لودريان فضّل أن يقوم بجولة على الأصلاء بعد استماعه للوكلاء في لبنان، حيث سيجتمع بدول اللجنة الخماسية قبل عودته مرّة ثانية، علّ ضبابية المشهد تنقشع أمامه.
تكاد لا تكفي كلمة "تخبّط" لتوصيف حال الأوضاع اللبنانية المتخمة بالتناقضات والتجاذبات على أكثر من جبهة، فبدءاً من تشتّت الأحزاب والقوى حول الإجماع على اسم رئيس للجمهورية أقلّ ما يؤمل منه وضع حدّ للترهّل الحاصل في عصب ومفاصل الدّولة عبر سلسلة تعيينات تتطلب منه أن يكون رأساً فاعلاً للجمهورية، والتي ربما باتت لا تحتاج إلى مجرد شخص بل إلى مارد يخرج من فانوس عتيق من زمن كان الوطن فيه ولّاداً لرجالات الدولة التي تبثّ الروح في المؤسسات من أجل شعب أمسى منهكاً حدّ الثمالة، وبكل مقاييس وأساليب عَيش أبداً ما عاد كريماً.
في السياسة هي دعوات مشتّتة لحوار دُعاته على يقين مسبق بأنّه لن يكون ناجعاً كفاية لانتاج رئيس للجمهورية، وفي حين غاب الحديث عن التقاطعات على أسماء مرشّحة للرئاسة، يبقى السؤال الأهمّ، من سيدير الحوار الداخلي ووفق أيّ قاعدة، أو بمعنى آخر من القادر على جمع حتى أبناء الصفّ الواحد وحلفاء الأمس؟ آمال كبيرة علّقت على حركة الموفد الفرنسي جان-ايف لودريان الشهر الفائت عقب زيارته لبنان، إلّا أنَّ الأخير وحتى اليوم لم يرسم خريطة طريق لخطوته الأولى، نعم جاء مستمعاً، ولكن ماذا بعد؟ إذ تواتر من باريس إلى بيروت بأنّ لودريان ورغم مرور نحو أسبوعين على مغادرته لم يُقدّم تقريره الخاص بلبنان لرئيسه إيمانويل ماكرون، وعزت المصادر ذلك للأحداث الكبرى والخطيرة التي شهدتها فرنسا خلال أواخر حزيران الماضي، فضلاً عن أنّ الموفد نفسه فضّل أن يقوم بجولة على الأصلاء بعد استماعه للوكلاء في لبنان، حيث سيجتمع بدول اللجنة الخماسية قبل عودته مرّة ثانية، علّ ضبابية المشهد تنقشع أمامه.
مصادر مواكبة للأحداث والأحاديث الرئاسية، تستشف من موقف الثنائي الوطني الذي لا يزال يُعلن تمسكه بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ليونة لجهة الدعوة إلى الحوار، وبينما لا تستبعد المصادر نفسها أن يكون ذلك تكتيكاً سياسياً من قبل الثنائي الذي يقود جبهته السياسية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، من أجل المناورة إلى ما بعد اجتماع لودريان باللجنة الخماسية، وحتى تنضج الظروف الدولية والإقليمية المحيطة التي ستصبّ في مصلحته أخيراً كما يعتقد هذا الفريق، نظراً لكلّ ما سبقها من أحداث على مرّ أكثر من عقد زمني.
وتؤكَّد المصادر أنّه على كلا الفريقين المنقسمين اليوم، الانطلاق من خطّة رئاسية والتشدّد في التمسك بها وليس بالشخص الذي سيكون على رأس السلطة من أجل البدء بالحوار، وأنّ النقاش حول اسم الشخص يجب أن يكون في المرحلة الثانية وربما الثالثة أو الأخيرة حتّى.
مرقص لـ"الصفا": الضرورة الملحّة يمكن الاستناد اليها بتعيين حاكم جديد كما حصل في حكومة ميقاتي عام 2013
فالفراغ في موقع الرئاسة يتسلّل نحو مصرف لبنان حيث تنتهي ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أواخر تموز الحالي، إذ تنقسم المواقف المعلنة والمضمرة من المسألة إلى ثلاث:
- تعيين خلف لسلامة من قبل حكومة تصريف الأعمال على قاعدة الضرورة، وهذا ما ترفضه غالبية المرجعيات المسيحية الدينية والسياسية وحتى حزب الله.
