باسم زين
في العام 2021، وبينما كان تطبيق واتساب يحاول تنظيف فوضى الاتصال التي أحدثها عند تقديم سياسات الخصوصية ومشاركة البيانات الجديدة، لم يكن لدى الكثير منّا أي فكرة عن "المحادثة البحثية".
يتجاوز "البحث التحادثي" محسنات محركات البحث المعروفة (Search Engine Optimization)، والتي لا تزال غير مفهومة لغالبية المستخدمين، باستثناء أولئك الذين يعملون في مجالات تعتمد على محركات البحث. في الوقت الحاضر، من السهل جداً عدم اللحاق بالاتجاهات والتقنيات الجديدة، مع توقع ابتكار تقنية جديدة في عالم التواصل في الوقت الذي قد تستغرقه استراحة غداء لا تتجاوز مدتها 30 دقيقة!
الجيد
مما لا شك فيه أن المحادثة البحثية هي ثورة رقمية غير محدودة، فهي عملية التفاعل مع التكنولوجيا والحصول على ردود على شكل محادثة طبيعية. إنها الفضاء الذي يمكن للمستخدم فيه طرح سؤال على جهاز آلي ويمكن لهذا الجهاز إعطاء إجابة، أو حتى إجابات متعددة، إذ ستبحث تقنية البحث هذه عن الكلمات بأكملها في الجملة وفي قاموس المرادفات وحتى تهجئتها المختلفة. أما البحث الصوتي فهو رد سريع في مجال البحث التقليدي عن لوحة المفاتيح مع علاقة تفاعلية بين المستخدم والتطبيق. وعليه، لماذا يتوجب علّي الكتابة في حين يمكنني إعطاء الأوامر صوتياً؟
لأول مرة، يعمل البحث التحادثي كقناة تفاعل ذات صلة بالسياق والشخصية. هذا يفتح إمكانيات جديدة ومثيرة حول كيفية تفاعل البشر مع التطبيقات. إنها الخطوة التالية في التفاعل بين الإنسان والآلة، وهذا ما فصلناه سابقاً بالمقال الخاص عن تطبيق ChatGPT.
تحرص الشركات التي تعتمد على عمليات المحادثات البحثية عن المحادثة وروبوتات الدردشة على تطوير هذه الخدمات والاعتماد الكلي عليها نظراً لأنها أرخص، وبالتالي لا تحتاج لأي إجازة. ولكن ماذا لو لم نتمكن من الحصول على إجابة لسؤالنا ولا يمكننا العثور على شخص حقيقي للدردشة معه؟
السيئ
بقدر ما يمكن أن يكون البحث التحادثي أداة لجعل الحياة أسهل، والذي كان القصد منه عند إطلاقه لأول مرة على متصفح google chrome، فإنه في الواقع يتجاوز البحث العادي.
كنت أتحدث إلى صديق عبر WhatsApp حول البحث التحادثي وقررنا تجربته ومعرفة مدى دقته وواقعيته. بدأنا نتحدث عن نوع معين من سيارات الدفع الرباعي وبمواصفات مفصلة. النتيجة؟ في غضون 3 أيام فقط، تلقيت، على إنستاغرام، إعلانات مدفوعة تروّج لنفس السيارة، وتحديداً بنفس المواصفات التي ذكرتها خلال المحادثة.
مجرد صدفة مخيفة؟ لا أعتقد ذلك. لقد جعلني الأمر أفكر بالتأكيد في جميع رسائل WhatsApp الصوتية الأخرى التي أرسلتها واستلمتها وكيف أن بعض هذه المحادثات من الأفضل الحفاظ على سريتها وخصوصيتها!
الفرق بين تحسين محركات البحث والبحث التحادثي بسيط. بينما تركّز محسّنات محركات البحث على الكلمات الرئيسية، يمكن للبحث التحادثي تحليل كل كلمة في الجملة. هذا يعني، إذا كنت شركة، يمكن أن تكون النتائج مذهلة حيث يمكنك تعزيز المشاركة، إدارة التصورات الإلكترونية، التلاعب في عملية صنع القرار لدى المستهلكين والأهم من ذلك كله، تقليل معدلات الارتداد التي بالعادة تقلق راحة العاملين في مجال التسويق.
القبيح
يعمل البحث التحادثي على تغيير الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون عبر الإنترنت، والآن أصبح الأمر شخصيا. فالبحث يقنع المستهلك باتخاذ قرار الشراء وهو يعتقد أنه يتخذ القرار بنفسه. من يحتاج إلى الإرادة الحرة على أي حال؟
القضايا المتعلقة بخصوصية البيانات ومشاركة البيانات مخيفة بما فيه الكفاية ولكن ماذا عن "مدى إنسانية" هذه المحادثات؟ تكاد هذه المحادثات أن تكون حقيقية خاصة من نوعية الأسئلة والحلول المقترحة، ذلك لأن آلاف محركات البحث والتقنيات تعمل معاً للعثور على الإجابة الصحيحة في جزء من الثانية. وهذه الإجابات ليست مجرد إجابات موضوعية محايدة، ولكنها إجابات ستؤثر على قراراتك، وكيف تفكر وتؤثر بحياتك على أساس يومي.
هل سمع أي شخص نكتة الرجل الذي اتصل بمطعم بيتزا ليجد نفسه يتحدث إلى شخص يعرف كل شيء عن حياته من حالته الطبية إلى سجلاته المالية وأفراد أسرته وسجله الجنائي؟ فكما يقولون، عادة ما يكون هناك عنصر من الحقيقة في نكتة.
باختصار، فكر في الأمر بهذه الطريقة - إذا كان بإمكان الشركات استخدام البحث التحادثي للتأثير على سلوكيات المستهلكين، فما الذي يمكن أن يفعله ذلك بمعلوماتك الخاصة وبياناتك وأسرارك الأكثر خصوصية؟ وكيف يمكن استخدام هذا لصالحك أو ضدك؟
الجواب برأيي يكمن في خيارين فقط: إما أن نختار أن نعيش حياة مكشوفة بدون خصوصية ونقبل ذلك، أو نختار التخلي عن أجهزتنا فائقة الذكاء والخروج من العالم الافتراضي بكل منصاته الاجتماعية.
في الوقت الحالي وانا أكتب هذه الكلمات واعرض عليكم آرائي، أطلب من هاتفي البحث عن إمكانية العيش في بلد يتمتع بدرجات حرارة مثالية وسواحل جميلة وطعام لذيذ - هل هناك أي طريقة أخرى يمكنني من خلالها البحث عن مثل هذه الأمور في يومنا هذا؟ يبدو أنه لا توجد طريقة يمكننا من خلالها التخلص تماماً من التكنولوجيا في عالمنا الحديث.
لقد أصبح العالم أصغر حجماً وأكثر ارتباطاً، ولم تعد أسرارنا سرّية بعد الآن.