على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين تغييرات كبيرة في ظلّ إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن. من ناحية أخرى، كانت سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية معقّدة ومتأثّرة بالواقع الجيوسياسي والاقتصادي المتغيّر، مع نزوع لأن تكون سياسة بكين أكثر صرامة وحزماً تجاه السياسات العدائية للولايات المتحدة والغرب ضدها.
سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين
خلال عهد إدارة أوباما (2009-2017)، ركّزت سياسة الولايات المتحدة سياستها تجاه الصين على بناء الشراكة والتعاون، بهدف دمج الصين في الاقتصاد العالمي ودعم صعودها السلمي كقوّة عظمى. وقد وقّع أوباما عددًا من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع الصين. ومع ذلك، أعربت إدارة أوباما أيضًا عن مخاوفها بشأن سجّل الصين في مجال حقوق الإنسان ومطالبها الإقليمية في منطقة بحر الصين الجنوبي.
أمّا في ظلّ إدارة ترامب (2017-2021)، فقد اعتمدت الولايات المتحدة سياسة أكثر تصادمية تجاه الصين، مع التّركيز على فرض عقوبات وإجراءات أحادية الجانب تجاهها. وقد اتّهم ترامب الصين باعتماد ممارسات تجارية غير عادلة وسرقة حقوق الملكية الفكرية الأميركية. وقام ترامب بإطلاق حرب تجارية ضد الصين أدّت إلى تصعيد التّوتر بين البلدين. كما اتخذت إدارة ترامب موقفًا عدائيًا تجاه مطالب الصين الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، واتهمتها بانتهاك حقوق الإنسان في اقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين. وقد فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية على الواردات الصينية. وفي عهد ترامب استهدفت الولايات المتحدة أيضًا شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواي وتيك توك، بحجة مخاوف تتعلّق بالأمن القومي الأميركي.
وقد واصلت إدارة بايدن (2021 حتى الآن) اعتماد العديد من سياسات ترامب تجاه الصين. وقد أبقى بايدن على الرّسوم الجمركية على الواردات الصينية التي كان سلفه ترامب قد أقرّها، واتّخذ موقفًا صارمًا بشأن قضايا مثل شينجيانغ وهونغ كونغ، لكنّه سعى أيضًا إلى التعاون مع الصين في مجالات مثل تغيّر المناخ والصحّة العالمية.
أكّدت إدارة بايدن أيضًا على الحاجة إلى إعادة بناء القدرة التنافسية للولايات المتحدة وتعزيز التصنيع والابتكار المحلّي لمنافسة البضائع الصينية، أكان ذلك في الولايات المتحدة نفسها أو في الأسواق العالمية.
سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة
في المقابل فإنّ الصين انتقلت من اعتماد سياسات مهادنة للولايات المتحدة في عهد الرئيس هو جينتاو، إلى سياسات أكثر صرامة في مواجهة السياسات الأميركية العدائية تجاه الصين. ففي عهد الرئيس هو جينتاو (2002-2012)، اتّبعت الصين سياسة التنمية السلمية، سعياً منها إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، مع تجنّب المواجهة المباشرة معها. وقد حافظت الصين على موقفها الرافض للتدخّل بقضاياها الدّاخلية مثل موضوع تايوان والتيبت وحقوق الإنسان، ولكنّها عملت أيضًا على التعاون مع الولايات المتحدة في القضايا الاستراتيجية مثل موضوع كوريا الشمالية وتغيّر المناخ.
لكنّ السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة شهدت تغيرًا كبيرًا في عهد الرئيس شي جين بينغ الذي انتخب في العام 2013. فمنذ تولّيه منصبه انتهج شي جين بينغ سياسة خارجية أكثر حزماً، مؤكّداً على دور الصين العالمي خصوصاً في مواجهة محاولات الهيمنة الأميركية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد عزّزت الصين وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، مما أثار غضب الولايات المتحدة وحلفائها. وقد أعلن رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ بأنّ الصين "لن تسمح لأي دولة بإثارة الاضطرابات في بحر الصين الجنوبي وأنه يجب احترام سيادة أراضي الصين وحقوقها ومصالحها البحرية."
