تشكل حركة الإقبال الكثيفة للمغتربين اللبنانيين عبر مطار رفيق الحريري الدولي خلال الأيام القليلة الفائتة، متنفساً إقتصادياً للبلاد فتنعكس تراجعاً لو بسيطاً على سعر صرف الدولار في السوق الموازية
الحراك الرئاسي على حال تعطيله والأزمات المتفرّعة عنه تتمدّد إذ خرجت أمس الخميس، على هيئة تقرير للبنك الدولي يُحذّر من أنّ حال عدم اليقين السائدة في لبنان تشكّل "الخطر الأكبر" على الاستقرار الإقتصادي والإجتماعي، في ظل غياب تطبيق الإصلاحات الضرورية، وأنّ "استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه يقود البلاد إلى طريق لا يمكن التنبّؤ به"، معتبراً أنّ "من شأن التنفيذ الحاسم لخطّة شاملة للتعافي الاقتصادي، أن يحدّ بشكل تدريجي وثابت من الاختلالات وأن يشكّل ركيزة في استعادة الثقة وتسهيل العودة إلى مسار النمو".
إقتصادياً أيضاً، تشكل حركة الإقبال الكثيفة للمغتربين اللبنانيين عبر مطار رفيق الحريري الدولي خلال الأيام القليلة الفائتة، متنفساً إقتصادياً للبلاد فتنعكس تراجعاً لو بسيطاً على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، حيث يسجّل 92400 ليرة لبنانية للمبيع و92600 ليرة للشراء، كما تعتبر السياحة وعودة المنتشرين إلى البلاد، دفعاً لعجلة الإقتصاد التي كانت ولا تزال السياحة تشكّل إحدى ركائزه الأساسية، حيث يُتوقّع أن تقارب نسبة انفاق السياح والمنتشرين على أقلّ تقدير خلال الأشهر الثلاث المقبلة المليار دولار أميركي وذلك حسب إجماع الخبراء الإقتصاديين.
وبالعودة إلى الأزمة الرئاسية، يقول مطّلعون على الموقف الفرنسي من لبنان وقواه السياسية أنّه من حيث المبدأ لم يتغيّر شيء منذ زيارتي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهيرتين للبنان صيف العام 2020 حيث دعا يومها إلى تشكيل حكومة تضمّ كلّ المكوّنات السياسية، ولم يقل بمنظومة فاسدة أو من دونها، وكان لقاءه الشهير مع مختلف القوى السياسية في قصر الصنوبر شاهداً على هذا الموقف الذي تضمّن أيضاً دعوة إلى "عقد اجتماعي جديد". وما عبّر عنه الموفد الفرنسي جان - ايف لودريان في جولته الاستطلاعية حول الاستحقاق الرئاسي، لم يخرج عن هذا الموقف الفرنسي حيث كان واضحاً لجهة وجوب توافق الجميع على رئيس جمهورية جديد مع الأخذ في الإعتبار أن يطمئن "الثنائي الشيعي"، لما يمثّله من قوّة أساسية في لبنان، فهذا الرئيس، حسبما عبّر لودريان للبعض، "ليس وزيراً يعيّن لفترة ولا رئيس حكومة ولايته غير محدّدة بأجل وهي لا تكون طويلة غالباً، وإنّما هو رئيس تدوم ولايته ست سنوات متواصلة، ومن المفترض أن يكون مطمئناً وغير متخاصم مع أحد، وتحديداً القوى الأساسية لأنّه لا يستطيع في هذه الحال أن يحكم إلّا بالتعاون معها ومع الحكومة التي يشارك فيها الجميع حسب "اتفاق الطائف" والدستور الذي انبثق منه عام 1990.
من يمسك بورقة الجنوب اللبناني يتحكّم بمنطقة الشرق الأوسط كلّها
على أنّ هذا الموقف الفرنسي "المتفهّم" على الأقلّ لموقف حزب الله، يستبطن إدراك باريس لحقيقة الموقف الأميركي الذي ليس ببعيد منها، حيث تَجمع بين الجانبين مصالح كان ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل أحدها، حيث استفاد الجانبان من هذا الترسيم الذي لم يكن ليحصل لولا قبول حزب الله ووقوفه "خلف موقف الدولة اللبنانية" على رغم من اقتناعه الضمني بأنّ حقوق لبنان هي في الخط 29 (حسب الخرائط البحرية البريطانية) وليس في الخط 23 الأميركي الذي جرى الترسيم على أساسه، فضلاً عن أنّ واشنطن وباريس تمنّنان النّفس في أنّ الترسيم ضَمن بنحو أو آخر أمن إسرائيل الذي تحرصان عليه، أو اعتقدتا أنّه سيمهّد إلى ترتيبات أمنية لاحقة على الحدود البرية "تطمئن إسرائيل إلى أمنها"، مع أنّ الوقائع على الأرض على الجبهة الجنوبية لا تشي بشيء من هذا القبيل في ظلّ استمرار إسرائيل في خرقها للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، وبقاء المقاومة في حال استنفار دائم لمواجهة أيّ عدوان محتمل، خصوصاً مع تصاعد المواجهات في الأراضي الفلسطينية المحتلّة بين الفصائل الفلسطينية بكل مسمّياتها وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق ينقل سياسي لبناني مخضرم عن وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر تسنّى له اللقاء معه إثر الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان عام 1978 قوله: "من يمسك بورقة الجنوب اللبناني يتحكّم بمنطقة الشرق الأوسط كلّها"....
في المختصر، يقول سياسي معنيّ بالاستحقاق الرئاسي، أنّ استيلاد الرئيس العتيد، ينتظر الرياض وسوريا، وإيران التي تستقبل هذه الأيام وفداً قطريّاً يسوّق لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون كخيار رئاسي ثالث، فيما الجواب الإيراني كان ولا يزال حتّى الآن، للسعودية أنّ طهران مستعدّة للبحث في القضايا الإقليمة بعد إنجاز تطبيع العلاقات الثنائية. ولقطر وكلّ من يفاتحها بالاستحقاق الرئاسي اللبناني أنّ هذا الأمر شأن داخلي لبناني يُبحث مع حزب الله وليس مع إيران، فيما الجانب السوري يلتزم الموقف الإيراني نفسه تقريباً، وإن كان ميّالاً بـ"الفطرة السياسية"، إذا جاز التعبير، إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.