انهاء الشغور الرئاسي ذهب في رحلة بعيدة قد تمتدّ إلى ما بعد الصيف الحالي، وربما تلامس مطلع العام المقبل، فعلى الرغم من الملفات الضاغطة محلّياً إلّا أنّ التعقيدات الإقليمة أكبر وأولى بالحلّ بالنسبة للمعنيين بالملفات أنفسهم
هي حلقة مفرغة لا يزال الملفّ الرئاسي يدور فيها منذ أكثر من 8 أشهر، وكلما هبّت ريح التغييرات الخارجية تشخص أبصار اللبنانيين نحوها أملاً بخلاص يُصَنّع في دوائر القرار، ويصَدّر إلينا بعدما فُقد الأمل بقوى الداخل لانتاج رئيس محلّي الصنع، على أنّ اللافت يبقى مطالبة الجميع بانهاء الفراغ وبأسرع وقت ممكن، وهذا ما يبدو غير ممكناً أقلّه في المدى المنظور، نسبةً لما تشهده الساحتين الداخلية والخارجية حتى الآن من خلاف حول خيارين ورؤيتين لا مجرّد اسمين اثنين.
ما حصل الأسبوع الفائت خلال جلسة الـ"دزينة" لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لم يكن سوى عرضاً للعضلات على حلبة المجلس النيابي، حيث يقين الـ128 نائباً كان شديداً بما يكفي ليدركوا جميعاً وخلفهم غالبية الشعب اللبناني، بأنّ الجلسة لن تفضي إلى انتخاب رئيس جديد يتلو القسم الرئاسي على مسامعهم ويسير موكبه نحو القصر الرئاسي في بعبدا، وما زادهم تأكيداً، الأحداث التي سبقت الجلسة بدءاً من القرار الفرنسي بتعيين وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان مبعوثاً خاصاً إلى لبنان للمساعدة في إيجاد حلّ "توافقي وفعّال" للأزمة اللبنانية، وما تبعها من لقاء جمع كلّاً من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي خرج بـ"ضرورة وضع حدٍ سريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان" من دون لا زيادة ولا نقصان، ولا معرفة أيّ تفصيل حول الملف اللبناني الذي نوقش بين الرجلين، ما يشي بأنّ الملف لم يخرج بتوافق أقلّه شكلياً.
من جهتها، ترى أوساط مراقبة للأحداث الداخلية والخارجية، أنّ انهاء الشغور الرئاسي ذهب في رحلة بعيدة قد تمتدّ إلى ما بعد الصيف الحالي، وربما تلامس مطلع العام المقبل، فعلى الرغم من الملفات الضاغطة محلّياً إلّا أنّ التعقيدات الإقليمة أكبر وأولى بالحلّ بالنسبة للمعنيين بالملفات أنفسهم (السعودية - ايران - سوريا)، وهي بالتالي ستؤدي حتماً إلى حلّ العقدة اللبنانية لاحقاً ومن دون أيّ مجهود، فلعبة فتح الأوراق على الطاولة بين الأقطاب الثلاث في أولها، ولبنان، ورقة في آخر رزمة منها.
كذلك، تعتبر الأوساط نفسها أنّ تقاطع القوى المسيحية الكبرى على اسم الوزير الأسبق جهاد أزعور انتهى إلى غير رجعة، وأنّ من تقاطعوا على اسمه بدأوا بالتفاوض على غيره من الأسماء حتى قبل انتهاء الجلسة يوم الاربعاء الفائت، غامزةً من قناة زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى قطر أمس الأول، والتي لم تدم لأكثر من 24 ساعة، إذ يحيطها الأخير بسرّية وكتمان شديدين، ويُترقب أن تُقرأ مفاعيلها بين سطور تصريحاته في قابل الأيام، فيما تتوقّف عند التمسّك الشديد الذي يبديه الثنائي الوطني بدعم مرشحه الرئاسي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كبند أساس في أيّ نقاش أو تفاوض أو حتى حوار حول المسألة الرئاسية.
خشية من تحوّل الملف الرئاسي اللبناني إلى كباش سعودي - قطري جديد على أرض لبنان
وتوضح الأوساط، أنّ الموقف القطري من الأزمة السورية لطالما تمايز عن الإجماع العربي حيال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حيث اعتبرت الدوحة أنّه سابق لأوانه، خصوصاً وأنها كانت ولأكثر من عقد من الزمن طرفاً فعالاً في مسار أحداث الأزمة السورية ولم تتنكر يوماً لذلك، لا بل تتحدث على لسان من كانوا في دوائر قرارها ابان الازمة بكثير من الحسرة عن عدم تحقيقهم الأهداف التي كانوا يطمحون إليها، كاشفةً أنّ قطر أيضاً تمايزت في خياراتها على الساحة اللبنانية منذ ما قبل بدء الأزمة الرئاسية بدعمها الواضح لقائد الجيش العماد جوزيف عون ليكون مرشحها الرئاسي الذي تعمل على إيصاله إلى كرسي بعبدا من دون حتى أن تصدر كلمة نفي واحدة حول ذلك.
وفي حين لا ترغب الأوساط بالغوص في تفاصيل سُبل دعم قطر لعون، تخشى بأن يتحول الملف الرئاسي اللبناني إلى كباش سعودي - قطري جديد على أرض لبنان عقب أزمة انتهت بين الطرفين ولكن جراحها لم تلتئم بعد.
نصاب الجلسة التشريعية مؤمن تحت عناوين "تشريع الضرورة"
على خط آخر، ينعقد المجلس النيابي اليوم في جلسة عامّة تشريعية دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري عند الحادية عشرة من قبل الظهر، حيث ستكون مخصّصة لدرس اقتراح قانون فتح اعتمادات في موازنة العام 2023، (لتأمين استمرار عمليات صرف الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام).
وبدورها، ترى مصادر مواكبة للجلسة أنّ الكتل النيابية التي كانت ولا تزال تعارض عقد جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي، لن تتمكن هذه المرة من التخلّف عن حضور الجلسة لأنها ستجد نفسها في مواجهة الناس في الشارع، كما تتوقع أن يؤمّن نصاب الجلسة وتغطى من قبل الكتل النيابية الكبرى تحت عناوين "تشريع الضرورة".