- الإيعاز لنوّاب الحاكم للتهديد بالإستقالة الجماعية قبل انتهاء ولاية الحاكم من أجل الوصول إلى إرغام الجميع على خيار التمديد تحت عنوان تمديد الضرورة.
- تعيين حارس قضائي للمصرف المركزي وهو الخيار الأمثل بالنسبة للتيار الوطني الحر تحديداً.
وحتى لا تضيع التفاصيل القانونية التي يفصّلها كلّ فريق على مقاسه، يؤكّد المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة "JUSTICIA" الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبوع، أنَّ الأصل القانوني يكمن بأنّ مهمّة حكومة تصريف الأعمال تقتصر فقط على اتخاذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الأدنى لاستمرار الحياة في المرافق العامة، وبالتّالي فإن التفريق بين "الأعمال التصرفية" التي لا يحق لحكومة تصريف الأعمال القيام بها، و"الأعمال العادية" المتعلّقة بتسيير المرفق العامة، فإنّ التعيينات الادارية لا تقع ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال عندما يتّصل الأمر بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وإن كان يُقترح تعيينه من قبل وزير المال وفق المادة /18/ من قانون النقد والتسليف، إلّا أنَّ العُرف "دَرَج" في أن يقوم رئيس الجمهورية بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي المجلس، على اعتبار أنهّ من وظائف الفئة الأولى التي تتطلّب هذه الاكثرية الموصوفة في التعيين.
ويضيف مرقص لـ"الصفا نيوز": أمّا وأنّ الظروف الإقتصادية والنقدية والمالية حادّة واستثنائية جداً وتُنبئ بانهيار شامل وسريع بسبب الإطالة والتمادي في انتخاب رئيس للجمهورية، وبالنّظر إلى قرب انتهاء ولاية الحاكم وتهديد نوّابه بالاستقالة، الأمر الذي يحدق بضرر كبير في المرفق العام النقدي والمصرفي، فإنّ هذه الضرورة الملحّة يمكن الاستناد اليها بتعيين حاكم جديد، قياساً على تجارب حديثة حصلت مع حكومة تصريف الأعمال عام 2013 (حكومة ميقاتي) مع تعيين رئيس وأعضاء هيئة الاشراف الانتخابية، كذلك كما كان حاصلاً قبل أن يضيق مفهوم تصريف الأعمال قبل اتفاق الطائف (أيلول 1990) مع حكومة الرئيس الأسبق سليم الحص.
ويتابع: "يبقى انّه في حال تعيين حاكم يمكن تأجيل حلفان اليمين أسوة بما حصل مع رئيس لجنة الرقابة السابق الدكتور سمير حمود وآخرين، وذلك كله ياتي بالتزامن مع خشية من تحريك الوضع النقدي في البلاد سواء بسبب التدهور الحاصل أو لأسباب مفتعلة يمكن أن تؤدّي إلى افتعال مزيد من الإنهيارات المصرفية والنقدية، والتي معها يتحتّم تعيين حاكم جديد من قبل الحكومة الحالية على نحو استثنائي وضيّق، حيث يتّسع كلما طالت فترة الشغور الرئاسي".
أما بالنسبة لمسألة "الحراسة القضائية"، فيشير مرقص إلى أن ذلك يُعتبر إجراءً قضائياً وتدبيراً احترازياً مؤقتاً يتمثّل في إيداع ما قد يكون متنازع عليه من أموال منقولة أو غير منقولة في يد شخص ثالث، كاشفاً أنّه ووفقاً لعدد من الاجتهادات الصادرة عن قضاة الأمور المستعجلة، من أجل فرض الحراسة القضائية على مال مُعيّن يجب أن يكون هذا المال قابلاً لتقرير الحراسة عليه وتوافر العجلة الماسّة والخطر الداهم الذي يتهدده، وعدم حصول مساس بأصل الحق وأن يكون هناك نزاع حول المال المطلوب فرض الحراسة عليه.