تقف خطّة الطوارئ الكهربائية عند "امتحان" الجباية. فإمّا "تُكرّم" باستمرارها، أو "تُهان" بتوقّف مصرف لبنان عن مدّها بالسّلف لشراء الفيول. إنّها المعادلة "الخشبية" التي أرساها اتفاق الحكومة، وزارة الطاقة ومصرف لبنان مطلع هذا العام.
تقضي الخطّة بضرورة تأمين 60 مليون دولار شهرياً من الجباية، لمدّة 5 أشهر من أجل إرجاع السلفة من مصرف لبنان بقيمة 300 مليون دولار، وفتح اعتمادات جديدة لاستيراد الفيول. هذه "البساطة" تقابل بقرب نفاد المهلة المعطاة للكهرباء، مع عدم تحقيقها أكثر من 1000 مليار ليرة لبنانية (تعادل 19 مليون دولار على سعر صيرفة 52320) عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2023"، بحسب تصريح صحافي لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال د. وليد فياض. وعلى الرّغم من تأكيد فياض بأنّ "الجباية لم تنتهِ بعد"، إلّا أنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه. ولا يُمكن في جميع الحالات أن تصل عوائد الجباية عن آخر شهرين من العام 2022 إلى 120 مليون دولار كما يفترض. ذلك أنّه عند إصدار فواتير المرحلة الأولى من الجباية كان سعر دولار صيرفة يعادل 52320 ليرة، وارتفع إلى 86 ألف ليرة عند إيداعه مصرف لبنان. بمعنى أنّ هناك 33 ألف ليرة خسارة بكل دولار.
المعوّقات نفسها تتكرّر
في المقابل يظهر أنّ رهان الوزير على شهري كانون الثاني وشباط، لتعويض الفرق، حيث ستحتسب الجباية على أساس 104 آلاف ليرة للدولار، قد لا يكون رابحاً أيضاً.
باستثناء تثبيت سعر الصّرف على منصّة صيرفة منذ 21 آذار ولغاية اليوم بشكل اصطناعي وغير مستدام، فإنّ بقيّة العناصر تقف ضدّ تحقيق خطة الطوارئ الغاية منها. "فالاعتماد في إصلاح قطاع الكهرباء المتهالك والمنهك بالعثرات البنيوية والظرفية على الناحية المالية فقط، وإهمال بقيّة النّواحي الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، لا يودي إلى نجاح الخطّة"، بحسب مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة د. غسّان بيضون. "وحتى لو جرى رفع سعر الكيلوواط واحتسابه على صيرفة + 50 في المئة، وليس 20 في المئة كما هو معمول به حالياً، فإنّ المبالغ المجباة ستبقى قاصرة عن تلبية الاحتياجات. لأنّه عندما اتّخذ القرار بتسليف الكهرباء 300 مليون دولار لمدة 5 أشهر تم وضع شروط مالية صعبة التحقّق، إن لم تكن مستحيلة. ومنها:
- "تسديد فواتير الطاقة المستهلكة من قبل الإدارات والمؤسسات العامّة بشكل شهري، والمقدّرة قيمتها بحوالي 200 مليون دولار أميركي في السنة، ما يعادله 5 الآلف مليار ليرة لبنانية محتسبة على سعر الصّرف على منصّة صيرفة". وكل ما وصل من هذه المبالغ لمرة واحدة، وعلى ما يبدو نهائية، هو مبلغ 1000 مليار ليرة أعطته المالية للإدارات لتسديد نفقات منها للكهرباء. هذا عدا عن ارتفاع سعر الصّرف على منصّة صيرفة من 25800 ليرة تاريخ إقرار خطّة الطوارئ إلى 86200 ليرة راهناً. أي أنّ 200 مليون دولار أصبحت تعادل 17 ألف مليار ليرة.
- التزام المصرف المركزي بتأمين تحويل المبالغ المالية المتوفّرة في حساب مؤسّسة الكهرباء بالليرة إلى الدولار. وذلك حسب السّعر على منصة صيرفة. وهذا ما لم يقم المركزي بتطبيقه منذ آذار، باعتراف فياض.
- تسديد مستحقّات مقدّمي الخدمات ومتعهّدي التشغيل والصيانة.
- التزام جميع الأطراف المعنيين ببنود الخطّة بتقديم الدعم اللوجستي والسياسي المطلوبين لإنجاحها.
- إزالة التعديات وتسريع دفع المتأخّرات.
رفع الأسعار ليس الحل
لم يتحقّق من هذه العوامل إلّا "النذر اليسير". وحملة نزع التعديات التي بدأت بـ "طنّة ورنّة" إعلامية، "خمدت" تحت الأخبار عن سرقة آلاف الأمتار من كابلات الكهرباء؛ ليس في مناطق الأطراف فقط، إنّما من وسط العاصمة أيضاً، وبيعها خردة. والقوى السياسية عادت لتتخندق وراء المواقف الشعبية بالامتناع عن تسديد الفواتير الباهظة. ولاسيما في المناطق التي تتغذّى من المعامل الكهرومائية. والأخطر أنّه كلّما ارتفعت التعرفة كلّما زادت سرقة الكهرباء، وارتفعت نسبة التعدّيات وزاد عدد الممتنعين عن تسديد الفواتير، واللاهثين وراء تصغير ساعاتهم أو إيقافها بشكل كلّي"، يقول بيضون. كلّ هذه العوامل ستؤدي إلى تراجع المردود بنسبة كبيرة وستجعل الجباية قاصرة عن إعادة السّلفة إلى مصرف لبنان. وبالتالي فتح اعتمادات جديدة من أجل شراء الفيول. وبرأي بيضون "أنّ كل الهدف من رفع التعرفة ووضع بدل تأهيل ثابت، بغضّ النظر إن استهلك المشترك الكهرباء أم لم يستهلكها، هو تأمين مصاريف الهدر في المؤسسة". والحديث عن تخفيض بدل التأهيل ورسم الاشتراك بنسبة 25 في المئة انسجاماً مع القرار بتغيير التعرفة عند أي تغيير بسعر النفط "أتى خارج النص Hors du sujet"، برأي بيضون. "إذ تهدف المحاولة لامتصاص نقمة المواطنين. والحدّ من موجة الاعتراض الواسعة، بسبب عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن تلبية كل طلبات تجميد الاشتراكات وتخفيض "الأومبيرات". ما يعني امتصاص النقمة وتمرير المرحلة والعودة إلى ما كنّا عليه سابقاً".
هل من حلّ؟
الحلّ يبدأ بـ "إلغاء بدل التأهيل ودمجه بثمن الكيلوواط. فلا يدفع بدل التأهيل إلّا من يستهلك الكهرباء"، من وجهة نظر بيضون. هذا على الأمد القصير. أمّا على الأمدين المتوسط والبعيد فيجب تلبية شروط البنك الدولي، وفي مقدمها تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. وتنفيذ الإصلاحات الجوهرية في القطاع، من أجل استئناف العمل باتفاقيات استجرار الغاز المصري إلى معمل دير عمار، وإنتاج إلى حدود 500 ميغاواط بكلفة منخفضة. واستجرار ما بين 250 و300 ميغاواط من الكهرباء الأردنية المنتجة على الطاقة الشمسية، بأسعار متدنية. وتفعيل اتفاقيات الإنتاج داخليا من الطاقة البديلة؛ ولاسيما الشمسية والهوائية. وكل هذه العوامل تؤدّي إلى وفر في الطاقة بكلفة متدنية على المشتركين".