خالد أبو شقرا
لم ترضَ مؤسسة كهرباء لبنان، ومن خلفها وزارة الطاقة لموظفيها بالتّعرِفَة التي ارتضياها لعموم المواطنين، فَخالفا بذلك أبسط قواعد العدالة لواحد من سببين: إمّا لكونِ التّعرفة غير مدروسة، وإمّا لأنّ موظفي الجهتين بـ "سمنة"، وبقية المستهلكين بـ "زيت". وفي الحالتين من اتخَذ القرار "ظالم مهما تشدّق بالعدل"، على حد تعبير القول المأثور.
ما يُفهَم من كتاب وزارة الطاقة الموجّه إلى "جانب مؤسسة كهرباء لبنان"، أنّ الأخيرة طلبت منها بتاريخ 9 آذار 2023 "تخفيض قيمة بدل استهلاك الطاقة الكهربائية عن موظفيها". فردّت وزارة الطاقة بكتاب بتاريخ 4 نيسان 2023، مرحّبة بالطّلب، مضيفة عليه موظفي ومتعاقدي وأجراء وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للاستثمار. "الذين يعانون أيضاً من ظروف اقتصادية صعبة وفقدان القدرة الشرائية لرواتبهم".
البداية الخاطئة
"الخطأ بدأ بكتاب مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان"، تقول عضو تكتل الجمهورية القوية النائبة د. غادة أيوب. "الذي لم يكتفِ بطلب تخفيض قيمة بدل الاستهلاك عن الموظفين الفاعلين، إنّما طالب أيضاً بتعرفة مخفّضة عن قدامى موظفي المؤسسة. مع العلم أنّ الموظفين المسرّحين من الكهرباء لا يخضعون لنظام التقاعد كما موظفي الإدارة العامّة. وينهون خدماتهم بتعويض صرف، ولا يعود يربطهم أي رابط بمؤسسة الكهرباء. كما طالب مجلس إدارة الكهرباء بالكتاب نفسه، بتخفيض كلفة الفواتير عن أعضاء مجلس الإدارة غير المتفرغين، وعن مفوّض الحكومة والمراقب المالي".
على الرغم من عدم الموافقة على احتساب فواتير اشتراكات أعضاء مجلس الإدارة على تعرفة مخفّضة، إلّا أنّ خطورة الكتاب تكمن بطلب معاملة تفضيلية للسّلطة الرقابية التي تتمثل بمفوض الحكومة والمراقب المالي. فـ "القانون واضح لجهة منع الجهات الرقابية في الإدارات والمؤسسات العامة من تقاضي تعويضات من قبل الجهة التي يراقبانها. وإعطائهما تخفيضات على سعر التكلفة يماثل الرشوة"، من وجهة نظر أيوب. أما من الجهة الثانية فإن "طلب معاملة تفضيلية لموظفي مؤسسة الكهرباء السابقين، سيفتح شهية بقية المسرّحين من موظفي المؤسسات العامّة من المياه إلى الاتصالات إلى معاملة مماثلة. هذا عدا عن كون التخفيض الذي ألبس ثوب "الحوافز"، لا يستقيم على من أصبح خارج الخدمة الفعلية".
التعرفة غير مدروسة
في الأثناء بدأت مؤسسة كهرباء لبنان تحصيل الفواتير عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2022 على التعرفة الجديدة، المحتسبة على أساس 58 ألف ليرة للدولار. وقد فاقت الفواتير عن استهلاك لا يتجاوز الساعتين يومياً، في أحسن الأحوال، في تلك الفترة المليون ليرة. فيما تجاوزت الفواتير في القرى التي تتزود بتغذية تتراوح بين 16 و20 ساعة من المعامل الكهرومائية الـ 13 مليون ليرة. وبحسب الأرقام فإنّ ما بين 70 و 80 في المئة من المستهلكين مشتركون بعدّادات بقدرة 15 أمبير. وهي تكلّف رسم عدّاد بقيمة 3.15 دولار (21 سنتا لكل 1 أمبير). و4.5 دولار بدل تأهيل. وقد احتسب الدولار عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول على أساس 58 ألف ليرة للدولار. وعليه فإن الرّسوم الشهريّة على اشتراك 15 أمبير تبلغ حوالي 450 ألف ليرة، حتّى ولو لم يستهلك المشترك كيلوواط واحد. أما في حال فاق الاستهلاك 100 كيلوواط، وهذا حال القرى التي تتزود بطاقة منتجة على المياه، فإنّ كل كيلو يحتسب بحدود 32 سنتاً (27 سنتا للكيلو الواحد، يضاف اليه ضريبة القيمة المضافة) وعندها تصبح الفواتير بعشرات الملايين من الليرات.
