في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي رافقت لبنان منذ العام 2019، انتشرت منصات رقمية مستهدفة آلاف الأشخاص الباحثين عن فرصة لتحقيق دخل إضافي أو استثمار سريع ومضمون. آخر هذه المنصات منصة Bytesi التي أصبحت حديث الناس في الآونة الأخيرة، والتي تعتمد على إستراتيجيات خادعة لجذب المواطنين، مستغلّة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لتوقعهم في شباك الاحتيال.
ما هو هذا التطبيق؟
في التفاصيل، تدّعي Bytesi أنها مرخصة وتبرز وثائق مزوّرة توهم المستخدمين بشرعيتها، وتروّج لنفسها بأنها تعمل في مجال تداول العملات الرقمية. كما تعد بأرباح يومية تصل إلى 3% من قيمة رأس المال، وهو أمر غير منطقي في أيّ سوق استثماري حقيقي.
الحقيقة أن Bytesi ليست سوى واجهة لعملية احتيال ممنهجة. لا تقوم بأي تداول فعلي للعملات الرقمية، بل تعتمد على أموال المشتركين الجدد لدفع أرباح مزعومة للمشتركين السابقين، هذا النظام الهرمي ينهار بمجرّد توقّف تدفق المشتركين الجدد، وهذا يؤدّي إلى خسارة الجميع أموالهم. وما يزيد الأمر خطورة أنّ هذه المنصة تروج لنفسها بأنّها تأسست منذ عام 2018 لإضفاء المزيد من الصدقية عليها، وهي في الواقع تظهر فجأة، وتنتشر بسرعة، ثم تختفي حالما تجمع أموالًا كافية.
التطبيق يغلق أبوابه
وهو ما حصل فعلًا منذ قرابة الأٍسبوع، إذ توقّفت المنصّة عن العمل فجأة، ليتبيّن أنّ صاحبها أقفلها وهرب بالأموال، وهذا ما أدّى إلى خسارة الكثير من المشتركين الجدد آمالهم.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يقع فيها عدد من اللبنانيين ضحية منصّات مماثلة، فكل فترة، تظهر منصات مشابهة تستخدم الأسلوب نفسه في الاحتيال، تبدأ بوعد المستخدمين بأرباح خيالية مقابل رسوم تسجيل أو استثمارات، ثم تختفي بعد فترة قصيرة بعد أن تجمع أموال الضحايا. هذه المنصات تعتمد على حاجة الناس الماسّة إلى المال وتجعلهم فريسة سهلة لوهم الأرباح السريعة.
أكبر عمليات الاحتيال
في هذا الإطار، قال لـ"الصفا نيوز" رولان أبي نجم، وهو خبير في الأمن السيبراني ومستشار تقني، أن "تطبيق Bytesi مصنّف في عداد وسائل الاحتيال وسرقة الأموال، وهو ليس مسجّلًا في أيّ منصة معروفة مثل App Store أو Google Play، وهذا يعزّز الشكوك في شرعيته"، وأكّد أنّ "النظام يقوم على نموذج احتيالي مشابه لعمليات Ponzi و Pyramid scheme ، إذ يتم استقطاب المزيد من الضحايا لضمان استمرار الأرباح الوهمية".
ولفت أبي نجم إلى "أنّ المخاطر الناتجة من التعامل مع منصات مثل Bytesi لا تقتصر على خسارة الأموال فحسب، بل تشمل أيضًا التعرّض للمساءلة القانونية في بعض الحالات، إذا دعا أحدهم أشخاصًا آخرين إلى الانضمام. في النهاية، هذه المنصات تعمل خارج أيّ إطار قانوني ولا تقدم أيّ ضمانات لاستعادة الأموال".
احذروا Gicai
وحذّر أبي نجم من " تطبيقات مشابهة لـ Bytesi ومنها GICAI الذي هو تطبيق جديد خرج إلى العلن بعدما أقفلت Bytesi أبوابها، فهو يعتمد على التصميم نفسه، ويقدّم العروض المغرية نفسها، مطبِّقًا الأساليب التي تشبه أساليب المافيا!"، وأضاف: "يجب أن ندرك كلّنا أنه ليس ثمة تطبيق يمكن أن يحقق لك الأرباح وأنت في منزلك من دون بذل أي جهد. لو كان هذا حقيقيًا، لما احتاج الناس إلى العمل، ولكان الجميع اعتمدوا على هذه التطبيقات لتحقيق الأرباح! لا تنخدعوا بمن يروج لهذه التطبيقات قائلًا لكم إنه سحب الأموال أو إنّ أحدًا غيره فعل ذلك. مثل هذا الشخص غالبًا ما يُستخدم كطُعْم للإيقاع بالآخرين وإقناعهم بالاشتراك. وإن كنتم لا تثقون بإعطاء أشخاص تعرفونهم أموالكم، فكيف يمكنكم الوثوق بتطبيق مجهول الأصل والهوية؟ احذروا، فالأمر يتطلب وعيًا وحذرًا كبيرين".
وبالفعل تظهر الصور التالية التي زودنا إياها أبي نجم مدى التطابق في التصميم بين المنصتين، والرسالة التي وصلت إلى المستخدمين بعد إغلاق التطبيق الأول:
واعتبر أبي نجم أنّ "أحد أسوأ الجوانب المتعلقة بتطبيق Bytesi هو أنّ معظم الذين شاركوا في التطبيق كانوا على علم مسبق بأنّه عملية نصب واحتيال، وأنه سيُغلق في النهاية. ومع ذلك، كانوا يُدخلون أشخاصًا جددًا إلى التطبيق بهدف تحقيق الأرباح من خلال التسويق الهرمي. وحالما استردوا أموالهم وبدأوا تحقيق الأرباح من أموال الذين خسروا مدخراتهم، اعتبروا أنفسهم أذكياء وبارعين لأنّهم استفادوا ماليًا على حساب خسارة الآخرين. لكن الحقيقة الواضحة هي أنّ السرقة، والنصب، والاحتيال ليست دليلًا على الذكاء والمهارة. إنّ كسب المال من أشخاص فقدوا أموالهم يُعدّ سرقة موصوفة واحتيالًا صريحًا، وسيتحمّل المرتكبون عواقب أفعالهم عاجلًا أم آجلًا!".
التحقيقات جارية
على مقلب آخر، أكّدت مصادر متابعة للملفّ لـ"الصفا نيوز" أنّ "مكتب الجرائم المعلوماتية في لبنان بدأ استدعاء الشباب الذين سوّقوا لمنصة Bytesi، وقد يشمل التحقيق جميع الذين شاركوا أيضًا في هذه المنصّة، وصولًا إلى معرفة من هو المؤسس الذي، وفق الترجيحات الأولى، يعتقد أنّه لبناني. وهناك احتمال كبير بأنّه قد غادر الأراضي اللبنانية فور إغلاق التطبيق".
هناك دروس عدة يستمدها المواطن من تطبيقات مماثلة، أوّلها عدم الانجرار وراء أوهام الربح السريع، على حساب التدقيق في صحّة التطبيقات والهدف من إنشائها،ومعرفة أنّ كلّ التطبيقات التي تعتمد الـpyramid scheme هي تطبيقات غشّاشة ومخادعة.