تتجه أنظار الجميع اليوم على الذكاء الاصطناعي الذي يجري اعتماده على نطاق واسع وهو قادر حتى الآن على ما يبدو على تغيير كل شيء حواليه بطرق يستحيل التنبّؤ بها.

أحاط الذكاء الاصطناعي بالفعل بكل شيء بطرق لا تعدّ ولا تحصى. وهو يقوم اليوم بإدارة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وتقديم اقتراحات وسبل لملء عربات التسوق عبر الإنترنت، ينقذ حياة الأشخاص من خلال تحديد المركبات الصيدلانية المحتملة، وتفسير عمليات المسح والصور الطبية بسرعة وبدقّة حتى أنه بات قادراً على تعلّم قيادة السيارة والمركبات.

الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج مواد جديدة من الداتا المتوفرة؟ نعم لكن هذا ليس هو عليه الحال تماماً. يتم تدريب منصّات الذكاء الاصطناعي التوليدية على مخزون من البيانات الأصلية مليارات من المعلومات، والتي يتمّ جمعها من خلال البرامج التي تعالج أرشيفات ضخمة من الصور والنصوص. تستعيد منصات الذكاء الاصطناعي الأنماط وتستخدمها بعد ذلك لإنشاء مضمون جديد بناء على الطلب المقدّم.

قد يبدو الذكاء الاصطناعي التوليدي وكأنّه سحر. يمكن لمولدات الصور مثل DALL-E و Bing إنتاج صور رائعة من خلال أنماط الصور القديمة والألوان المائية أو رسومات قلم الرصاص والتنقيط. فعلى سبيل المثال، يمكنك رسم موناليزا القرن 21 ويمكن أن تكون النتيجة رائعة – إذ يقوم الذكاء الاصطناعي برفع الجودة وسرعة التنفيذ مقارنة بمتوسط الأداء البشري. وعلى سبيل المثال، استضاف متحف الفن الحديث في نيويورك معرضاً لصور أنتجها الذكاء الاصطناعي للمجموعة الأصلية المملوكة للمتحف منها نسخة الذكاء الاصطناعي من صورة "فتاة الأقراط اللؤلؤية" لفيرمير التي كانت شبيهة إلى حد كبير بالنسخة الأصلية، إلا أن تفاصيلها كانت أحدث.

وقد تكون قدرات الذكاء الاصطناعي على توليد النصوص أكثر دقة من الرسوم، حيث يقوم بكتابة المقالات والقصائد والملخّصات والأبحاث الجامعية بقدرة تفوق مقدرة الإنسان العادي، إضافة إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تقليد أسلوب وشكل ومضمون الكتبة.

يدفع الذكاء الاصطناعي الابتكار بطرق جديدة ويتسارع مع التقدّم التكنولوجي في قوة الحوسبة والبيانات والخوارزميات. مع تقدّم التكنولوجيا، تتقدم أيضا القدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطرق لم يكن من الممكن تحقيقها من قبل. وقد أدّى ذلك إلى اتجاه صعودي حديث في نشر الذكاء الاصطناعي من قبل شركات تتراوح بين المؤسسات الناشئة والشركات الكبرى.

ويثير ظهور الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول مستقبل قانون براءات الاختراع. تمّ تصميم براءات الاختراع لحماية الاختراعات والابتكارات، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان يمكن تسجيل براءة اختراع للمواد الناتجة عن الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، إذا اخترع نظام الذكاء الاصطناعي دواءً جديداً، فمن يمكنه تسجيل براءة الاختراع؟ الشخص الذي أنشأ نظام الذكاء الاصطناعي؟ الشخص الذي قام ببرمجة النظام؟ الشخص الذي يملك البيانات التي تم تدريب النظام عليها؟ مرة أخرى، لا توجد إجابة واضحة على هذا السؤال.

يخلق الذكاء الاصطناعي تحدّيات جديدة أمام المبدعين والمبتكرين، وسيجبرنا على إعادة التفكير في الطريقة التي نحمي بها الملكية الفكرية. ومن المرجّح أنّ القانون سيحتاج إلى تطوير من أجل مواكبة التطوّر السريع للذكاء الاصطناعي. ويثير الذكاء الاصطناعي أيضا أسئلة جديدة حول دور الملكية الفكرية في عالم تتزايد فيه قدرة الآلات على الإبداع والابتكار.

يجادل البعض بأنّ الذكاء الاصطناعي سيؤدّي إلى إحالة قانون الملكية الفكرية إلى التقاعد، حيث ستكون الآلات قادرة على إنشاء وتوزيع المصنّفات دون الحاجة إلى تدخّل بشري. وجادل آخرون بأنّ الذكاء الاصطناعي سيعزّز من دور قانون الملكية الفكرية، لأنه سيخلق فرصاً جديدة للابتكار والإبداع، لكن من السابق لأوانه تحديد أيّ من هذه الآراء ستكون لها الغلبة في نهاية المطاف.

تحمي الملكية الفكرية الابتكار والإبداع وتشجعهما. لذا وعلى هذا النحو، يجب أن تكون الشركات والمستثمرون ورجال الأعمال على دراية باعتبارات الملكية الفكرية الرئيسية التي يجب أن تطبّق أيضاً على الابتكارات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي.

قبل أن تتمكن الشركات من تبني فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدية، يجب عليها فهم المخاطر المترتبة عليها وكيفية حماية نفسها إذ إن إحدى أكبر العقبات التي تحول دون حماية المواد الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تنص على ضرورة التدخل البشري.

وللتأكيد على أهمية التدخل البشري في العمل الإبداعي يمكن اعتبار فيلم الصقيع أو (The Frost) المثال الأفضل، الذي أنتجته شركة وايمارك وهي شركة إنتاج فيديو مقرها في مدينة ديترويت الأميركيةز تم الاستعانة بنص كتبه المنتج التنفيذي في الشركة جوش روبين الذي أخرج الفيلم بعد إدخال النص في برنامج دالي (DALL-E 2) للصور التابع لشركة (OpenAI) التي تقف خلف برنامج تشات جي بي تي (ChatGPT). بعد بعض التجارب والخطأ للحصول على النموذج لإنتاج صور بأسلوب مقبول، استخدم المخرج البرنامج لإنشاء كلّ اللقطات. ثم استخدم برنامج دي آي دي (D-ID)، وهي أداة ذكاء اصطناعي يمكن أن تضيف حركة إلى الصور الثابتة، لتحريك هذه اللقطات، مما يجعل العين ترمش والشفاه تتحرك. للاطلاع على كيفية إنتاج هذا العمل يمكن معاينة هذا الفيلم التوضيحي الذي نشرته الشركة  

 

الفيلم متاح من خلال صفحة الشركة على اليوتيوب ومدته 12 دقيقة. وهو مؤشر مهم على ما يمكن أن يصبح عليه حال الانتاجات الإبداعية مستقبلاً. ولكن السؤال يبقى عن حقوق ملكية هذا الفيلم من نواحي عدة وإمكانية أن تتحول هذه المسألة إلى قضايا تنظر فيها المحاكم مستقبلاً. لتفاصيل أكثر حول هذه المسألة عليكم بالجزء الثاني من هذا المقال الذي يأتيكم غداً تحت عنوان: من يصون قوانين الحماية الفكرية من الذكاء الاصطناعي؟