شهدت الحدود اللبنانية-السورية تطورات غير مسبوقة، بعدما مُنع المئات من اللبنانيين من دخول الأراضي السورية عبر معبر المصنع الحدودي، بناءً على إجراءات جديدة أعلنتها الإدارة السورية التي تولت القيادة مؤخرًا بعد سقوط النظام السابق. هذه الشروط التي وصفت بالمفاجئة أثارت جدلاً واسعًا بين اللبنانيين، خصوصاً أن العديد منهم كانوا يسافرون إلى سوريا لأغراض متعددة كالسياحة والعلاج والعمل.
الإجراءات الجديدة المفروضة على اللبنانيين
وفقًا للمعلومات المتداولة، تضمنت الشروط الجديدة عدة قيود صارمة لدخول اللبنانيين إلى سوريا:
1. الحجز الفندقي والمبلغ المالي: يشترط على الزائر اللبناني أن يكون لديه حجز فندقي مؤكد داخل سوريا، بالإضافة إلى حمل مبلغ مالي بقيمة ألفي دولار أميركي كحد أدنى.
2. إجراءات طبية مشددة: بالنسبة للبنانيين الذين يسافرون إلى سوريا لإجراء عمليات جراحية أو متابعة طبية، يُطلب منهم تقديم إثبات لحجز موعد طبي مسبق، إضافة إلى وجود كفيل سوري يُعرّف عنهم بشكل رسمي.
3. الإقامة السارية: على أي لبناني يدخل سوريا أن يكون لديه إقامة سارية المفعول، مع التشديد على فرض غرامات مالية ومنع دخول الأراضي السورية لمدة عام كامل في حال مخالفة شروط الإقامة.
"المعاملة بالمثل" وراء القرار
بحسب مصادر أمنية، جاء القرار السوري كرد فعل على الإجراءات التي تفرضها السلطات اللبنانية على دخول السوريين إلى لبنان. وتشمل هذه الإجراءات ضرورة حصول السوريين على إقامة لبنانية سارية المفعول للعبور بشكل قانوني.
هذا التوجه السوري يعكس سياسة "المعاملة بالمثل،" إذ تم تنفيذ القرار بإبلاغ الأمن العام اللبناني به رسميًا، ما أدى إلى منع العديد من اللبنانيين من اجتياز الحدود، وإعادة عشرات الحافلات إلى لبنان.
المحلل السياسي جورج عيسى قال في مقابلة أجرتها معه "الصفا نيوز" إنّ "هناك أكثر من بُعد للخطوة التي اتخذتها الإدارة السورية الجديدة. فأوّلا قد تأتي هذ الخطوة تحت إطار ما يعرف بالمعاملة بالمثل ردا على الإجراءات اللبنانية المشددة على دخول السوريين إلى لبنان، كما هناك حديث عن أن هذا القرار ربما يهدف إلى دفع الحكومة اللبنانية للإسراع في تعزيز التواصل الدبلوماسي مع دمشق. وهذا تفسير منطقي للغاية لهذا الإجراء."
ثالثا، يتابع عيسى "يُحتمل أن يكون القرار جزءاً من مساعٍ لتقييد وجود حزب الله في بعض المناطق السورية. ومع ذلك، كان من الأفضل أن يكون هناك وضوح أكبر حول هذه الخطوة، وخصوصاً أن شريحة كبيرة من اللبنانيين، وربما الغالبية، تعارض الحزب. ورابعا، قد يكون هذا الإجراء نوعاً من الانتقام أو الرد على المضايقات التي تعرض لها بعض السوريين في لبنان، سواء أتت من الناس أو من جهات رسمية. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن السوريين واجهوا مضايقات مشابهة حتى في تركيا، سواء على الصعيد الشعبي أو الرسمي. على سبيل المثال، حتى عام 2019، حُكِي عن ترحيل أكثر من 300 ألف سوري من تركيا إلى سوريا. وفي إسطنبول وحدها، رحّلت السلطات المحلية نحو 100 ألف سوري كانوا مسجلين في محافظات تركية أخرى. وتطول الأمثلة عن السياسات التركية المتشددة تجاه السوريين. رغم ذلك، لم نشهد إجراءات من الإدارة السورية تجاه تركيا، ومن المرجح ألا نشهدها، نظراً لدعم تركيا لبعض الفصائل المحسوبة على الإدارة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً."