كذلك، أصبحت الصين أكثر صرامة في التعبير عن رفضها التدخل في شؤونها الداخلية، خاصة في ما يتعلق بالانتقادات الأميركية والغربية لما تعتبره انتهاكًا للديمقراطية وحقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وتايوان وهونغ كونغ. وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان "أنّ الولايات المتحدة يجب أن توقف تدخلها في شؤون هونج كونج وأن تحترم سيادة الصين ووحدة أراضيها".
كما عملت الصين على توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق وبنك التنمية والبنك الآسيوي للاستثمار، مما يمثّل تحدّيًا للمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفي عهد شي جين بينغ، طفت الخلافات التجارية والتكنولوجية على السطح كمصدر رئيسي للتوتّر بين الصين والولايات المتحدة. ورداً على فرض إدارة ترامب تعريفات جمركية على الواردات الصينية وفرض عقوبات على شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي وتيك توك، فرضت الصين تعريفات على البضائع الأميركية، واتخذت إجراءات عقابية ضد الولايات المتحدة، وسعت إلى تقليل اعتمادها على التكنولوجيا والأسواق الأميركية. وقد أعلن المسؤولون الصينيون أنّهم لن يرضخوا لسياسات الولايات المتحدة العدائية. وقد شدد الرئيس شي جينبينغ " بأنّ الصين لن ترضى بأن تتعرض للتهديد من قبل أي حكومة خارجية وأنّ الشعب الصيني لا يريد حربا تجارية لكنّه لا يخشاها". كذلك أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأنّ "الحرب التجارية التي بدأتها الولايات المتحدة هي انتهاك واضح لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتضرّ ليس فقط بمصالح الشعب الصيني، ولكن أيضًا بمصالح جميع الشعوب في جميع أنحاء العالم".
مستقبل العلاقات الصينية الأميركية
ويؤكّد المسؤولون والباحثون الصينيون أنّ "المحاولات الأميركية لاحتواء نمو الصين محكوم عليها بالفشل" وفقاً لعضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيتشي. ويقول يان شوتونغ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تسينغهوا، إنّ "الولايات المتحدة تنظر إلى الصّين كمنافس، ومن الضروري أن تحترم الولايات المتحدة وحلفاؤها مصالح الصين". ويؤكد شي ينهونغ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين الصينية، أنّ "الولايات المتحدة لا يمكنها أن تحتوي صعود الصين وأنّ عليها التعايش معها". ويعتبر وانغ جيسي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بكين، أنّ "الصين والولايات المتحدة لديهما أنظمة وقيم ومناهج سياسية مختلفة ومن الطبيعي أن تكون هناك صراعات وتناقضات بين البلدين".
وفي الوقت نفسه، يؤكّد القادة السياسيون والأكاديميون الصينيون بأنّ الصين لا تسعى لفرض هيمنتها على العالم. ويعتبر يانغ جيتشي، عضو مجلس الدولة في الصين، أنّ الصين تتبنى نظام قيم يختلف عن نظام القيم في الولايات المتحدة. ويقول تشنغ يونغنيان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سنغافورة الوطنية ومدير معهد شرق آسيا، إنّ "صعود الصين لا يتعلّق فقط بالاقتصاد والقوة العسكرية، لكنّه يرتبط أيضاً بمنظومة الثقافة والقيم والهوية الصينية".
وبالنسبة لمستقبل العلاقات الصينية الأميركيةّ، فإنّ هؤلاء الأكاديميين يؤكدون أنّها ستكون متوتّرة وأنّ الصين والولايات المتحدة ستكونان في صراع دائم. ويعتبر فينج تشونغ بينغ، نائب رئيس المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، أنّ "الصين يجب أن تواصل بناء شراكات استراتيجية مع الدول الأخرى، ولكن يجب أيضًا أن تكون مستعدّة لمواجهة الولايات المتحدة". ويعتبر وو شينبو، مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان، أنّ "الولايات المتحدة بحاجة إلى الاعتراف بأنّ للصين أيضًا مصالحها الخاصة ويجب عليها أن تتعلّم احترام المصالح الأساسية للصين".