في المعلومات التي تسرّبت من دمشق أنّ ما سمعه عون من الأسد الذي احاطه بحفاوة ملفتة، لم يخرج عن سياق مواقف العواصم العربية والأجنبية المهتمّة بالشأن اللبناني

أطلقت زيارة الرئيس السابق ميشال عون المفاجئة للرئيس السوري بشار الأسد رسائل سياسية عدّة في كل الاتجاهات، في لحظة يستعدّ فيها الاستحقاق الرئاسي للدخول في مرحلة حاسمة على مستوى اعتماد الخيارات النهائية في شأنه على هدي المتغيّرات الإقليمية المتسارعة وتداعياتها على لبنان والمنطقة. وستشكّل الجلسة الانتخابية المقرّرة الأربعاء المقبل أول الخطوات العملية في هذا الاتجاه. 

تحليلات كثيرة وتفسيرات متناقضة أعطيت لزيارة عون لدمشق قالت أنّ الغاية منها هي على سبيل المثال لا الحصر:

-أوّلاً، اثبت عون من خلال هذه الزيارة للجانب السوري وللقوى السياسية الحليفة وغير الحليفة أنّه هو الآمر والناهي في عملية خوض "التيار الوطني الحر" للمعركة الرئاسية وتحديد الخيارات التي اعتمدها التيار ولا يزال يعتمدها، بمعنى أنّ الرجل هو الحاضر بقوّة في التيار كمؤسّس له وقائد، وقد عاد إلى موقعه وإنّ خروجه من الرئاسة لم يكن خروجاً من الحياة السياسية على الإطلاق، بدليل مواظبته على حضور كلّ اجتماعات التيار وتكتّل "لبنان القوي" النيابي.

ـ ثانياً، محاولة إقناع الجانب السوري بالمساعدة لدى الثنائي الشيعي وحلفائه للعمل على اعتماد خيار ثالث لرئاسة الجمهورية "يكون "مقبولاً مسيحيا"غير رئيس تيار "المردة " لأنّ التيار الوطني الحرّ وغيره من القوى المسيحية البارزة يعارضونه.

ـ ثالثاً، الإبلاغ إلى الرئيس السوري سير التيار بترشيح فرنجية، مقابل ضمانات معيّنة تكفلها دمشق وتتصل بمستقبله في ظلّ عهد الرئاسي الجديد نظراً للعلاقة التاريخية الوطيدة بين الأسد وفرنجية.

ـ رابعاً، الوقوف على حقيقة الموقف السوري من ترشيح فرنجية، في ضوء ما يردّده خصومه من أنّ دمشق "لا تحبّذ ترشيحه" كون رئيس مجلس النواب نبيه بري هو أوّل من اعلن دعمه وتبنّيه، في ضوء علاقة الأخير الفاترة مع دمشق منذ عهد الرئيس اميل لحود وانقطاعه عن التواصل المباشر معها حتى اليوم.

ـ خامساً، شرح الحيثيات التي يبني عليها التيارالوطني الحر موقفه المعارض لترشيح فرنجية، في ضوء المراحل التي مرّت بها العلاقة بين الجانبين طوال عهد عون، وتحميل فرنجية المسؤولية عما آلت اليه.

ولكن في المعلومات التي تسرّبت من دمشق أنّ ما سمعه عون من الأسد الذي احاطه بحفاوة ملفتة، لم يخرج عن سياق مواقف العواصم العربية والأجنبية المهتمّة بالشأن اللبناني، وهو أنّ القيادة السورية لن تتدخل في الاستحقاق الرئاسي وأنّ على الأفرقاء اللبنانيين أن يعملوا على معالجته بالحوار والتفاهم، مع فارق أنّ الرئيس السوري تمنّى على ضيفه أن يتشاور مع الحلفاء وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله. وإذ اثار عون هذا الملفّ أكثر من مرة أمام الأسد كان جواب الأخير نفسه، مشفوعاً بالاسهاب في شرح المتغيرات في المنطقة وأهمية الاتفاقات الاسعودية ـ الايرانية والسعودية ـ السورية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وكذلك أهمية التعاون اللبناني ـ السوري خصوصاً بعد انطلاق ورشة إعادة الإعمار في سوريا.

