كثر الكلام مؤخراً عن تهديدات بقيام حرب وشيكة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن تحوّلت إيران إلى لاعب أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، لا سيّما بعد نجاح خطّتها الاستراتيجية لإنشاء اُسس لها في بعض دول المنطقة. وقد أدّى ذلك إلى رفع مكانتها، ليس فقط إقليمياً، بل دولياً أيضاً، ما أجبر الولايات المتحدة الأمريكية على التعامل بجديّة مع دور طهران الإقليمي.
مما لا شكّ فيه أن إسرائيل غير راضية عن هذا الصعود الإيراني، وهي (أي إسرائيل) تواجه حالياً عبئاً كبيراً في محاولة استعادة تفوّقها الإقليمي. وعلى الرغم من أنّها لا ترغب الدخول في معركة مباشرة مع إيران، إلّا أنّ نيّتها واضحة في ضرب حلفاء الأخيرة في المنطقة، وخاصة في كلّ من لبنان وسوريا وفلسطين، غير أنّ الضغط الأميركي يحول دون تحقيق ذلك. والجدير ذكره هنا أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، قد سبق وأن حذّر منذ فترة من أنّ حزب الله "على وشك ارتكاب خطأ قد يُغرق المنطقة في حرب كبرى".
حزب الله نموذجاً
في عودة سريعة إلى الوراء، أدّى انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 إلى تغيير نمط المواجهة العسكرية في الشرق الأوسط. وقتها استثمرت إسرائيل هذا الانتصار أمام دول العالم للتسويق بأنّ "جيشها لا يقهر"، وقد نجحت، للأسف، في إقناع بعض الدول العربية بأن كسب حرب تقليدية ضدّ منافسها المتفوق تقنياً، عملية شبه مستحيلة. وجاءت حرب 1973 لتشكّك، بعكس ما تمّ تسويقه، بقدرات ذلك "الجيش الذي لا يقهر".
في غضون ذلك، دفع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 بقيادة الإمام الخميني إلى تصدير مبادئها عبر الشرق الأوسط. أمّا الهدف فكان فرض إيران كلاعب أساسي وقوي على الساحة الشرق أوسطية، مستغلّة تخلّي بعض العرب عن القضية الفلسطينية.
وفي العام 1982، وخلال الغزو الإسرائيلي للبنان، عمد بعض الشبّان اللبنانيين من مختلف الطوائف إلى مقاومة الاحتلال كحركة مقاومة طبيعية، أثمرت انسحاب المحتلّ من بعض المدن اللبنانية.
كذلك، وبدعم من العقيدة الدينية الشيعية الإسلامية الإيرانية، احتفظ حزب الله بهالة من الانتصار العسكري، كما سبق وأن فعلت إسرائيل في حزيران من العام 1967. وما لبث الحزب أن راح يطوّر قدراته العسكرية حتى أجبر إسرائيل على الانسحاب النهائي من لبنان في العام 2000 باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وفي العام 2006 تمكّن حزب الله من كسر هيبة إسرائيل التي أرادت أن تثأر لهزيمتها في العام 2000 وإعادة الاعتبار لجيشها. وعليه، ظهر حزب الله كنموذج احتذت به الفصائل الفلسطينية.
ضغط فانسحاب
على صعيد آخر أثار الإعلان عن الاتفاق النووي مع مجموعة الدول 5+1 خلال شهر تموز من العام 2015 – المرتكز على تقليص برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية عنها – مخاوف إسرائيل حيال القضية النووية، حيث عمد اللوبي اليهودي في أميركا إلى الضغط على الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للانسحاب من هذا الاتفاق. ونتيجة لذلك، اضطرّ ترامب، في أيار من العام 2018، إلى الإعلان رسمياً عن انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المتعلقة بالاتفاق النووي.
