاطعون" إلى متاريسهم السياسية، حيث وصل الأمر برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، للقول خلال مقابلة تلفزيونية، أمس، "لا أضمن باسيل في أيّ جلسة انتخابات رئاسية مقبلة"، متوجهاً لـ"لودريان بالقول: "ما تعذّب حالك بالحوار"
المياه تعود إلى مجاريها شيئاً فشيئاً بين حزب الله والتيار الوطني الحر. والطرفان إذا ما "تقاطعا أو تقاربا أو التقيا" في قابل الأيام على فكرة سياسية ما او عنوان محّدد، يتوقّع الكثيرون أن ينعكس الأمر على الشأن الرئاسي بما يسهّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد 9 أشهر من الفشل في انهاء الفراغ الذي يتسلل نحو المؤسسات الكبرى (مصرف لبنان وقيادة الجيش). هذا هو المُستجد سياسياً من الآن وحتّى مطلع الأسبوع المقبل بانتظار ما سيحمل الموفد الرئاسي الفرنسي جان-ايف لودريان في جعبته قادماً من الرياض إلى بيروت، علّ الأمور تتوضّح أكثر.
لبنان على طاولة الرياض بين لودريان والعلولا
التقى المستشار بالأمانة العامّة لمجلس الوزراء السعودي، نزار بن سليمان العلولا، أمس، في ديوان وزارة الخارجية بالرياض، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي للبنان جان إيف لودريان.
وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا، وبحث آخر تطورات الملفّ اللبناني. كما تمّت مناقشة المستجدّات الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك.
وتؤكَّد مصادر مواكبة للقاء أنّ نتائجه لم تخرج من إطار العموميات، وربما لن تتوضح مفاعيلها إلّا مع إنطلاق جولة الموفد الفرنسي الثانية على الأفرقاء اللبنانيين، لاستشراف الموقف السعودي وتحديد موقعية الأزمة اللبنانية على خريطة المملكة في المنطقة، معتبرةً أنّ مجرّد وضع الأزمة على سلّم أولويات الديوان الملكي السعودي بمثابة "بشرى خير" تنذر ببدء نهاية الأزمة.
تواصل مباشر بين "التيار" والحزب
على مواقفهما ولكن بتبنّيهما قناعة جديدة، تتلخّص بأنّ الاستمرار بنفس الأسلوب ونفس الخطوات السياسية لن تكون النتيجة مختلفة أبداً، لذا قرّر كلّ من التيار والحزب إعادة فتح قنوات التواصل بينهما على قاعدة ربط النزاع الرئاسي أولاً، من خلال البدء بتفكيك العقد الكبرى عبر إجراء جردة حساب تشمل كلّ ما عكّر صفو العلاقة وهدّد اتفاق مار مخايل بين الطرفين منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ومن بعدها البدء بالبحث بمواصفات مشتركة لشخص رئيس الجمهورية المقبل، فبالنسبة للتيار وحسب ما جاء على لسان رئيسه جبران باسيل أمس الأول، فالمعادلة باتت واضحة بأن التقاطع على الوزير الأسبق جهاد أزعور بين الأفرقاء المسيحين قد انتهى، ولكنّه في الوقت نفسه أبعَدَ مرشّح "الثنائي الوطني" رئيس تيار المردة سيلمان فرنجية مبدئياً عن المشهد الرئاسي، وأنّ أيّ بحث مُقبل في هذا الاطار سيكون عبر الوصول إلى خيار ثالث بعدما لمس التيار أخيراً ليونة في موقف الحزب، فعلى الرغم من استمرار تمسّك الأخير بفرنجية إلّا أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال حرفياً في كلمته بذكرى عدوان تموز 2006، مساء أمس، "موقفنا معروف من الحوار ونحن جاهزون من دون قيد أو شرط".
جردة حساب ورسائل إيجابية بثها بري
وفي هذا السياق جاء كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي أخيراً عن التمسّك باتفاق الطائف وتأييد إقامة اللامركزية الموسّعة التي نصّ عليها، وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ، بمثابة رسالة ايجابية إلى التيار، فضلاً عن أنّه رسالة إلى بقية الأطراف وإلى الرياض وغيرها، بأنّ "الثنائي" يتمسّك بقوة باتفاق الطائف خلافاً لما يشاع عن أنّه يدفع بالأوضاع للوصول إلى مؤتمر تأسيسي يطيح "الطائف" ويبحث في إقامة نظام بديل.
أمّا في ما يتعلق بـ"الصندوق" السيادي الذي يطالب به باسيل كشرط ثانٍ بعد اللامركزية الادارية الموسّعة للقبول بأيّ رئيس يلتزم به، فإنّ الثنائي لا يمانع اطلاقاً إقامة مثل هذا الصندوق ولكن على أسس واضحة بحيث لا يكون حكراً على طرف معيّن، وإنّما تكون الدولة صاحبة السيادة المطلقة عليه كون ما سيتجمّع فيه من ثروة سيكون ملك الأجيال الحالية والقادمة.
على أنّ موقف الحزب الذي عارض تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان قبل انتخاب رئيس الجمهورية، يقول قطب سياسي مطّلع، لاقى صدى ايجابياً لدى "التيار" لأنّه تلاقى مع موقفه، الأمر الذي ساهم أكثر في تعزيز التواصل بين الطرفين والذي قد يؤسس لاحقاً لتواصل مباشر بين قيادة "التيار" وفرنجية بمبادرة من الأخير عندما يحين أوانها، خصوصاً وأنّ الرجل كان ولا يزال يعلن استعداده ولا يزال للحوار مع التيار وكذلك مع قيادة "القوات اللبنانية" وغيرهما.
على صعيد آخر، تناقلت وسائل إعلام محلّية بأنّ الساعات القليلة المقبلة قد تشهد إستقالة فعلية لنواب حاكم مصرف لبنان.
وبالعودة إلى كلام نصرالله، فقد أكّد أنّ اتهام "الثنائي الوطني" بالعمل على إعادة النظر بالنظام والدستور والمثالثة غير صحيح، واصفاً ذلك بالكذب الذي يُقصد منه تضليل الرأي العام اللبناني وتوتير الداخل، سائلاً: "لمصلحة من يوتّر الجوّ الداخلي؟ من يريد تغيير النظام ويتحدث بالفدرالية والتقسيم؟"، في حين كان قد استهل كلمته بالتحذير من فتنة مسيحية - اسلامية قد تُقبل على المنطقة في معرض تعليقه على جريمة حرق نسخة من القران الكريم أخيراً في السويد.
من جهتها، ترى أوساط مواكبة لسلسلة التصريحات الأخيرة أنّ الجميع عاد خطوة إلى الوراء على أمل إحداث كوة في جدار الأزمة الحاصلة، ومع هذه الخطوة عاد "المتقاطعون" إلى متاريسهم السياسية، حيث وصل الأمر برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، للقول خلال مقابلة تلفزيونية، أمس، "لا أضمن باسيل في أيّ جلسة انتخابات رئاسية مقبلة"، متوجهاً لـ"لودريان بالقول: "ما تعذّب حالك بالحوار".
كذلك، بدا لافتاً موقف جعجع المتعلّق بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إذ عبّر عن معارضته للتمديد له وأيضاً لتهديد نواب الحاكم بالاستقالة.