انفجرت نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) وانتشرت في العديد من المجالات بما في ذلك قطاعات الاتصالات ودعم العملاء وتطوير المنتجات الجديدة والإبداع، إذ سجّل أن أكثر من 25 مليون شخص يستخدمون بشكل يومي ChatGPT وحده، ناهيك عن بقية التطبيقات الأخرى، هذا بالإضافة إلى التطبيقات الأكثر تعقيداً وتقدماً في مجالات الكلام البشري وتوليد الصُوَر.
ومما لا شكّ فيه أن الاختراقات في توزيع وصنع الموسيقى وخوارزميات التداول التوليدية وغيرها من الطرائق والتطبيقات، سيكون لها تأثير غير مسبوق على الاقتصادات العالمية والمجتمعات والعديد من جوانب حياة الناس، وكل ذلك على المدى القريب.
بالنسبة للبعض، قد يكون هذا التقدم في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي مثيراً للقلق، بسبب المخاوف من الاستخدام غير الأخلاقي للذكاء الاصطناعي والتهديد بفقدان الوظائف بشكل جماعي. ولكن بالنسبة لآخرين، فهناك شعور عارم بالتفاؤل والحماس، مردّه إلى التبرير التام في أنّ التقنيات الحديثة ستغيّر حياة النّاس للأفضل وتحدث تغييرا إيجابيا على نطاق واسع.
ربيع النمذجة اللغوية
أعلنت شركة SingularityNET أن فرقها المتخصصة بالتكنولوجيا العميقة تتعامل مع موضوع البحث والتطوير هذا منذ البداية، أي منذ عام 2014 كجزء من مجموعة بحثية صغيرة من المتحمسين.
كانت SingularityNET تعمل على استخراج التراكيب النحوية ودمجها مع التمثيل الرمزي واستخدام نماذج اللغة المقنعة وإنشاء نهج توليدي وزيادة واستثمار جميع الموارد المتاحة.
النتيجة؟ في أحد أيام عام 2018، تم إصدار أول نموذج GPT من قبل مجموعة البحث والتطوير الصغيرة آنذاك في كاليفورنيا. بعد ذلك، اكتشف فريق سيرجي إدونوف إمكانية استخدام توازي البيانات على نطاق واسع في أنظمة الترجمة الآلية. واصلت SingularityNET تحسين نماذجها القائمة على الشبكات العصبية العميقة DNN وقامت ببناء أول وحدة معالجة الرسومات GPU لها، وبدأت في تدريب النماذج على نطاق واسع وإتقان اللغات الأوروبية والكورية والعربية والأمهرية وغيرها الكثير.
النتيجة؟ زاركا، القائمة ليس فقط على الذكاء الاصطناعي بل تختصر خبرة SingularityNET في أنظمة سلسلة الكتل blockchain، وهي مبنية على النظام البيئي الفريد للعقود الذكية القائم على الذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد واختبار نماذج الذكاء الاصطناعي.
سيسهل ذلك تدريب نظام Human In The Loop (HITL) على نطاق واسع للنماذج لزيادة الأداء والملاءمة باستمرار، وهو النظام الذي يعتمد على إدخال العنصر البشري لتدريب الذكاء الاصطناعي. هذا من شأنه أن يزود زاركا بمجموعة من المعايير والمدخلات الأخلاقية، مما يسمح بتعاون قاعدة مستخدمين عالمية واسعة وشاملة مع التأكيد على السلامة والدقة.
يبدو إن الإمكانات التي ستعطيها الشركة لزاركا لا مثيل لها، حيث تؤكد المعلومات أن نطاق ذكاء زاركا في التأثير وتجاوز العقبات والحواجز كبير جداً، خاصة من خلال توفير فرصة وصول سهلة ومفتوحة إلى وفرة من التقنيات المتولدة للبشرية جمعاء، وليس فقط للنخبة، وبالتالي تقليل حصرية قطاع الذكاء الاصطناعي واحتكار القلّة وإضفاء الطابع الديمقراطي على هذه التكنولوجيا التحويلية.
إذا، هل ولدت زاركا لتحويل مشهد الذكاء الاصطناعي وتمهيد الطريق للذكاء الاصطناعي العام؟
فما هو الذكاء الاصطناعي العام؟
الذكاء الاصطناعي العام (AGI) هو عامل ذكي افتراضي يمكنه تعلّم تكرار أي مهمة فكرية يمكن للبشر أو الكائنات الحية الأخرى، مثل الحيوانات، القيام بها. كما تم تعريف هذا النوع من الذكاء على أنه نظام مستقل يتجاوز القدرات البشرية في غالبية الأعمال ذات القيمة الاقتصادية.
يعدّ تطوير الذكاء الاصطناعي العام هدفا أساسيا لبعض شركات أبحاث الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI وDeepMind وAnthropic، إلّا أن الجدول الزمني لتطويره لا يزال موضوعا للنقاش المستمر بين الباحثين والخبراء، حيث يجادل البعض بأنّه قد يكون ممكنا في السنوات أو العقود القادمة، في حين يؤكد آخرون أنه قد يستغرق قرناً أو أكثر إلّا أنّ أقلية تعتقد انه قد لا يتحقق على الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، هناك جدل حول أهمية أنظمة التعلم العميق الحديثة، مثل GPT4 في حياة البشرية.
