القمّة التي ستنعقد في مدينة جوهانسبرج ستناقش كيف يمكن لدول بريكس أن تساعد القارّة السمراء في تحقيق النّموّ الاقتصادي

من المرتقب أن تنعقد قمّة مجموعة دول البريكس في آب المقبل في جنوب أفريقيا، في حدث مفصليّ من تاريخ العلاقات الدّولية، التي تشهد صعود قوى غير أوروبية وغير أميركية لتتحدّى الهيمنة الغربية التي فرضت على العالم منذ ثلاثة قرون، ولتمهّد ولادة عالم متعدّد الأقطاب تلعب فيه القوى غير الأوروبية دوراً رئيسياً في العلاقات الدولية.

وإضافة إلى الدّول الأعضاء في البريكس وهي روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، فلقد أعلن شيربا أنيل سوكلال، ممثل جنوب إفريقيا لدى مجموعة بريكس، أنّ الرئيس سيريل رامافوزا قرّر دعوة جميع القادة الأفارقة كجزء من توسيع نطاق التواصل لإجراء حوار مع قادة بريكس. وذكر سوكلال أنّ القمّة التي ستنعقد في مدينة جوهانسبرج ستناقش كيف يمكن لدول بريكس أن تساعد القارّة السمراء في تحقيق النّموّ الاقتصادي. وأضاف أنّ الدعوة تشمل قادة من الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، فضلاً عن قادة الأعمال التجارية.

أهداف مجموعة البريكس

منظّمة البريكس تشكّلت في العام 2009 من خمس اقتصادات ناشئة رئيسية، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتقوية الحوار السياسي بين الدّول الأعضاء، وهي تركّز على قضايا مثل التجارة والاستثمار والتمويل والتكنولوجيا والابتكار. وقد أنشأ أعضاء البريكس عدّة آليات لتسهيل تعاونهم بما فيها بنك بريكس للتنمية الجديدة الذي يهدف إلى توفير التمويل لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، ومجلس أعمال البريكس الذي يعزّز التجارة والاستثمار والشراكات التجارية داخل المجموعة.

والجدير ذكره أنّ المجموعة تمثّل الذراع الاقتصادية للقوى الأوراسية وعلى رأسها الصين وروسيا بعدما سبق وأطلقتا منظمة شنغهاي للتعاون في العام 2001 لمواجهة الهيمنة الاستراتيجية الأميركية والغربية على العالم. وكانت المنظمة قد أطلقت بعضوية ستّ دول هي روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان بهدف ضمان الأمن والاستقرار في وسط آسيا. وبعد سنوات عدّة انضمّت كلّ من الهند وباكستان إلى المنظّمة قبل أن يعلن في أوائل تموز 2023 عن قبول إيران كعضو في المنظّمة. وقد ركّزت منظّمة شنغهاي على القضايا السياسية والاستراتيجية والأمنية خصوصاً في البرّ الأوراسي ما حتّم ضرورة أن يستكمل هذا الجهد بتحالف مع قوى غير أوراسية مثل جنوب إفريقيا والبرازيل، على أن يكون التركيز على البعد الاقتصادي، فكان إطلاق منظمة البريكس.

مواجهة الهيمنة الأميركية والغربية

مهّدت منظمتا شنغهاي والبريكس لقيام كتلة من الدول غير الغربية، لتوازن الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي استطاعت فرض سلطتها المطلقة على العلاقات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وتشكّل الدّول الأعضاء في البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون تكتلاً اقتصادياً يكاد يتفوق اقتصادياً على الدول الغربية المنضوية في إطار حلف شمال الأطلسي الناتو. لذا فإنّنا نجد أنّ حجم النّاتج القومي الصيني هو 16.64 تريليون دولار والهند 2.65 تريليون دولار، وروسيا 1.5 تريليون دولار، والبرازيل 1.42 تريليون دولار، وجنوب أفريقيا 284 مليار دولار، وباكستان 264 مليار دولار، وكازاخستان 159 مليار دولار، واوزبكستان 53 مليار دولار، وطاجيكستان 8.6 مليار دولار.أي أنّ الناتج المحلّي القائم لهذه الدول مجتمعة هو بحدود "23 تريليون دولار".

في المقابل فإنّ الناتج المحلّي القائم للولايات المتحدة هو 22.675 تريليون دولار، وألمانيا 4.5 تريليون دولار، والمملكة المتحدة 3.122 تريليون دولار، وفرنسا 3 تريليون دولار، وإيطاليا 2.22 تريليون دولار، وكندا 2 تريليون دولار، أي بمجموع نحو"37 تريليون دولار". لكن إذا أخذنا بالاعتبار عمل القوّة الشرائية فإنّ الرقمين يكونان متعادلين تقريباً.

ومن المتوقّع أن تدفع قمّة البريكس التي ستعقد في جنوب إفريقيا القوى غير الغربية إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية ونفوذها في القارّة السمراء على حساب النفوذ الغربي التقليدي في هذه القارّة. والجدير ذكره أنّ الصين قد بدأت بتعزيز علاقاتها بدول القارّة السمراء منذ بداية الألفية، كما أنّ روسيا فعّلت مؤخراً من حضورها في عدد من الدّول الإفريقية عبر مجموعة فاغنر العسكرية الخاصّة التي يتواجد خبراء منها في ليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى ومالي وغينيا بيساو. إضافة إلى ذلك فإنّ روسيا أحيت علاقاتها الاستراتيجية مع الجزائر لتعوّض عن خسارتها لليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمّر القذافي في العام 2011. وتراهن موسكو على قدرتها على تعزيز نفوذها في شمال وغرب إفريقيا على حساب النفوذ الفرنسي.


