يشهد لبنان منذ عام 2019 أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة أدت إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وانخفاض قيمة المدخرات المصرفية بسبب القيود المفروضة على السحوبات والتحويلات. هذه الأزمة أدت إلى فقدان اللبنانيين الثقة بالمصارف، مما دفعهم إلى التعامل بشكل متزايد بالسيولة النقدية (الكاش) كبديل عن التعاملات المصرفية.
ولكن، مع حاجة لبنان إلى إصلاحات مالية واقتصادية شاملة لاستعادة الاستقرار وتحقيق شروط صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية، بات الانتقال من إقتصاد الكاش إلى الاقتصاد الرقمي أمراً ضرورياً. وهنا تبرز أهمية المحافظ الرقمية (e-wallets) كأداة أساسية في هذا التحول، كونها توفر وسيلة دفع إلكترونية آمنة وسهلة الاستخدام تساهم في تعزيز الشفافية وتقليل الاعتماد على النقد الورقي.
ما هي المحفظة الرقمية (E-Wallet)؟
يشرح الياس الأشقر، خبير التحول الرقمي، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" ، أنّ "المحفظة الرقمية هي تطبيق إلكتروني أو منصة تتيح للمستخدمين إجراء عمليات الدفع والتحويلات المالية إلكترونياً من خلال الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر. تعمل هذه المحافظ عبر تخزين معلومات الدفع الخاصة بالمستخدم، مثل البطاقات المصرفية أو الأرصدة الرقمية، مما يسهل عمليات الدفع عبر الإنترنت أو في المتاجر الفعلية باستخدام تقنية الاتصال قريب المدى (NFC) أو رموز QR.".
تاريخ المحافظ الرقمية وتطورها عالميًا
بدأت فكرة المحافظ الرقمية في التسعينيات مع ظهور التجارة الإلكترونية والحاجة إلى وسائل دفع إلكترونية آمنة. ومن أوائل الشركات التي قدمت خدمات المحافظ الرقمية كانت PayPal التي تأسست عام 1998، تلتها شركات مثل Google Pay وApple Pay وSamsung Pay، والتي أصبحت من بين أكثر الحلول استخدامًا عالميًا. كما انتشرت المحافظ الرقمية في الصين بشكل واسع من خلال WeChat Pay وAlipay، اللتين تسيطران اليوم على سوق المدفوعات الرقمية في الصين.
كيف تعمل المحافظ الرقمية؟
يلفت الأشقر إلى أنّ " المحافظ الرقمية تعتمد على تقنيات متطورة لتسهيل عمليات الدفع وتحويل الأموال. وتشمل طرق عملها 1)ربط بطاقة مصرفية أو حساب بنكي: يمكن للمستخدمين ربط بطاقاتهم المصرفية بالمحفظة الرقمية لاستخدامها في عمليات الدفع. 2)إضافة رصيد إلكتروني: بعض المحافظ الرقمية تتيح للمستخدمين شحن أرصدتهم مباشرة من خلال منافذ دفع نقدية. 3)إجراء المدفوعات عبر الإنترنت أو في المتاجر: باستخدام رموز QR أو تقنية NFC. 4)إرسال واستلام الأموال: يمكن للمستخدمين إرسال الأموال إلى الأفراد الآخرين بسهولة دون الحاجة إلى حساب مصرفي."
ماذا يقول الخبراء؟
يقول المهندس خالد يوسف، المتخصص في التكنولوجيا المالية ، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "المحافظ الرقمية تمثل مستقبل التعاملات المالية، خاصة في بلد يعاني من أزمة مصرفية حادة. التكنولوجيا قادرة على توفير حلول دفع موثوقة وآمنة، لكن يجب تعزيز الوعي حول الأمان السيبراني."
ويفصّل يوسف فوائد المحافظ المالية ويذكر منها "1) تقليل الاعتماد على النقد الورقي يعزز الشفافية ويقلل من مخاطر السرقة. 2)الراحة والسرعة: تتيح المحافظ الرقمية إجراء المعاملات المالية في أي وقت وأي مكان. 3)تعزيز الشمول المالي: تمنح الأفراد الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية فرصة للوصول إلى الخدمات المالية. 4)تحفيز الاقتصاد الرقمي: تدعم نمو التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية".
ورغم فوائدها، تواجه المحافظ الرقمية بعض المخاطر، يعدد خبير التكنولوجيا المالية بعضا منها ويذكر، 1)الاختراقات الإلكترونية: قد تكون المحافظ الرقمية عرضة للهجمات السيبرانية. 2)انتهاك الخصوصية: قد يتم استغلال بيانات المستخدمين من قبل الشركات أو الجهات غير الموثوقة. 3)الاحتيال المالي: يمكن استخدام المحافظ الرقمية في عمليات الاحتيال وغسيل الأموال إذا لم تكن هناك رقابة كافية".
من جهته يرى الخبير الاقتصادي جورج سليم في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أن "التحول إلى الاقتصاد الرقمي ضرورة قصوى لتلبية شروط الإصلاح الاقتصادي. المحافظ الرقمية تساهم في تقليل الاقتصاد الموازي وتعزز تحصيل الضرائب، لكنها تحتاج إلى بيئة تنظيمية واضحة وثقة المستخدمين لضمان نجاحها."
ويشدد سليم على أنّه "مع سعي لبنان إلى الخروج من أزمته الاقتصادية، يعد التحول إلى الاقتصاد الرقمي ضرورة وليس خيارًا."
ومن بين الفوائد التي يمكن أن تحققها المحافظ الرقمية في لبنان يعدد "1) تقليل الاعتماد على الكاش، ما يسهم في تقليل التهرب الضريبي. 2)تعزيز الشفافية في التعاملات المالية، ما يتماشى مع متطلبات الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي. 3)توفير حلول مالية للأفراد غير القادرين على فتح حسابات مصرفية بسبب القيود المصرفية الحالية. 4)دعم الاقتصاد الرقمي وتحفيز التجارة الإلكترونية في لبنان".
في المحصّلة، وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمصرفية التي يمر بها لبنان، أصبح التحول من إقتصاد الكاش إلى الاقتصاد الرقمي أمرًا ضروريًا لتحقيق الاستقرار المالي واستعادة الثقة بالنظام المالي. المحافظ الرقمية توفر حلاً عمليًا لتعزيز الشمول المالي وتقليل المخاطر المرتبطة بالنقد الورقي، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في مسيرة الإصلاح الاقتصادي في لبنان. لكن لضمان نجاح هذا التحول، لا بد من وضع تنظيمات واضحة، وتوعية المستخدمين، وتعزيز الثقة في التكنولوجيا المالية.