وما يؤكد هذه المعلومات والمعطيات أنّ كلام كلّ من الرئيس السوري وعون خلال لقائهما جاء خلوّاَ من أي إشارة مباشرة إلى الاستحقاق الرئاسي، فالأسد أكّد، حسب وكالة "سانا" الرسمية السورية "أنّ اللبنانيين قادرون على صنع هذا الاستقرار بالحوار والتوافق، والأهمّ بالتمسك بالمبادئ وليس الرهان على التغيّرات"، وأشار إلى أنّ "استقرار لبنان هو لصالح سوريا والمنطقة عموماً"، وعبّر عن ثقته بـ"قدرة اللبنانيين على تجاوز كلّ المشكلات والتحديات، وتكريس دور مؤسساتهم الوطنية والدستورية". وقال: "لا يمكن لسوريا ولبنان النظر إلى تحدياتهما بشكل منفصل عن بعضهما".

في حين قال عون: "إنّ اللبنانيين متمسّكون بوحدتهم الوطنية على الرغم من كلّ شيء"، وأكّد أنّ "نهوض سوريا وازدهارها سينعكس خيراً على لبنان واللبنانيين".

لقاء مرتقب بين عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ولقاء مرتقب في ميرنا الشالوحي أو البياضة بين فرنجية وجبران باسيل

لقاءات مرتقبة

على أنّه بعد زيارة عون لدمشق، يقول قطب نيابي، باتت الأوساط المعنية بالاستحقاق الرئاسي تترقّب حصول حدثين سيتوقّف عليهما مصير هذا الاستحقاق: لقاء مرتقب بين عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ولقاء مرتقب في ميرنا الشالوحي أو البياضة بين فرنجية وجبران باسيل، والبعض لا يستبعد أن يلتقي فرنجية عون وباسيل في المكان نفسه أو في الرابية. ويقول الراوي أنّ وصول عون إلى رئاسة الجمهورية كلّفه زيارة رئيس حزب "القوات اللبنانية" في معراب، ولا مانع من أن يكرّر فرنجية السيرة نفسها بزيارة باسيل في ميرنا الشالوحي أو الرابية أو البياضة، فانتظروا لنرَ.. يقول القطب نفسه.

فما سمعه عون من الأسد أنّه لا يتدخل في الاستحقاق الرئاسي والشأن اللبناني عموماً وتمنّى عليه التشاور في هذا الشأن مع السيد نصرالله. إلى درجة أنّ الأسد كان حرص على نصح صديقه وحليفه فرنجية بهذا التشاور وتنسيق الخطى مع السيد حسن عندما فاتحه قبل أسابيع بأمر ترشيحه الرئاسي خلال لقائهما في العاصمة السورية.

تداعيات لقاء الاسد ـ عون

ومن المنتظر أن يكون لزيارة عون لدمشق تداعياتها على التحضيرات الجارية لجلسة الانتخاب المقرّرة الأربعاء المقبل بعدما "تقاطع" التيار الوطني الحر مع المعارضة المسيحية على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور في مواجهة ترشيح فرنجية.

وفي هذا السياق يقول قطب نيابي كبير أنّه إذا لم ينتخب رئيس للجمهورية خلال الشهر الجاري، وإذا لم يكن هذا الرئيس هو فرنجية، فإنّ انجاز الاستحقاق الرئاسي سيتأخّر لفترة إضافية قد تكون بضعة أسابيع أو بضعة أشهر سيكون الثابت الوحيد خلالها ترشيح فرنجية، أمّا بقية الترشيحات فستبقى متحرّكة من دون أن يكون مضموناً أنّه سيكتب لأحدها النفاذ.