القادم أسوأ
الفواتير الأولى للكهرباء التي قسمت ظهر المواطنين، احتُسبت على أساس سعر صيرفة 58 ألف ليرة للدولار. فكيف الحال عند احتسابها على أساس 90 ألف ليرة للدولار! الأكيد أنّها لن تعود محمولة ولا بأيّ شكل من الأشكال. خصوصاً أنّها "لم تترافق مع تغذية متكاملة تسمح للمواطنين الاستغناء عن المولّدات"، تقول النائبة أيوب. و"سيضطر المواطن إلى اعتماد تدبير من اثنين: إمّا تحمل فاتورة باهظة تفوق متوسط ما يتقاضاه أكثر من 85 في المئة من المواطنين. أو الاستغناء عن كهرباء الدولة. وهذا ما أصبحنا نشاهده في الكثير من المناطق والأحياء. وهنا "مكمن الخطورة"، بحسب أيوب. "حيث سيمتد هذا الأسلوب من التعاطي على قطاعات المياه والاتصالات، وسيشمل باقي المناطق التي تتغذى من المعامل الكهرومائية. فلماذا يتوجب عليهم دفع مبالغ هائلة بدلاً عن طاقة تنتج من المياه وليس من شراء الفيول"!
أمام هذا الواقع يبرز بوضوح من كتاب مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان إلى وزارة الطاقة أنّ التعرفة غير مدروسة، وهي أعجز من أن يتحمّلها عموم المواطنين. وبدلاً من أن تعمد وزارة الطاقة إلى تعديل التعرفة لتصبح أكثر عدالة، ضمّت إلى الموظفين المدعومين موظفي الوزارة الذين يبلغ عددهم 53 مشتركاً. وهو ما يتناقض بحسب أيوب مع قانون موازنة العام 2001، الذي نص بوضوح على "إلغاء جميع الإعفاءات أو البدلات المخفضة لرسوم الكهرباء والاتصالات والمياه مهما كان نوعها أو طبيعتها أو شكلها، وأياً كانت الجهة المستفيدة منها أو صفة المستفيد. وتتعارض أيضاً مع متطلبات صندوق النقد الدولي. خصوصا أنه يمثّل تعويما للقطاع العام وإعطاء موظفي مؤسسة مفلسة تعيش على سلف الخزينة وأموال حقوق السحب الخاصة، على حساب جميع اللبنانيين".
"المالية" ترفض والموظفون يضربون
الفوضى التي أحدثتها موافقة وزير الطاقة على الفواتير المخفّضة تتداعى فصولاً. فبعد رفض وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل القرار لمخالفته المادة 75 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2001، أعلنت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان الإضراب والاعتصام التحذيري داخل مراكز المؤسسة ودوائرها كافّة ابتداء من اليوم ولغاية الثلاثاء القادم ضمناً. معتبرة أن المادة 75 كانت تستهدف أموراً كانت موجودة قبل صدور نصّ الإلغاء. إذ لا يمكن أن نستعمل كلمة تلغى لأمر قد يحدث في المستقبل.
بغضّ النّظر عن التفسيرات القانونية فإنّ ما جرى في الكهرباء أخيراً هو اعتراف بفشل خطّة طوارئ الكهرباء من واضعيها أنفسهم. وإذا كانت العودة عن الخطأ فضيلة فإن وزارة الطاقة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعديل التعريفات وتحسين الإنتاج وتقليص الهَدْرَين الفني وغير الفني اللذين يتجاوزا 60 في المئة، بدلاً من استمرار مدّ اليد إلى جيوب المواطنين "المنتوفة" أصلاً. والتي ستكون أعجز من الاستمرار بتمويل شراء المحروقات وصيانة المعامل.