يبدو أنّه لا يوجد مكان لم ولن يمسّه الذكاء الاصطناعي. بعد استبدال الكتّاب والمبرمجين والفنّانين المبدعين بشكل أساسي، يأتي الذكاء الاصطناعي بتقنية ابتكارية جديدة ستغذّي تفاعلاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي: الكاميرا من دون عدسة. وفي حين يعتبر البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي بدون كاميرات ستكون حزينة ومقفرة بفضل الهواتف الذكية، يبدو الآن أنّه ومع الذكاء الاصطناعي قد لا يحتاج المرء بعد الآن إلى عدسة تشكّل جوهر تجربته في التصوير الفوتوغرافي.

فعندما بدأت الكاميرات التقليدية تفقد لمستها السحرية أمام الهواتف الذكية، ابتكر المهندس الهولندي "بيورن كارمان" كاميرا عجيبة رائدة بدون عدسة يمكنها التقاط صور مذهلة: باراجرافيكا، أول كاميرا في العالم التي تعمل بخاصية "من السياق إلى الصورة"، وهي قادرة على إنتاج صورة بناء على بيانات الموقع والمحيط بحسب الذكاء الاصطناعي. صحيح أن هذه الكاميرا لا تزال في مرحلة الاختبار إلا أنها تحوّلت إلى حديث الساعة.

كيف تبدو هذا الكاميرا؟



تبدو كاميرا كارمان وكأنّها تنتمي إلى عالم الخيال العلمي. لا تحتوي على عدسة ولكن واجهتها تتميّز بشكل غريب لونه أحمر يميل إلى القرمزي يشبه لاقطات التلفزيون القديمة أو في أحسن حالاته شكل شبكة العنكبوت. في جزئها العلوي، تحتوي على ثلاثة أقراص وزر مصراع أحمر، أمًا الخلفية فزودت بشاشة عدسة الكاميرا مع خاصية حساسية اللمس.

إذاً، ما الذي هو المميّز في هذه الكاميرا الخالية من العدسات؟

نظرا لأن Google و Microsoft (مع OpenAI) تتصارعان لتقديم أفضل تجربة بحث على الإنترنت مع روبوتات الدردشة التوليدية للذكاء الاصطناعي من خلال Bard و ChatGPT، يستخدم كارمان واجهة برمجة تطبيقات "عملية الانتشار Stable Diffusion" مماثلة، و Noodl ، وهو برنامج مصمّم خصيصا تم إنشاؤه باستخدام لغة Python ، وهو معالج Rasberry PI 4 لتشغيل مولد تحويل النص إلى صورة. تجدر الإشارة إلى أنّ غلاف الكاميرا الغريب تم تصميمه من خلال تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد 3D  printing.

كيف تعمل؟

تعمل الكاميرا من خلال جمع بيانات الموقع بمساعدة واجهات برمجة التطبيقات. تستخدم معلومات مثل الوقت واليوم والعنوان والطقس والمحيط المجاور والبيئة المحيطة، لتحوّل كل ذلك إلى نص مكتوب اعتماداً على الذكاء الاصطناعي الذي جهزت به باراجرافيكا. في وقت لاحق، وأيضاً من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي يتم تحويل النصّ إلى صورة، فتقوم الكاميرا بتحويل الفقرة المكتوبة إلى صورة مرئية.

من المثير للاهتمام، أنّ الصورة ليست مجرد تخيّل من الذكاء الاصطناعي للمكان، بل هي عبارة عن "انعكاس معقد ودقيق" للموقع الذي يوجد فيه المستخدم أو المكان التي التقطت به الصورة. بعبارات أبسط، الصورة هي عبارة عن كيفية رؤية الذكاء الاصطناعي لهذا المكان، ووفقاً لكارمان، تلتقط الكاميرا الصور بحالات مزاجية تصويرية وتفاصيل مشابهة، لكنها لا تشبه الموقع الأساسي بنسبة مئة بالمئة.