تمثل القارّة الإفريقية ساحة الصّراع الرئيسية المرتقبة بين الغرب من جهة والقوى الأوراسية من جهة أخرى

الطاقات الكامنة لإفريقيا

تمثل القارّة الإفريقية ساحة الصّراع الرئيسية المرتقبة بين الغرب من جهة والقوى الأوراسية من جهة أخرى بسبب الطّاقات الضخمة الكامنة في هذه القارّة ونتيجة موقعها الاستراتيجي. فإفريقيا غنيّة بالموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن والأحجار الكريمة إضافة إلى المنتجات الزراعية. وتشكل إفريقيا سوقاً كبيراً واعداً، إذ أنّها تُعتبر القارّة الأسرع نموّا للسكّان في العالم، مع توفّر قوة عاملة كبيرة وشابّة. ويمثّل هذا النموّ السكّاني تحديات وفرصًا على حدّ سواء للتنمية الاقتصادية، حيث يمكن أن يؤدّي إلى زيادة الاستهلاك والإنتاج المحلّيين. كما تشهد القارّة السمراء عملية تحضّر واسعة وانتقال الناس من الحياة الرّيفية إلى الحياة في المدن، التي تتحوّل تدريجياً إلى مراكز للنًشاط الاقتصادي، ما قد يؤدّي إلى زيادة الإنتاجية وخلق فرص العمل والاستثمارات في البنية التحتية. كذلك فإنّ إفريقيا تشهد تطوراً تكنولوجياً كبيراً خصوصاً على صعيد تكنولوجيا الاتّصال نتيجة انتشار الهواتف المحمولة، وتحسين الوصول إلى الإنترنت، وظهور شركات التكنولوجيا المالية. وقد سهّل هذا الأمر النموّ الاقتصادي والابتكار في مختلف القطاعات. وتعمل البلدان الإفريقية لتعزيز التكامل الإقليمي من خلال مبادرات مثل منطقة التجارة الحرّة القارّيّة الإفريقية بهدف إنشاء سوق موحّدة للسّلع والخدمات وتحرير التجارة وجذب الاستثمارات. وقد حقّق العديد من الدول الإفريقية درجة من الاستقرار السياسي ما خلق بيئة مؤاتية للنموّ الاقتصادي.

وتشتهر إفريقيا بمواردها الكثيرة من المعادن مثل الذهب والبلاتين والماس والنحاس وخام الحديد واليورانيوم. ووفقًا لبنك التنمية الإفريقي فإنّ القيمة الإجمالية لاحتياطيات إفريقيا من المعادن تقدّر بحوالي 8.7 تريليون دولار. وتمتلك العديد من البلدان الإفريقية احتياطيات كبيرة من النّفط والغاز. وفقًا للاتحاد الإفريقي، تمتلك إفريقيا حوالي 7.5 بالمئة من احتياطيات النفط المؤكّدة في العالم و8.7 بالمئة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم. وبحكم خصوبة أراضيها وتمتّعها بمواسم أمطار طويلة فإنّ منطقة إفريقيا الاستوائية والواقعة إلى الجنوب من خطّ الاستواء تعتبر منطقة غزيرة الغابات ما يجعل القارّة السمراء تمتلك موارد حرجية هائلة. وتبلغ قيمة صادرات الأخشاب الإفريقية ما يقارب من 2 مليار دولار سنويًا. كما تعتبر إفريقيا سلّة الغذاء للعالم حيث تقدّر صادراتها الزراعية ب 300 مليار دولار سنوياً وهي أرقام آيلة للازدياد في ظلّ سعي الدول الأوراسية للاستثمار في تطوير القطاع الزراعي في إفريقيا.

خاتمة

والجدير ذكره أنّ القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتّحدة إضافة إلى فرنسا وبريطانيا، باتت تستشعر الخطر على نفوذها في إفريقيا من قبل القوى الأوراسية. هذا دفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى محاولة تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية عبر جولات قام بها الرئيس وعدد من أعضاء إدارته إلى عدد كبير من الدول الإفريقية وإطلاقهم وعوداً بتقديم قروض ومنح اقتصادية لهذه الدول. أمّا فرنسا فهي تتدخل عسكرياً في شمال وغرب إفريقيا بذريعة مكافحة الإرهاب، فيما تسعى بريطانيا إلى تقديم المشورة إلى واشنطن حول أفضل السبل لكسب ودّ البلدان الإفريقية التي خضعت سابقاً للاستعمار البريطاني.

وتبدي غالبية البلدان الإفريقية ميلاً إلى التعاون الاقتصادي مع القوى الأوراسية خصوصاً أنّ هذا التعاون ليس مشروطاً سياسياً كما هو حال العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية، ما يعطي دول منظومة بريكس ومنظمة شنغهاي للتّعاون أفضلية على القوى الغربية في إفريقيا.