يُعدّ موسم الشتاء الحالي من بين الأسوأ التي شهدها لبنان من حيث كمية التساقطات والثلوج، إذ لم تشهد البلاد أي منخفضات جوية منذ كانون الأول الماضي، ما أدى إلى تراجع نسبة الأمطار إلى ما دون المعدلات الطبيعية بفارق كبير. هذا الواقع يُنذر بصيف قاسٍ مع شحّ حاد في المياه، كما انعكس سلبًا على القطاع السياحي الشتوي، حيث تضرّرت الفنادق والمطاعم ومراكز التزلج، لا سيما في كفرذبيان، التي تُعدّ من أبرز وجهات التزلج في لبنان.

موسم التزلج يعاني

في هذا السياق، يوضح مختار كفرذبيان وسيم مهنا، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أن "نقص التساقطات وارتفاع درجات الحرارة أثّرا بشكل مباشر على انطلاق موسم التزلج، حيث لم تتكوّن طبقات ثلجية كافية لضمان جودة التزلج وسلامته. ونتيجة لذلك، شهدت المنطقة انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الزوار والمتزلجين، كما غابت حركة السياح الأجانب رغم الآمال التي عُلقت على عودتهم بعد انتخاب رئيس للجمهورية واستقرار الأوضاع الأمنية."

من جانبه، يُشير وليد بعينو، مسؤول السياحة والتسويق في بلدية كفرذبيان ، إلى أن" الحلبات لم تتمكّن من فتح أبوابها بشكل طبيعي، إذ اقتصرت بداية الموسم على الارتفاعات التي تزيد عن 1,800 متر، حيث بلغ سمك الثلوج 40 سنتيمترًا فقط. ومع غياب التساقطات الجديدة، اضطرت الشركة المشغلة للحلبات إلى إبقاء بعضها مفتوحًا على علو يفوق 2,000 متر. ولتفادي إنهاء الموسم بالكامل، يتم نقل المتزلجين بواسطة سيارات رباعية الدفع إلى مواقع التزلج، ثم إعادتهم إلى نقاط الانطلاق باستخدام المصاعد".

أما كميل أبو حيدر، صاحب إحدى مدارس التزلج في كفرذبيان ، فيرى أن "موسم 2025 لم يتأثر بشكل كارثي مقارنة بالسنوات السابقة. ويؤكد أن الموسم بدأ في 3 كانون الثاني/يناير، وهو موعد أبكر من السنوات الماضية، حيث افتُتح في 3 شباط عام 2024 و7 شباط عام 2023. ويعوّل أبو حيدر على العاصفة القادمة هذا الأسبوع، والتي يُتوقّع أن تحمل معها كميات جيدة من الثلوج، مما قد يُحسن ظروف التزلج."

ورغم الصعوبات، شهدت مناطق التزلج إقبالًا من اللبنانيين، سواء المقيمين أو المغتربين، مدفوعًا بتحسّن نسبي في الأوضاع الاقتصادية بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة. كما ساهم قرار وزارة الشباب والرياضة، بالتعاون مع الاتحاد اللبناني للتزلج، بمنع أي شخص غير حائز على شهادة الاتحاد من تدريب الهواة، في تعزيز ثقة الزوار وتحسين معايير السلامة في مراكز التزلج. ومع ترقّب المنخفض الجوي المقبل، تبقى الآمال معقودة على تحسّن الظروف المناخية لإنقاذ ما تبقّى من الموسم السياحي الشتوي في لبنان.

أزمة غير مسبوقة

من جهتها اعتبرت جوزفين زغيب، عضو بلدية كفرذبيان كفرذبيان يان، أنّ " قطاع التزلج في لبنان يواجه أزمة غير مسبوقة نتيجة التغيرات المناخية التي أدت إلى انخفاض كبير في كميات التساقطات، ما أثر على انطلاق الموسم الشتوي وأدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة. هذه الظاهرة تضع مستقبل السياحة الشتوية في لبنان على المحك، خاصة أن الاقتصاد المحلي يعتمد بشكل كبير على هذا القطاع خلال الأشهر الباردة".

وشحت زغيب بأنّه "تعاني المناطق الجبلية، مثل كفرذبيان، من نقص الثلوج وتراجع جودة الحلبات، مما أدى إلى عزوف السياح المحليين والأجانب. فمعظم مراكز التزلج لم تتمكن من العمل بكامل طاقتها، واضطرت إلى فتح المسارات الواقعة على ارتفاعات تتجاوز 2,000 متر فقط. هذا الوضع أثّر سلبًا على الفنادق والمطاعم والشاليهات التي تعتمد على السياح والمتزلجين لتحقيق أرباحها الموسمية."

تداعيات اقتصادية على القطاعات المرتبطة

من جهته أشار الخبير الاقتصادي بلال علامة في حديثه لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّه "يعتبر قطاع التزلج محركًا أساسياً للاقتصاد المحلي في المناطق الجبلية، حيث يوفر فرص عمل لآلاف الأشخاص، من مدربين وعمال صيانة، إلى موظفي الفنادق والمطاعم. ومع تراجع عدد الزوار، باتت هذه القطاعات مهددة بخسائر كبيرة، خصوصًا بعد الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة في لبنان".

فيما يقول الدكتور جورج نصر، الباحث في علوم المناخ والبيئة، في حديثه لـ" الصفا نيوز"، إن "ما نشهده اليوم ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر على تغيّر مناخي طويل الأمد. ويوضح أنّ "انخفاض معدلات تساقط الثلوج وارتفاع درجات الحرارة هما نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري، مما يجعل الفصول الشتوية في لبنان أقصر وأقل برودة. هذه التغيرات ستجبر مراكز التزلج على التكيّف مع واقع جديد، مثل الاستثمار في تقنيات إنتاج الثلج الاصطناعي أو تحويل وجهاتها السياحية إلى أنشطة بديلة خلال الشتاء."

الخيارات المطروحة أمام قطاع التزلج

في ظل هذا الواقع، تحتاج مراكز التزلج إلى استراتيجيات جديدة لضمان استمراريتها، مثل:

• الاستثمار في أنظمة الثلج الاصطناعي لتعويض نقص التساقطات الطبيعية.

• تنويع الأنشطة الشتوية، مثل رياضات المشي الجبلي والسياحة البيئية.

• تعزيز السياحة الداخلية عبر تقديم عروض ترويجية تجذب اللبنانيين بدلاً من الاعتماد على السياح الأجانب.

بينما لا يزال بعض أصحاب المراكز السياحية متفائلين بموسم التزلج، فإن التغيرات المناخية تفرض تحديات طويلة الأمد تتطلب حلولًا مبتكرة. مستقبل السياحة الشتوية في لبنان يعتمد على قدرة هذه المرافق على التكيّف والاستثمار في البنية التحتية اللازمة لمواكبة هذا التحول المناخي.