يطلق على الذكاء الاصطناعي العام مسمّيات عدة منها الذكاء الاصطناعي القوي أو الذكاء الاصطناعي الكامل أو العمل الذكي العام، على الرغم من أنّ بعض المصادر الأكاديمية تحتفظ بمصطلح "الذكاء الاصطناعي القوي" لبرامج الكمبيوتر التي تعاني من الإحساس أو الوعي، إذ يتناقض الذكاء الاصطناعي القوي مع الذكاء الاصطناعي الضعيف أو ( الذكاء الاصطناعي الضيق) والذي لا يقصد به الذكاء الذي يمتلك قدرات معرفية عامة، لكنه مصمّم لحل مشكلة واحدة بالضبط. تستخدم بعض المصادر الأكاديمية "الذكاء الاصطناعي الضعيف" للإشارة على نطاق أوسع إلى أي برامج لا تختبر الوعي أو ليس لديها عقل بنفس المعنى الذي يختبره الناس.
سمات الذكاء
ومع ذلك، هناك اتفاق واسع بين باحثي الذكاء الاصطناعي ضروري للقيام بما يلي:
- الاستراتيجية القائمة على استخدام العقل، حلّ الألغاز، إصدار الأحكام في ظل عدم اليقين؛
- تمثيل المعرفة بما في ذلك المعرفة المنطقية
- التخطيط
- التعلّم
- التواصل بلغة طبيعية
وإذا لزم الأمر، يمكن دمج كل هذه المهارات لتحقيق هدف معين، إذ تشمل القدرات المهمة الأخرى ما يلي:
- المدخلات كالقدرة على الإحساس (على سبيل المثال، الرؤية والسماع وما إلى ذلك)،
- المنتجات كالقدرة على التصرف (على سبيل المثال، تحريك الأشياء ومعالجتها وتغيير الموقع للاستكشاف، وما إلى ذلك)
هذا،يشمل القدرة على الكشف عن المخاطر والاستجابة لها. العديد من الأساليب متعددة التخصصات للذكاء (مثل العلوم المعرفية والذكاء الحسابي وصنع القرار) تأخذ في عين الاعتبار سمات إضافية مثل الخيال بهدف تكوين صور أو خلق مفاهيم ذهنية لم تتم برمجتها عليه وتتمتع بالاستقلالية.
يذكر أن الذكاء الاصطناعي العام خضع للعديد من الاختبارات التي تهدف إلى تأكيد فعاليته على المستوى البشري منها:
• اختبار تورينج: يقوم إنسان وآلة غير مرئيين بالتحدث إلى أنسان آخر يتوجب عليه تقييم أي من الاثنين لمعرفة قدرة الآلة على خداع المتلقي.
• اختبار القهوة (وزنياك): يطلب من الآلة دخول منزل ومعرفة كيفية صنع القهوة: العثور على آلة القهوة والعثور على القهوة وإضافة الماء والعثور على كوب وتحضير القهوة عن طريق الضغط على الأزرار المناسبة.
• اختبار تقديم طلب آلي للجامعة (Goertzel): يطلب من الآلة محاولة التسجيل في إحدى الجامعات، وبالتالي متابعة الفصول المناسبة واجتياز الاختبارات التي يجتازها البشر بهدف الحصول على درجة علمية.
• اختبار التوظيف (نيلسون): تؤدي الآلة وظيفة مهمة وأساسية في شركة ما شبيهة بالوظائف التي يكلف بها البشر العاديين.
احتمال تهديد للوجود البشري
إنّ قدرة الذكاء الاصطناعي العام على الاستقلال وتحييد نفسه من سيطرة المالكين/ المديرين البشريين، أو إعطائه لنفسه أهدافاً غير آمنة وقدرات تطويرية غير قابلة للسيطرة، لا تراعي الأخلاق والقيم الإنسانية ويخلق معضلات عادة قد تشكل أزمات وجودية.
هذه المخاطر أثارت اهتمام عددا كبير من العلماء ودفعتهم للدفاع عن ماهية الوجود البشري والبحث بشكل جدّي عن حل لمشكلة التحكم المثيرة للقلق. فما هي أنواع الضمانات أو الخوارزميات أو البنى التي يمكن للمبرمجين اعتمادها في مواجهة احتمالية استمرار الذكاء الاصطناعي بالتطور الآلي بشكل متكرر وضمان التصرف بطريقة ودية مع الإنسانية، بدلا من أن تكون مدمرة بعد أن تصل إلى الذكاء الفائق وغير المسبوق؟ إن حل مشكلة السيطرة معقد بسبب سباق تسلّح شركات الذكاء الاصطناعي، والذي من شبه المؤكد أنه سيشهد عسكرة وتسليح الذكاء الاصطناعي العام من قبل أكثر من دولة واحدة، مما قد يؤدي إلى حروب الإلكترونية مدعومة من الذكاء الاصطناعي العام التي قد تكون مدمرة فعلا وقاضية على البشرية في حالة اختلال الذكاء الاصطناعي، إذ قال عالم الكمبيوتر جوردون بيل بأن الجنس البشري سيدمّر نفسه قبل أن يصل إلى التفرد التكنولوجي أو قمة الابتكار التكنولوجي.