ويؤكّد القطب نفسه أنّ جلسة 14 حزيران الجاري "لن تنعقد إذا لم يكن مضموناً أنّها ستنتهي بانتخاب فرنجية، بحيث يحضر إلى مجلس النواب من يحضر ولكن النصاب القانوني لهذه الجلسة لن يكتمل ويعلن رئيس المجلس تأجيلها إلى موعد لاحق.

ثلاثة سيناريوهات

على أنّ هناك ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها تتجاذب مصير الجلسة  وهي: أن تنعقد بنصاب كامل ( 86 نائبا وما فوق)  وتنتهي بانتخاب فرنجية، أو لا تنعقد أصلا بنتيجة تطيير مسبق لنصابها إذا تبين أنّ الأكثرية المطلوبة لانتخابه غير متوافرة، أو تنعقد إذا كان معروفاً مسبقاً أنّ الأصوات التي سينالها المرشّح ازعور ستكون  دون الخمسين صوتاً في مقابل أوراق بيض كثيرة في الدورة الانتخابية الأولى، فيمكن عندها خوض الدورة الثانية بتحويل الأوراق البيض لمصلحة فرنجية خصوصاً إذا كانت تفوق الـ65 صوتاً، أي الأكثرية المطلقة.

لكنّ مؤيدي فرنجية لن يغامروا في الاستمرار في دورة انتخابية ثانية أو دورات متتالية إذا نال أزعور 60 صوتاً في الدورة الأولى، بل سيعمدون إلى تعطيل النصاب فوراً وهم قادرون على ذلك.

"التقاطع" لا التوفق

وكان دخل القاموس السياسي الأسبوع الماضي مصطلح "التقاطع" لمناسبة إعلان  "التيار الوطني الحر" على لسان رئيسه "تقاطعه" مع قوى المعارضة على ترشيح أزعور، وبادله المعارضون استخدام التعبير نفسه، ولم يصدر عن أيّ فريق من هذا المعسكر تعبير "الاتفاق" ما أحاط هذا الترشيح بظلال من الشكّ حول جدّيته ومن ثم جديّة التصويت له، في الوقت الذي يحوط الرجل اتصالاته التي يجريها من الخارج عبر تطبيقي "زووم" و"سكايب" وغيرهما بشيء من السرّية، نظراً لأنّ نظام صندوق النقد الدولي الذي يعمل مديراً إقليميا كبيراً فيه يحظر على العاملين فيه الترشّح لأي منصب خارجه رئاسياً كان أم غير رئاسي كما يحظر عقد الاجتماعات لهذا الغرض تحت طائلة الطرد من الوظيفة.

إلّا أنّ التيار والمعارضة بترشيحهما أزعور، تلاقيا بينهما على هدف الإطاحة بترشيح فرنجية فوقعا في تناقض غريب عجيب  جعل الشعارات الإصلاحية والتغييرية التي يرفعانها فارغة من أي مضمون، فهم بنوا مشاريعهم السياسية على العمل لتخليص لبنان مما سمّوه المنظومة الفاسدة التي يتّهمونها بإيصال البلاد إلى الانهيار، وعارضوا ترشيح فرنجية لأنّهم يعتبرونه من هذه المنظومة، وصبّوا جام غضبهم على حزب الله الذي دعم ترشيحه واتهموه بـ"حماية المنظومة الفاسدة"، علماً أنّ التناقض الكبير هو ذلك الذي وقع فيه "التيار الحر" الذي بنى "الإبراء المستحيل" على "ارتكابات" المنظومة فإذ به "يتقاطع" مع المعارضة على دعم ترشيح أزعور الذي كان أحد وزراء مالية المنظومة، أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.  

ويبقى أنّ ما ينقل عن أزعور هو أنّه لا يريد أن يكون مرشّح فريق بعينه وأنّه يريد يكون مرشحاً توافقياً وأنّ هذا الأمر إذا لم يتوافر فإنّه يرفض أن يكون رئيس تحدٍ لأحد وتحديداً للثنائي الشيعي.