لطالما بدأ موسم الشتاء في لبنان مع مستهل أيلول، إذ تتساقط الأمطار التي تمثل شريان الزراعة، وتجدد الموارد المائية. إلّا أنّ موسم 2024 شهد تأخرًًا لافتًا في هطول الأمطار، بعدما امتدت فترة الجفاف حتى كانون الأول، وهذا ما أثار قلق الخبراء والمزارعين من تأثير ذلك على الموارد المائية والزراعية.

ما خطورة تأخر هطول الأمطار؟

تأخّرُ الأمطار فترة طويلة يمكن أن يؤدّي إلى تداعيات خطيرة على أكثر من صعيد، بحسب ما شرح د. أنطوان ضاهر، رئيس مجلس البيئة في منطقة القبيات.

ومن هذه التداعيات:

- شحّ المياه، إذ يعاني لبنان أصلًا أزمة في إدارة الموارد المائية. ومع تأخر الأمطار، قد نشهد تراجعًا إضافيًا في منسوب المياه الجوفية ومخزون السدود. والشحّ سيؤثر سلبًا على توفير مياه الشرب، والري، والصناعة.

- تهديد الزراعة، فالقطاع الزراعي يعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار. وتأخّرها قد يخفض الإنتاجية، ويرفع أسعار المحاصيل.

- زيادة الحرائق. يؤدي الجفاف الطويل إلى زيادة احتمال اندلاع الحرائق في الغابات والمساحات الخضر، كما حصل في السنوات الأخيرة.

- تغير المناخ والتكيف معه. يشير تأخّر الأمطار إلى نمط جديد من التغيرات المناخية التي تحتاج إلى إستراتيجيات جديدة للتكيف.

وإلى ذلك، بدأت أولى نتائج تأخّر هطول الأمطار تظهر في لبنان، حيث أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنّها ستضطر إلى اعتماد برنامج تقنين قاس، في توزيع المياه في مناطق نطاق صلاحيتها، داعية المواطنين إلى أخذ العلم والترشيد في استخدام المياه ريثما ينعم الله بمزيد من الأمطار، موضحةً أنّه "نتيجة ضآلة المتساقطات إلى تاريخه، انخفض منسوب مياه الينابيع بشكل كبير ومنسوب المياه داخل الآبار، وأصبحت المياه في سد شبروح وبحيرة بقليع شبه معدومة".

تأخّر هطول الأمطار في لبنان يُحدث تحولًا جذريًا في النمط المناخي للمنطقة، واضعًا البلاد في مهب تحديات كبيرة. 

هل لبنان في مهبّ أزمة شحّ مياه؟

بسبب تأخّر هطول الأمطار، باتت أزمة شحّ المياه احتمالًا واردًا، خاصة مع الازدياد السكاني وسوء إدارة الموارد المائية. يُقدّر أنّ لبنان يفقد حوالى 50% من موارده المائية سنويًا بسبب التسرّب في شبكات المياه وسوء التخزين. فبحسب رئيس دائرة التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية محمد كنج، فإنّ الأمطار التي شهدها لبنان هذا العام أقلّ بكثير مقارنة بالعام الماضي. فعلى سبيل المثال، سجّلت مدينة طرابلس العام المنصرم معدّل هطول بلغ 265 ملم، بينما لم يتجاوز هذا العام 135 ملم، في حين أنّ المعدّل العام يراوح بين 190 و195 ملم. وأكّد أنّ ما تبقّى من الشهر الجاري لا يحمل أيّ بشائر إيجابية، "فالأمور لا تزال جافة، وجميع المنخفضات الجوية تقع في غرب المتوسط وليس في شرقه، أو حتى في وسط المتوسط، وهذا يعني أنّ لبنان لا يزال بعيدًا عن هذه المنخفضات".

أبرز الأسباب الكامنة وراء تأخّر الأمطار

التغيّر المناخي: يعتبر تغيّر المناخ العامل الأبرز وراء هذه الظاهرة، لأنّ زيادة الاحتباس الحراري تتسبّب في تغييرات جذرية في أنماط الطقس، بما في ذلك تأخر الأمطار أو تقطعها.

التصحّر وإزالة الغابات: تؤدي إزالة الغابات وتدهور الأراضي إلى تراجع معدّلات التبخّر والتكاثف اللازمين لتكوين الأمطار.

النشاط البشري: التلوث البيئي، وزيادة الانبعاثات الكربونية، والممارسات غير المستدامة تساهم في تفاقم الظواهر المناخية غير المتوقعة.

في سياق متصل، شدّد رئيس جمعية الأرض لبنان بول أبي راشد، في حديث صحافي، على مسألة سوء الإدارة، وضرب مثالًا على ذلك الواقع في نبع جعيتا حيث قدّر تقرير البعثة الألمانية، التي عملت بين عامي 2006 و2014 لحماية المغارة من التلوّث ودراسة مصادر المياه المتدفقة داخلها، والبالغ مقدارها نحو 146 ألف متر مكعب في اليوم، وهذا يعني تدفق أكثر من ضعفَي التقديرات الرسميّة في أيلول.

كذلك أشار أبي راشد إلى أنّ المياه المتدفّقة من النبع غير محصورة جيدًا، أي يمكن الاستفادة من كميات أكبر وجرّها إلى بيروت، مؤكّدًا أنّ النفق الذي ينقل المياه إلى محطّة ضبية لا يستوعب كمية المياه كلّها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدم قدرة المحطّة المذكورة على معالجة إلّا كمية محدودة من المياه.

حلول لتفادي الكارثة

ومن الحلول التي يطرحها الخبير البيئي مصطفى رعد في حديثه لـ "الصفا نيوز":

أولًا، إدارة الموارد المائية، وذلك عبر تحسين شبكات المياه، وبناء سدود جديدة لتخزين مياه الأمطار عند هطولها.

ثانيًا، التشجير وإعادة الغطاء النباتي لتعزيز التوازن البيئي ودعم دورة المياه الطبيعية.

ثالثًا، التوعية والتخطيط الزراعي من خلال توجيه المزارعين إلى استخدام طرائق ري حديثة وفعالة تقلل من استهلاك المياه.

رابعًا، الاستعداد للتغير المناخي عبر تبني خطط وطنية للتكيف مع تغير المناخ تشمل تطوير البنية التحتية المائية والزراعية.

يٌذكر أنّ تأخّر هطول الأمطار في لبنان يُحدث تحولًا جذريًا في النمط المناخي للمنطقة، واضعًا البلاد في مهب تحديات كبيرة. وبسبب عدم إمكان السيطرة على العوامل الطبيعية، بات اتخاذ خطوات جادّة لإدارة الموارد المائية والتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة ضرورة لا مفرّ منها لتجنب أزمة شح مياه تهدد المستقبل.