على ما يبدو، يتجه العالم إلى أن يكون افتراضياً بالكامل مع إمكانية كبيرة أن تستلم الآلات زمام الحكم والمبادرة والإدارة. فما كنا نراه في أفلام الخيال العلمي غريباً أصبح إلى حد ما حقيقة كاملة أو شبه حقيقة، تتجه لأن تكون حقيقة مثبتة غير قابلة للنقاش.
يكثر الكلام عن التقنيات الحديثة التي باتت تشكّل أساساً لحياتنا اليومية من ناحية العمل والدراسة والطبابة وصولاً للترفيه، وكل يوم يتحفنا العالم بتقنيات جديدة أبسط ما يقال عنها أنّها معقّدة، لكنها وجدت لتُسهّل حياتنا.
يتحدث البعض الآن باهتمام عن الرموز غير القابلة للاستبدال، وهي رموز تشفير فريدة (NFT)Non- Fungible Token قائمة على سلسلة الكتل، تمثّل كل منها أصلاً فريداً مثل قطعة فنية أو محتوى رقمي أو وسائط، يمكن استخدامها كعلامات مائية رقمية لتحديد مصدر وملكية العديد من أنواع الأصول، من الهويات الافتراضية إلى الأعمال الفنية وصولاً للعقارات والودائع المعنوية. لذا يمكن اعتبار NFT بمثابة شهادة رقمية غير قابلة للإلغاء للملكية والأصالة لأصل معين، سواء كان رقميا أو ماديا.
اكتسبت رموز NFT شهرتها في العام 2017 من خلال Crypto Kitties وكانت آنذاك عبارة عن رموز رقمية للقطط ذات الميزات الفريدة، تتصرف إلى حد كبير كنظيراتها الحقيقية، فهي تنمو وتتكاثر وتستجيب لعملية التدريب كما يمكن تبادلها، حتّى وصلت إلى درجة جذب اهتمام عشاق القطط الذين أنفقوا أكثر من 20 مليون دولار في الفضاء الإلكتروني على عمليات شرائها وإطعامها ورعايتها.
تعدّ عملية التحقق من ملكية كل من الأصول المادية والرقمية جزءاً لا يتجزّأ من عمل الشركات والأنظمة. فعلى مرّ التاريخ، جمع الأفراد أصولاً نادرة وقيّمة مثل الفن والمجوهرات وغيرها. وجرت العادة على تيسير ملكية هذه الموجودات وموثوقيتها بواسطة النظم الرقمية الورقية أو المركزية، التي كثيراً ما تكون غير فعالة إذ تترك مجالاً للاحتيال.
في عام 2017، أطلقت مختبرات دابرز تطبيقا لا مركزياً على Ethereum blockchain يسمى CryptoKitties، والذي كان أول مثال حقيقي على الرموز غير القابلة للاستبدال التي يمكن التحقق منها رقمياً، وبالتالي القابلة للتحويل أو الاستبدال وأطلق عليها اسم Non Fungible Token NFTs. عملياً، يتم تصميمها عشوائياً على خلفية شخصيات كرتونية لكنها قابلة للتحصيل مع سمات معينة وتجعل من كل CryptoKitty أكثر أو أقل ندرة.
باستخدام مخطط التوقيع الرقمي الأصلي على سلسلة الكتل، من السهل التحقق من صحة كل CryptoKitty وسماته الفريدة ومالكه. لذا يتم اليوم الاعتماد على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) التي أصبحت شائعة بواسطة CryptoKitties في مجموعة واسعة من حالات الاستخدام من الفن الرقمي إلى بيانات اعتماد الهوية الرقمية وصكوك ملكية الأراضي.
يتم تصميم الرموز غير القابلة للاستبدال لتكون قابلة للتحقق منها من خلال عملية تشفيرها التي تتم بطريقة فريدة أو نادرة، وبالتالي قابلة للتحويل بسهولة. لذا يمكن لأي كان تحديد الأصل والمالك الحالي للأصل المعني بسهولة وفي ثوان قليلة من خلال الاستفادة من توقيعات التشفير الأصلية في سلسلة الكتل التي يتم إصدار هذه الرموز عليها.
كيف يتم إنشاء رمز غير قابل للاستبدال؟
يتم إنشاء رمز غير قابل للاستبدال بواسطة فنان أو مبدع أو صاحب ترخيص من خلال عملية تسمى سك العملة. سك العملة هي عملية تتضمن توقيع معاملة سلسلة الكتل التي تحدد تفاصيل الرمز المميز الأساسية والتي يتم مشاركتها بعد ذلك مع سلسلة الكتل بهدف تشغيل وظيفة العقد الذكي الذي يثبت الرمز المميز وحق المالك.