مما تتكون الكاميرا؟



تم تجهيز باراجرافيكا بشاشة لمس كبيرة وجزئيات إلكترونية مخصّصة وشبه العدسة العنكبوتية للكاميرا التي تعرض أوصافا في الوقت الفعلي للموقع الحالي. بمجرّد أن يضغط المستخدم على المشغل، فإنه سينشئ شيئا يعرف باسم التفسير الومضاني (عملية تولد عمليات مسح للداخل الداخلي لجسم الإنسان) يقوم بوصف وتحديد البيئة المحيطة، وتساعد الأقراص الثلاثة الفعلية التي جهزت بها الكاميرا على التحكم في البيانات ومعلّمات الذكاء الاصطناعي للتأثير على مظهر الصورة، وهذا يشبه إلى حد ما كيفية عمل الكاميرات التقليدية ذات العدسات.

يعمل القرص الأول من الأقراص الثلاثة بشكل مشابه للبعد البؤري في العدسة البصرية، ومع ذلك، فإنّه يحدّد هنا نصف القطر بالأمتار من المنطقة التي تبحث فيها الكاميرا عن البيانات والأماكن. القرص الثاني مفيد في إنشاء بذرة ضوضاء ضرورية لنشر صورة الذكاء الاصطناعي، ويأتي بقيم تتراوح بين 0.1 و 1. وفي الوقت نفسه، يدير القرص الثالث مقياس التوجيه. زيادة التوجيه تتيح للذكاء الاصطناعي إجراء تقييم متعمّق للمحيط لإنتاج الصورة المناسبة.

يقول كرمان إن هذه الكاميرا الحديثة الجديدة مستوحاة من حيوان الخلد ذي الأنف النجمي الذي يقضي حياته كلها تحت الأرض، لذا يبدو الهوائي الغريب للكاميرا شبيهاً إلى حد كبير بالأنف الغريب لهذا الخلد، وعلى الرغم من أن لهذا الحيوان عيون، إلّا أنها غير وظيفية، وبدلاً من ذلك، فإنّه يستخدم مخالب الأنف التي تأتي مع أكثر من 25000 دقيقة من المستقبلات الحسّية التي تساعد الخلد على إنشاء صورة للمحيط في رأسه والتنقل عبر الأنفاق المظلمة تحت الأرض.

 وبالمثل باراجرافيكا، يتعيّن على المستخدم تغذية بيانات الموقع والمعلّمات مثل وصف المكان من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي لخلق "صورة" المكان في لحظة معيّنة. وعليه تحتاج الكاميرا إلى مجموعة من المعلومات التي تحتوي على وصف موجز للمكان، وبيانات GPS، الطقس، درجة الحرارة، والتاريخ لإنشاء صورة حقيقية للمشهد أمام الكاميرا.

فبناء على ما يؤكد مبتكر باراجرافيكا، تقدم الكاميرا للبشر فرصة "للرؤية" بعين برنامج الذكاء الاصطناعي. ولكن تحقيقاً لهذه الغاية، يمكن القول أنّ باراجرافيكا، التي تستخدم واجهات برمجة التطبيقات المدرّبة على كميات مذهلة من المحتوى الذي ينشئه الإنسان، لا ترى أو تفهم نفسها - بدلاً من ذلك، إنّها مجرد تقليد للإدراك البشري.

مع ذلك، ستوفّر الكاميرا طريقة لتجربة العالم من حولنا من خلال منظور مختلف، وهي طريقة لا تقتصر على الإدراك البصري وحده إذ تقدم باراجرافيكا رؤى أعمق في اللحظة من خلال منظور ذكاء البعد الآخر. لذا يمكن القول إن هذه الكاميرا المبتكرة الجديدة قد تكون تقنية واعدة ولديها إمكانات كبيرة قد تدفع المطوّرين على تحسين جودة كاميرات الهواتف الذكية بشكل كبير.


كارامان الشاب يصف الكاميرا بأنها "مشروع فنّي عاطفي"، لا يقصد من خلاله تحدّي التصوير الفوتوغرافي بالطريقة التي نعرفها، ويقول أن باراجرافيكا تهدف إلى التشكيك في دور الذكاء الاصطناعي خلال مرحلة التوتر الإبداعي التي نعيشها الآن.

فهل سيتحول مشروع الكاميرا باراجرافيكا إلى الانتاج الفعلي وتصبح في متناول المستهلك، أم أنها ستبقى في إطار المشاريع الابتكارية والأفكار التي تحتاج للمزيد من التطوير قبل إطلاقها بشكلها النهائي لتغزو الأسواق العالمية؟