ديب فيك (Deepfake) أو ما يعرف بــ "التزييف العميق" هو عبارة عن وسائط اصطناعية يتم التلاعب بها رقمياً لاستبدال شكل شخص ما بشكل شخص آخر بطريقة مقنعة ولا تحتمل الجدل.
وقد حظيت تقنية التزييف العميق باهتمام واسع النطاق، لاستخدامها المحتمل في إنشاء مقاطع فيديو مزيفة للمشاهير والحملات السياسية والأخبار المزيفة والتنمّر وصولاً للاحتيال المالي. فمن الترفيه التقليدي إلى الألعاب، تطورت تقنية التزييف العميق لتكون مقنعة بشكل متزايد، والأخطر من ذلك باتت متاحة للجمهور.
وفي حين أنّ عملية إنشاء محتوى مزيّف ليست جديدة، إلّا أنّ تقنية التزييف العميق تستفيد الآن من التقنيات الجديدة، خصوصاً التعلّم الآلي من الذكاء الاصطناعي لمعالجة أو إنشاء محتوى مرئي وصوتي يمكن خداع الجمهور من خلاله بسهولة كبيرة. تعتمد طرق التعلّم الآلي الرئيسية المستخدمة لإنشاء التزييف العميق على التعلّم العميق، وتتضمن تدريب معماريات الشبكات العصبية التوليدية مثل التشفير التلقائي أو شبكات الخصومة التوليدية.
يعود تاريخ أول عملية للتلاعب بالصور إلى القرن التاسع عشر، وقد تمّ تطبيقها لاحقاً على الصور المتحركة. ففي الأعمال السينمائية، يوضح التزييف العميق كيف يبرز الوجه البشري كعنصر مركزي يتم التلاعب به، حيث استخدم فنانو الفيديو تقنية التزييف العميق لإنتاج أفلام تاريخية من خلال تعديل وجوه أشخاص حقيقيين لنجوم جدد.
من عمل الهواة الى التطوير التجاري
نشأ مصطلح التزييف العميق في نهاية عام 2017 من مستخدم Reddit يدعى "deepfakes". هو، بالإضافة إلى آخرين، شاركوا في عمليات تزييف عميق تضمّنت العديد من مقاطع الفيديو لوجوه تم استبدالها بوجوه لمشاهير في مقاطع فيديو إباحية.
في يناير 2018، تم إطلاق تطبيق يسمى FakeApp. يتيح هذا التطبيق للمستخدمين إنشاء مقاطع الفيديو ومشاركتها بسهولة مع تبديل وجوههم مع بعضهم البعض. واعتباراً من عام 2019، تم استبدال FakeApp ببدائل مفتوحة المصدر مثل Faceswap وDeepFaceLab المستند إلى تسطير الأوامر والتطبيقات المستندة إلى الويب مثل DeepfakesWeb.com.
بدأت الشركات الكبرى في استخدام التزييف العميق، إذ بات بالإمكان إنشاء مقاطع فيديو تدريبية للشركات باستخدام الصور الرمزية المزيفة. فعلى سبيل المثال Synthesia استخدمت تقنية التزييف العميق مع الصور الرمزية لإنشاء مقاطع فيديو متخصصة.
بدورها أنشأت شركة Momo العملاقة لتطبيق الهاتف المحمول، تطبيق Zao الذي يسمح للمستخدمين بتركيب وجوههم على مقاطع من الأفلام مع صورة واحدة. واعتباراً من العام 2019، صنعت شركة الذكاء الاصطناعي اليابانية DataGrid تقنية التزييف العميق لكامل الجسم والتي يمكن أن تصنع شخصاً من الصفر.
اعتبارا من عام 2020، طرحت شركة “Audia group” تقنية التزييف العميق بالذكاء الاصطناعي والبرمجيات القادرة على اكتشاف التزييف العميق واستنساخ الأصوات البشرية بعد 5 ثوان من وقت الاستماع. تم إطلاق تطبيق التزييف العميق للجوال، “Impressions” في مارس 2020، وكان أول تطبيق لإنشاء مقاطع فيديو التزييف العميق للمشاهير من الهواتف المحمولة.