الجدل على توقيت الإجراءات وأهدافها
رغم غياب أي تصريح رسمي من الجانب اللبناني أو السفارة السورية في بيروت، يُرجَّح أن تكون هذه الإجراءات ذات طبيعة "استثنائية" ومؤقتة، تهدف إلى تنظيم حركة الدخول والخروج بين البلدين. يأتي ذلك في ظل غياب تواصل رسمي بين لبنان والإدارة السورية الجديدة، ما يزيد الغموض حول المدى الزمني المتوقع لهذه الإجراءات.
أو قد تكون نتيجة خطأ متسرّع من الإدارة الجديدة بحسب عيسى، وسط فوضى العمليات الانتقالية التي تسود في مراحل من هذا النوع، كما قد تكون جزءاً من نظرة تاريخية سورية تجاه لبنان، باعتباره "أقل من دولة ذات سيادة تستحق التعامل معها من الند إلى الند".
وعن كيفية الحكم على حقيقة القرار وطبيعته، اعتبر عيسى أنّ "علينا أن ننتظر أسابيع أو أشهرا لمعرفة ما إذا كان هذا القرار سيتكرر ويكون جزءا من نمط معيّن، أو سيكون محدودا في الزمان والمكان".
من جانب آخر، أشار الأمن العام اللبناني إلى أنه عقد اجتماعين مع الإدارة السورية بعد سقوط النظام بغرض مناقشة تنظيم الحركة الحدودية بين البلدين. ومع ذلك، لم يكن هناك أي إشعار مسبق بالإجراءات التي أعلنها السوريون مؤخرًا، ما زاد من حدة المفاجأة والإرباك.
انعكاسات القرار على العلاقات بين البلدين
تزامنت هذه التطورات مع تدهور العلاقات بين لبنان وسوريا في السنوات الأخيرة. فقد أثرت الأزمات السياسية والاقتصادية على تنقل المواطنين بين البلدين، وزادت هذه القيود من تعقيد الوضع.
وإلى ذلك اعتبر الخبير الاقتصادي، د. خلدون عبد الصمد في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أنّ "النظام السوري الجديد يسعى حاليًا إلى ترتيب أوضاعه وإعادة هيكلة سلطته، ما أدى إلى تغييرات واضحة في نمط العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين لبنان وسوريا. الحوادث الأمنية والسياسية الأخيرة، مثل الاشتباكات عند المعابر غير الشرعية وحادثة تهريب المتهمين، سرعت هذه التغييرات وشددت من الإجراءات التنظيمية على الحدود."
العلاقة الاقتصادية بين لبنان وسوريا تعتمد بشكل رئيسي على الترانزيت ونقل السلع. فسوريا هي البوابة الأساسية لتصدير المنتجات اللبنانية إلى الدول العربية، كما أن لبنان يُعتبر منفذًا هامًا لسوريا باتجاه الغرب عبر مرفأ ومطار بيروت. ومع ذلك، فإن "التعقيدات الجديدة في الإجراءات الحدودية ستؤثر سلبًا على التجارة، السياحة، والاقتصاد اللبناني بشكل عام، بخاصة في ما يتعلق بحركة البضائع والسياحة البرية والدينية،" بحسب عبد الصمد، الذي أشار إلى أنّ "الإجراءات الحالية، مثل فرض موافقات مسبقة على دخول السوريين إلى لبنان أو اللبنانيين إلى سوريا، تأتي كجزء من محاولات تنظيم العمالة والعلاقات الاقتصادية. ويُطالب لبنان منذ فترة طويلة بوضع نظام للإقامة للعمال السوريين لضمان ضبط الأعداد وتحقيق الاستفادة من العائدات الضريبية اللازمة لدعم البنية التحتية."
وشدد الخبير الاقتصادي على أنّ " من الضروري أن يجلس الطرفان في ظل هذه التطورات، لإعادة صياغة أسس العلاقات التجارية والاقتصادية على نحو متوازن يخدم مصلحة البلدين. فمن المعروف أن المصالح المشتركة بين لبنان وسوريا تجعل من التعاون الاقتصادي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار والنمو لكلا الطرفين".
في المحصّلة، تظل الإجراءات الجديدة لدخول اللبنانيين إلى سوريا محط تساؤل كبير، لا سيما مع غياب الشفافية والتواصل الرسمي حول أسبابها وأهدافها. يبقى الأمل أن تسهم هذه التدابير، إن كانت مؤقتة، في تنظيم أفضل لحركة المرور عبر الحدود، دون أن تشكل عبئًا إضافيًا على العلاقات المتوترة بين البلدين.