وفي شيفرة الرمز المميز غير القابل للاستبدال يوجد معرّف رمز مميز فريد يتم تخصيصه للمالك الوحيد وتخزينه داخل العقد الذكي. وعليه سيكون من السهل جداً نقل ملكية هذه الأصول من مالك معرّف الرمز المميز إلى مالك جديد.
ما هو العقد الذكي؟
العقد الذكي هو رمز يتم تنفيذه بشكل حتمي في سياق شبكة سلسلة الكتل، ليتحقق كل مشارك في الشبكة من العمليات المتغيرة للحالة التي يقوم عليها رمز العقد الذكي. العقود الذكية هي الوسيلة الأساسية التي يمكن للمطوّرين من خلالها إنشاء وإدارة الرموز المميزة على سلسلة الكتل. يمكن للعقود الذكية تخزين كميات صغيرة من البيانات في هياكل البيانات الشائعة، وهو عنصر حاسم في حالات استخدام الرمز المميز الذي تم تخصيصه للمالك الأساسي بهدف تتبع من يملك أي رمز مميز وكيف تم تحويله.
يمكن إنشاء الرموز غير القابلة للاستبدال لتمثيل أي أصل تقريبا، سواء كان مادياً أو رقمياً أو ميتافيزيقي. ومع ذلك، فإن أصول NFT الأكثر شيوعا هي الفن الرقمي والعناصر الرقمية القابلة للتحصيل وأجزاء المحتوى مثل الفيديو أو الصوت وتذاكر الأحداث.
أما في عالم الألعاب الرقمية، فيمكن استخدام NFTs لإنشاء نظام بيئي متنوع على نطاق واسع قائم على العناصر الرقمية في اللعبة والتي يمكن شراءها وبيعها وتبادلها في الأسواق الثانوية المفتوحة واستخدامها عبر نظام بيئي أوسع للألعاب بدلا من تثبيتها في لعبة واحدة.
ولكن ما هي تحديات ومخاطر اعتماد الرموز غير القابلة للاستبدال؟
هناك العديد من التحديات والمخاطر التي قد تؤثر على اعتماد الرموز غير القابلة للاستبدال، بما في ذلك التعقيدات إذ لا تزال التكنولوجيا والأدوات الخاصة بالرموز غير القابلة للاستبدال والتطبيقات اللامركزية (dapps) التي تدعمها غير ناضجة بالكامل على الرغم من الاعتماد المتزايد عليها بين الشركات الناشئة والمؤسسات على حد سواء. يضاف إلى ذلك الآثار التنظيمية / القانونية خاصة تلك التي تتركز على إجراءات معرفة العميل وآليات مكافحة تبييض والامتثال لقانون الأوراق المالية في الدول كافة.
الجدير بالذكر أن أنصار هذه الرموز يؤكدون أنها تقدم شهادة عامة للأصالة أو إثبات الملكية، إلا أن الحقوق القانونية التي تنقلها NFT قد تكون غير مؤكدة. إن ملكية NFT على النحو المحدد بواسطة سلسلة الكتل ليس لها معنى قانوني متأصل ولا تمنح بالضرورة حقوق الملكية الفكرية أو حقوق النشر والطبع والتداول أو أي من الحقوق القانونية الأخرى على الملف الرقمي المرتبط بها.
نما سوق NFT بشكل كبير بين 2020 و2021 إذ ارتفع تداول NFTs في عام 2021 إلى أكثر من 17 مليار دولار، مقارنة بـ 82 مليون دولار فقط في العام 2020. وتم استخدام NFTs كاستثمارات مضاربة إلا أنها أثارت انتقادات متزايدة لتكلفة الطاقة والبصمة الكربونية المرتبطة بالتحقق من صحة معاملات سلسلة الكتل بالإضافة إلى استخدامها المتكرر في عمليات الاحتيال الفنية.
في عام 2022، عانى سوق NFT من انهيار كبير، مع انخفاض الأسعار بشكل حاد إذ كانت التقديرات لشهر أيار 2022 أن عدد المبيعات انخفض بأكثر من 90٪ مقارنة بذروته في عام 2021، وقد ربط الكثيرون ذلك بالتراجع الكبير في نسبة اهتمام المتعاملين بالعملات الإلكترونية وبالتالي تراجع قيمتها السوقية. ومع ذلك لا تزال NFT رائجة خاصة في عالم الألعاب والفن والتذكارات.