الاستخدامات السيئة
الابتزاز
يمكن استخدام Deepfakes لإنشاء مواد ابتزاز. ونظراً لأنّه لا يمكن تمييز المنتجات المقلّدة بشكل موثوق عن المواد الأصلية، يمكن لضحايا الابتزاز الفعلي الادعاء بأن القطع المتداولة فعلا هي مزيفة، مما يمنحهم إمكانية إنكار معقولة. والنتيجة هي إبطال مصداقية مواد الابتزاز الموجودة ويدمّر سيطرة المبتز.
يمكن تسمية هذه الظاهرة "تضخم الابتزاز"، لأنها "تقلل من قيمة" الابتزاز الحقيقي، مما يجعلها عديمة القيمة.
الإباحية
في عام 2017، ظهرت مواد إباحية متلاعب بها بشكل بارز على الإنترنت. واعتباراً من عام 2019، ظهرت مواد إباحية عدة لمشاهير على الإنترنت تبين لاحقاً أنها تعرضت لعمليات التزييف العميق. وفي العام نفسه قدّر ت شركة Deeptrace الهولندية المتخصصة بالأمن السيبراني أن 96٪ من جميع مواد التزييف العميق عبر الإنترنت كانت إباحية. في حزيران 2019، تم إصدار تطبيق يسمى DeepNude يستخدم الشبكات العصبية وتحديدا شبكات الخصومة التوليدية لإزالة الملابس عن الأشخاص.
في السياسة
تم استخدام تقنية التزييف العميق لتحريف كلام السياسيين في مقاطع فيديو تداولها ملايين المشاهدين على أنّها حقيقية. ففي نيسان 2018، اعتمدت تقنية التزييف العميق وكانت بمثابة إعلان خدمة عامة لزيادة الوعي حول التزييف العميق وكان بطلها باراك أوباما، كما تم استبدال وجه الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري بوجه هتلر وتم استبدال وجه أنجيلا ميركل بوجه دونالد ترامب. في كانون الثاني 2019، بثت شبكة KCPQ تزييفا عميقاً لترامب خلال خطابه في المكتب البيضاوي يسخر من مظهره ولون بشرته. وفي 5 أيار 2019، نشر DeepFakes تزييفا عميقا لدونالد ترامب على YouTube ، استنادا إلى مسرحية هزلية لجيمي فالون على شبكة إن بي سي، في المسرحية الهزلية الأصلية (التي تم بثها في 4 أيار 2016) ، حيث ارتدى جيمي فالون زي دونالد ترامب وتظاهر بالمشاركة في مكالمة هاتفية مع باراك أوباما، وتحدث بطريقة جعلته يتفاخر بفوزه الأساسي في إنديانا. في التزييف العميق، تحول وجه جيمي فالون إلى وجه دونالد ترامب، مع بقاء الصوت كما هو.
في عام 2019، تم توزيع مقطع من خطاب نانسي بيلوسي في المركز الأميركي للتقدم، حيث تم إبطاء الفيديو وتغييره لتبدو بيلوسي كما لو كانت في حالة سكر، وتم نشر هذا الفيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
في 16 مآذار 2022، تم تداول مقطع فيديو مدته دقيقة واحدة للتزييف العميق يصوّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على ما يبدو وهو يخبر جنوده بإلقاء أسلحتهم والاستسلام خلال الحرب على وسائل التواصل الاجتماعي. عزّزت وسائل التواصل الاجتماعي الروسية ذلك، ولكن بعد فضحه، قام Facebook و YouTube بإزالته. وسمح تويتر بالفيديو في تغريدات تم الكشف عنها على أنها مزيفة، لكنه قال إنه سيتم حذفه إذا تم نشره لخداع الناس. أدخل المتسللون المعلومات المضللة الخدمة الإخبارية المباشرة على محطة تلفزيون أوكرانيا 24، وظهر الفيديو لفترة وجيزة على موقع المحطة بالإضافة إلى ادعاءات كاذبة بأن زيلينسكي قد فرّ من كييف.