تدريبات على الخطين
بموازاة ذلك، وخلال السنوات الأخيرة الماضية، جرت تدريبات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط يمكن تصنيفها بتكتيك للردع وليس بمقدمة للحرب. حيث أجرت الولايات المتحدة تدريبات عسكرية لدعم إسرائيل وشركائها العرب في الخليج لمواجهة إيران وحلفائها. بالمقابل، تقوم طهران، وبشكل دوري، بإجراء تدريبات واستعراض لأسلحتها الحديثة والمتطورة تلميحاً لاستعدادها للحرب. من جهتها، تعمد إسرائيل بشكل روتيني إلى إجراء مناورات عسكرية من أجل المحافظة على قوّتها الرادعة ورفع معنويات جبهتها الداخلية استعداداً لأيّ صراع محتمل، وخاصة منذ العام 2022، حيث ضاعفت إسرائيل من تدريباتها العسكرية، بمشاركة سلاحها الجوي. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه التدريبات غالبًا ما تحاكي حربًا ضد إيران وحزب الله بعد تعثّر المحادثات بشأن اتفاق نووي جديد.
مناورات ورسائل
إلى العام 2022 حيث أجرى سلاح الجو الإسرائيلي، بمشاركة البحرية الإسرائيلية، مناورات واسعة النطاق في قبرص حاكت حربًا ضد حزب الله، وترافقت مع هجمات جوية وبحرية استهدفت منشآت نووية إيرانية. فخلال شهر آب من العام نفسه، وبالتعاون مع سلاح الجو الإيطالي في قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب شرق إسرائيل، نُفّذت مناورة جوية بالقرب من الحدود اللبنانية حاكت ضرب مراكز صواريخ حزب الله.
ومع بداية العام 2023، أقدمت إسرائيل على إجراء تدريبات واسعة النطاق تضمنت محاكاة للحرب الجوية والبرّية والبحرية والإلكترونية. وقد هدفت هذه المناورات إلى توجيه رسالة قوية وواضحة إلى كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لوقف تحوّلهما السياسي والاقتصادي تجاه الصين وروسيا. وفي السياق عينه، أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، أن التدريبات المشتركة المتواصلة مع إسرائيل هدفت إلى تجديد التزام الولايات المتحدة حيال ضمان التفوّق العسكري الإسرائيلي والتكامل في النظام الإقليمي للشرق الأوسط.
ليس هذا فحسب، فقد تزامنت هذه التدريبات مع تدريبات أميركية سعودية مشتركة أطلق عليها اسم "Eagle Resolve" تضمنت محاكاة لهجمات إلكترونية. كذلك، وفي الفترة نفسها تقريباً، وردّاً على المناورة العسكرية التي قام بها حزب الله، نفّذت إسرائيل، بمشاركة أميركية محدودة، مناورات عسكرية ضخمة تحاكي غارات على الأراضي الإيرانية وتوغّلات برّية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية.
هل تُقرع طبول الحرب؟
نسأل، بناءً لكل ما تقدّم، إن كان يمكن الجزم بوجود مؤشّرات متزايدة توحي بتصاعد التوتّرات إلى حدّ المواجهة المحتملة، خاصّة بعد أن علت أصوات في داخل إسرائيل تطالب بتنفيذ ضربة استباقية ضد حزب الله حتّى لو أدّى ذلك إلى اندلاع حرب إقليمية. أما عن تحذير نشطاء حقوقيين ودينيين فلسطينيين من تداعيات مشروع قانون إسرائيلي يقضي بتقسيم المسجد الأقصى في القدس بين مسلمين ويهود، رغم القانون الدولي الذي يُحظر تغيير أوضاع الأماكن المقدسة في القدس، فلا بدّ وأن يؤخذ بعين الاعتبار.
حتى الآن هي مناورات عسكرية تدريبية وتأكيد على الجهوزية، ولكنّ البعض ينظر إلى الحرب على أنّها مناورة تهدف لتحقيق تغييرات على الأرض ولهذا لا بدّ من الجهوزية الدائمة لخوضها أو للتصدّي لها.