هل سُرقت كمّيات كبيرة من الفيول أُويل من منشآت الزهراني في جنوب لبنان أو أنّها بالفعل تبخّرت واختلطت مع ترسّبات ومشتقّات أخرى؟ بين السرقة وهدر المال العام وبين التسرّب أو التبخّر انطلق مسار قضائي مع شكوى قُدمت قبل أيام إلى النيابة العامة المالية.
قصّة سرقة المشتقّات النفطية هذه ليست الأولى، بل أنّ إدعاءً حصل من قبل النيابة العامة المالية التي أطلقت مسار تحقيق لا يزال مستمرّاً في شأن سرقة كمّية من الفيول أويل من منشآت طرابلس في الشمال. قضيّة وصلت إلى حدّ إقفال المنشآت، واتّهام موظّفين فيها واكتشاف أشكال مختلفة من السرقة، سواء من المركز مباشرة أو من الأنابيب التي تربط بين الخزانات وبين نقاط التعبئة.
الشكوى التي قدّمت حديثاً إلى النيابة العامة المالية من قبل محامي المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، تنقل الشبهة والاتهام والاهتمام من الشمال إلى الجنوب وتحديداً إلى منشآت الزهراني، وبحسب الشكوى التي حصل موقع الـ"صفا نيوز" على نسخة فإنّه تبيّن لوزارة الطاقة أنّ هناك سرقات في الزهراني لكنّها لم تتحرّك قضائياً لا بل كلّفت شركة "Lebanon international inspection company" بالكشف على الواقع وتقديم تقرير داخلي.
وجاء في الشكوى، أنّ الشركة قدّمت تقريراً يُثبت فقدان أكثر من مليون ليتر بنزين وديزل أويل من حصّة الجيش وقوى الأمن، ونحو 900 ألف ليتر للسوق المحلّي وأكثر من 200 ألف ليتر فيول أويل ستوك.
اضغت للاطلاع على تقرير الشركة كاملاً
وبحسب المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، فإنّ وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لم يحرّك ساكناً، وبالرغم من المراجعات لم يتم تسليم التقرير إلى القضاء ولم يستجب لطلب مقدّمي الشكوى للحصول على تقرير الشركة وفق قانون الحقّ بالوصول إلى المعلومات. من هنا جاءت الشكوى لتعتبر أنَّ هناك جرائم قائمة، وهي السرقة الموصوفة المشدّدة والاختلاس وهدر المال العام وإساءة استعمال السلطة والإخلال بالواجبات الوظيفية والإضرار بأملاك الدولة وإخفاء وثائق ومنع السلطات من ممارسة وظائفها.
مع بدء السجال الإعلامي حول مضمون هذه الشكوى تواصل موقع الـ"صفا نيوز" مع وزارة الطاقة وحصل على تقرير شركة الرقابة. التقرير يُشير في خلاصته إلى نقص في مادة الفيول أويل في منشآت الزهراني، لكنّه اعتبر أنَّ هذه الكمية الناقصة تمثّل محتوى الخزان رقم 803 الذي استخدم بإضافة كلّ رواسب عملية التشغيل للاستلام والتسليم، وهو ما نتج عنه إضافة كمّيات من البنزين والديزل لهذا الخزان حيث اعتبر خزان تجميع البقايا النفطية المختلطة. كما يُشير التقرير إلى وجود 200 ألف ليتر في الحفرة. التقرير في تبريره النقص الحاصل يتحدث عن التباعد بين التخزين والتحميل بنحو 6 كلم، وتعقيدات كبيرة في عمليات التسليم والنقل في منشآت واسعة بهذا الحجم تؤدّي إلى تسرّب وتبخّر وخسارة فنّية على حدّ تعبير التقرير.
إذاً يوجد خزان للبقايا النفطية المختلطة، وان تبرير النقص الحاصل من خلاله ومن خلال التبخر واختلاف الحرارة والتسرّب يدفع بعض أهل الاختصاص الذين تحدّثنا إليهم ليرسموا علامات استفهام عن الرقابة الحقيقية على توزّع حجم البقايا النفطية في الخزان رقم 803، كما على حقيقة التبخّر والخسارة الفنية.
مقدمو الشكوى سألوا عبر الـ"الصفا نيوز": "لماذا تعتبر الخسائر والنقص في الزهراني تبخّراً، في حين أنَّ الخسائر في طرابلس اعتبرت سرقة وليس تبخّراً؟" ويلفت إلى "أنّ هناك سرقة واستغلالاً لمعايير التبخّر والحرارة، علماً أنَّ التعبئة قد تحصل صباحاً من خلال تبخّر بسيط وتسجّل على أنها حصلت بعد الظهر على درجة تبخر مرتفعة."
واستذكر مقدم الشكوى حادثة حريق خزان الفيول أويل في الزهراني التي وقعت قبل أشهر، وإذا ما كان هدفه إخفاء حقائق محددة.
للاطلاع على الشكوى أمام النيابة العامة المالية
تجدر الإشارة إلى أنّ تقرير الشركة يفيد بأنّ كمّيات النّقص في مادتي البنزين والمازوت هي ضمن المسموح والمعمول به جمركياً وذلك بحسب كتاب الجمارك الذي يُبيّن نِسب النقص المسموح بها في المستودعات النفطية.
ربما لو كنّا في بلد آخر لا تفوح روائح الفساد من كلّ مفاصله وقطاعاته، لكان ما ورد في التقرير قابلاً للتصديق والتسليم به وبخلاصاته. لكن في لبنان حيث بلغ الانهيار المالي ما بلغه وسط تبادل اتهامات على أعلى المستويات بقضايا قد يكون أخطرها ما يتّصل بحاكم المصرف المركزي، الذي لا يزال يقوم بعمله كمؤتمن على أموال الوطن وذهبه.