أما في نيسان 2020، نشر الفرع البلجيكي ل Extinction Rebellion مقطع فيديو مزيفاً عميقا لرئيسة الوزراء البلجيكية صوفي ويلمز على Facebook يروج لصلة محتملة بين إزالة الغابات و Covid 19. حصل الفيديو على أكثر من 100000 مشاهدة في غضون 24 ساعة. وخلال الحملات الرئاسية الأميركية لعام 2020، ظهر العديد من أفلام التزييف العميق الذي تظهر التدهور العقلي لجو بايدن في تدهور معرفي والنوم أثناء المقابلة الصحفية وسوء الكلام.
في 29 أيلول 2020، تمّ تحميل التزييف العميق لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على موقع يوتيوب حيث حذر بوتين الأميركيين من التدخل في الانتخابات وزيادة الانقسام السياسي. كان من المفترض أن يتم بث التزييف العميق لكيم وبوتين كإعلانات تجارية لنقل فكرة أن تدخل هؤلاء القادة في الانتخابات الأميركية سيكون ضارّاً بديمقراطية الولايات المتحدة. ومع ذلك، في حين تضمنت الإعلانات التجارية تعليقاً نهائياً يوضح بالتفصيل أن اللقطات لم تكن حقيقية، إلّا أنها لم تبثّ في النهاية بسبب المخاوف والحساسية فيما يتعلق بكيفية رد فعل الأمريكيين.
وحتى في الفن؟
في آذار 2018، نشر الفنان متعدّد التخصصات جوزيف آيرل فيديو فني حمل عنوان اللعبة الإيطالية Un'emozione per sempre 2.0 إذ عمل الفنان مع تقنية Deepfake لإنشاء ممثلة من الذكاء الاصطناعي معتمداً على النسخة الأصلية للنجمة السينمائية "أورنلا موتي" لتسافر في الزمن من العام 1978 إلى 2018. استخدم الفنان سفر أورنيلا موتي عبر الزمن لاستكشاف انعكاسات الأجيال، بينما كان يحقّق أيضا في أسئلة حول دور التحور والتحول في عالم الفن.
أن تقنية التزييف العميق يمكن ان تساهم في تطورات جديدة في المستقبل القريب، ومنها مثلاً ما تم نشره من إدخال وجه الممثل هاريسون فورد الشاب على وجه هان سولو في Solo، وتم استخدام قصة حرب النجوم وتقنيات مشابهة لتلك المستخدمة من قبل التزييف العميق لشخصيات أخرى في نفس التسلسل.
مع تقدم تقنية التزييف العميق بشكل متزايد، قامت Disney بتحسين تقنيتها من خلال التدريب التدريجي المبرمج لتحديد تعابير الوجه وتنفيذ ميزة تبديل الوجه والتكرار من أجل تثبيت وتحسين المخرجات.
توفر تقنية التزييف العميق عالية الدقة هذه تكاليف تشغيلية وإنتاجية كبيرة.
المصداقية والأصالة
تمتلك تقنية التزييف العميق القدرة اليوم على التأثير على الكيانات الفردية بشكل كبير. وذلك لأنّ التزييف العميق غالباً ما يستهدف فرداً واحداً و / أو علاقاته بالآخرين، على أمل إنشاء سرد قوي بما يكفي للتأثير على الرأي العام أو المعتقدات. ولكن ماذا لو حدث ما نبّه منه أوباما وقام أحدهم بإعداد فيديو لأحد أولياء الحروب العديدين يعلن فيه الحرب على أعدائه؟