داود إبراهيم

ما الذي مرّ بخاطرهم حين اهتزت بهم الأرض؟ ما هي أول الكلمات التي نطقوا بها حين تيقّنوا أنه زلزال؟ هل تذكّر أحدهم تلك الإرشادات التي تعلّمها أو خبر عنها حول سبل الوقاية من الزلازل؟ هل يحتفظ بعضهم بتلك الحقيبة الصغيرة الجاهزة لحالات الطوارئ وتحتوي على الأوراق الثبوتية وبعض الألبسة والإسعافات الأولية شبيهة بتلك التي يعرفها اللبنانيون جيداً نتيجة الحروب والمعارك التي عاشوها وكانت تضطرهم لترك منازلهم مراراً بفعل اشتباكات من هنا أو قصف من هناك.

هل كان من حسنات انقطاع التيار الكهربائي في لبنان أن قلّة فكروا بالمصاعد والجميع اختاروا السلالم وسيلة للخروج من الأبنية؟

هل نظروا ناحية البحر خشية من موجة عملاقة؟

هل كان من مساحة مفتوحة أو ساحات كبيرة قريبة من منازلهم لجأوا إليها؟ هل بقي في المدينة هكذا مساحات مفتوحة؟

آلاف الضحايا في سوريا وتركيا في آخر لحظاتهم؟ بمن كانوا يفكّرون؟ هل شغلتهم جروحهم وآمالهم عن التفكير بمسائل أخرى؟ هل كان بينهم من وجد في الزلزال خلاصه من عبء الحياة؟

كبار السن هل شبعوا من أعمارهم أم أن رؤية الأحفاد والاطمئنان عليهم كان هاجسهم ومصدر خوفهم ورحلوا قبل أن يطمئنوا إلى مصيرهم؟

المواليد الجدد لا داعي للتفكير بما شغل عقولهم الصغيرة، ولكن لا يمكن أن ننسى ما أصابهم من جوع ربما أو من ضيق. أما الصبْية والأولاد الأكبر نسبياً فكم كان صعباً عليهم البقاء بلا حركة، من دون وعي لطبيعة ما يمرّون به أو لخطورته وأبعاده، كيف يمكن أن يهدأوا ومن أين يأتي الهدوء لمن هم في أعمارهم؟

هل يمكن تخيل ما شعرت به الأمهات اللواتي كنّ يحضنّ أولادهنّ خلال لحظات الزلزال الأولى؟ وماذا عمّن وقعت الأبنية فوق رؤوسهن وحاولن حماية أطفالهنّ؟ هل انتظرن معجزة؟ هل تيقنّ من النجاة أم أصابهن الموت خوفاً وخشية على تلك الأرواح الضئيلة الحجم قبل أرواحهن؟ الأمهات، وما أدراك ما تعيشه الأمهات من خوف على الضنى في الأيام العادية، فما بالك في هكذا أحداث!

ماذا عن الآباء؟ هل نجحوا في اتخاذ الخطوات الوقائية كربّان السفينة في مواجهة الأمواج العاتية؟ هل تمكنوا من إجلاء عائلاتهم إلى برّ الأمان؟ وهؤلاء الذين علقوا تحت الأنقاض هل استطاعوا الحفاظ على ثباتهم وهم الذين يقدمون أنفسهم كصخرة البيت وأساسه المتين في وقت لم يبقَ من البيت حجر على حجر. هل صرخوا لفرَق الإغاثة؟ هل تمكنوا من البقاء أحياء لإنقاذ أبنائهم والسهر عليهم وصونهم؟

ماذا عن الشبان والشابات؟ ماذا عن العشاق الذين لم يكونوا معاً؟ هل حضرت أفكار الفراق والموت بعد الانهيار؟ وماذا عن اللحظات الأولى، هل فكّرَت به؟ هل كان يحادثها عبر الهاتف؟ أم كانا على موعد في اليوم التالي وبقيا على قيد الحياة في أمسهما؟

كم كان عدد من حضنوا بعضهم ولفظوا أنفاسهم الأخيرة سوية؟ كم عدد من نجوا وخسروا الكثيرين أو جميع أفراد العائلة؟ هل كانوا يتوقعون ما حلّ بهم؟ هل كان بيننا من يظن أن ذاك النهار سينتهي هكذا؟

هل يمكن أن ينسى من عاش هذه التجربة حجم الخوف وانقطاعه عن العالم تحت الأنقاض لساعات طويلة محاولاً توفير أنفاسه، بل وتقنينها خوفاً من انقطاع الهواء عنه؟ من خسر أحد أقاربه على مقربة منه كم سيستغرقه من الوقت ليتصالح مع الحياة مع حياته تحديداً. من تحول مسكنه، بيت طفولته، عالم ذكرياته للدمار كم يحتاج من سنوات ليعيد ترميم أو بناء ما خسر؟

حين تنظر فترى حجم الدمار والخراب هل تعيد التفكير بقضية الملكية والعقار، والسيارة والمال والمقتنيات؟ كم يتطلب الأمر ممن لم يفقد أحداً ولم يخسر شيئاً، كم يتطلب الأمر من وقت بالنسبة له لينسى كل هذا ويعود لممارسة حياته وكأن شيئاً لم يكن؟

هل كان من رحلوا يعلمون أنه يومهم الأخير؟ لو كانوا يعلمون ما الذي كان يمكن أن يفعلوه؟ ماذا لو عشنا جميعاً كل أيامنا وكأنه يومنا الأخير؟