بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يومًا، شهدت منطقة الجنوب إجراءات مشدّدة أثارت استياء المواطنين، خاصّة في ما يتعلّق بمنع العديد من الجنوبيين من العودة إلى قراهم ومنازلهم. الاتفاق الذي يهدف إلى تهدئة الأوضاع وتجنّب تصعيد جديد، تسبّب في أزمات إنسانية وأمنية أثّرت سلبًا في حياة السكان المحليين.
الخروق الإسرائيلية
وفي أقلّ من 24 ساعة على إعلان قرار وقف إطلاق النار، بدأت الخروق الإسرائيلية، واستخدم الجيش الإسرائيلي المدفعية في قصف بلدتي عيتا الشعب وبنت جبيل، بالإضافة إلى إطلاق نيران رشاشة من موقعه في محيط بلدة مارون الرأس في اتجاه محيط مستشفى بنت جبيل الحكومي، وعدد من أحياء المدينة.
وأُطلقت قنابل مضيئة فوق مدينة الخيام، وسُجّل توغّل إسرائيلي في أحياء البلدة، كما سُجّل أكثر من خرق في عدد من البلدات الحدودية.
في هذه الأثناء، يواصل الجيش اللبناني تعزيزاته العسكرية لاستكمال انتشاره في المناطق الحدودية وفي منطقة جنوب الليطاني.
موقف الجيش اللبناني
وأفاد الجيش اللبناني في بيان أنّه بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، انتهك الجيش الإسرائيلي الاتفاق عدّة مرات من خلال الخروق الجوية واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة، مشيرًا إلى أنّه يتابع هذه الخروق مع الجهات المختصّة.
وكان قد جدد الجيش الإسرائيلي حظر عودة سكان الجنوب إلى منازلهم في أكثر من 60 قرية وبلدة حتّى إشعار آخر، مهدّدًا باستهدافهم. وقال المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي للإعلام العربي في بيان عاجل إلى سكان لبنان: "حتّى إشعار آخر يحظر عليكم الانتقال جنوبًا إلى خط القرى التالية ومحيطها شبعا والهبارية ومرجعيون وأرنون ويحمر والقنطرة وشقرا وبرعشيت وياطر والمنصوري".
وأضاف: "الجيش الإسرائيلي لا ينوي استهدافكم، ولذلك يحظر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوبًا حتّى إشعار آخر. كلّ من ينتقل جنوب هذا الخط، يعرّض نفسه للخطر".
كذلك أعلن أدرعي حظر التجول على المتوجهين إلى جنوب نهر الليطاني ابتداءً من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السابعة صباحًا.
وكان نازحون كثر قد حاولوا العودة إلى منازلهم يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني، مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
القرى المحظورة على المواطنين
أما القرى الجنوبية التي يمنع على الجنوبيين دخولها بعد قرار وقف إطلاق النار، فهي: الضهيرة، الطيبة، الطيري، الناقورة، أبو شاش، إبل السقي، البياضة، الجبين، الخريبة، الخيام، خربة، مطمورة، الماري، العديسة، القليعة، أم توته، صليب، أرنون، بنت جبيل، بيت ليف، بليدا، بني حيان، البستان، عين عرب مرجعيون، دبين، دبعال، دير ميماس، دير سريان، حولا، حلتا، حانين، طير حرفا، يحمر، يارون، يارين، كفر حمام، كفر كلا، كفر شوبا، الزلوطية، محيبيب، ميس الجبل، ميسات، مرجعيون، مروحين، مارون الراس، مركبا، عدشيت القصير، عين ابل، عيناتا، عيتا الشعب، عيترون، علما الشعب، عرب اللويزة، القوزح، رب ثلاثين، رامية، رميش، راشيا الفخار، شبعا، شيحين، شمع، طلوسة.
يٌذكر أنّ هذه القرى من المناطق تعرضت لقصف مكثف خلال النزاع، وتقع ضمن النطاق الجغرافي للمنطقة المحظورة العودة إليها.
قصص مأسوية لجنوبيين منعوا من العودة إلى قراهم
برغم أنّ الاتفاق ينص على ضمان سلامة المدنيين، فإنّ تطبيقه أدّى إلى مآسٍ لعدد من الأسر الجنوبية. في ما يلي 6 حالات لمواطنين شاركوا "الصفا نيوز" قصصهم:
يقول محمود، وهو من عيتا الشعب "حاولت أسرتنا العودة إلى منزلنا لتفقد الأضرار، لكن الحاجز الأمني منعنا بحجة عدم امتلاكنا تصريحًا"، ويضيف "لذا اضطررنا إلى المبيت في العراء عدة أيام حتى إصدار الموافقة".
وروى محمود أيضًا قصّة رجل مسنّ من رميش، مُنع من دخول قريته لجلب أدويته الضرورية، برغم تقديم تقارير طبية تثبت حاجته إليها.
أمّا علي، وهو شاب من مروحين، فيخبر بأنّه أراد الاطمئنان على مزرعته التي تعتبر مصدر رزقه الوحيد، لكنه مُنع من العبور وأُجبر على العودة من دون أيّ تفسير.
وكعلي، يروي مصطفى، وهو عامل زراعي من يارين، أنّه مُنع من دخول أرضه لجني المحصول الذي يعتمد عليه لإعالة أسرته، فأدى ذلك إلى خسائر مادية كبيرة.
وتقول أم محمد، وهي امرأة عجوز من علما الشعب، إنّها أُوقفت بضع ساعات عند أحد الحواجز الأمنية بعد محاولتها التوجه إلى منزلها لجلب ملابس شتوية. وعقب الانتظار الطويل، ومحاولاتها المتتالية لإقناع المعنيين بالسماح لها بالدخول، أعطيت نصف ساعة لجلب أغراضها والخروج.
وكأم أحمد، حاولت عائلة نازحة من الظهيرة دخول القرية لاستعادة بعض الوثائق الرسمية من منزلها، لكنّ السلطات رفضت السماح لها بالدخول.
تداعيات إنسانية واجتماعية
أثارت هذه القيود حالة من الغضب والاحتقان في صفوف الأهالي الذين يرون أنّ حقوقهم الإنسانية قد انتهكت بذريعة الأمن. وقد طالبت منظمات حقوقية دولية السلطات اللبنانية وقوات اليونيفيل بضرورة ضمان عودة آمنة وسريعة للسكّان إلى منازلهم، وتوفير بدائل مؤقّتة لهم ريثما تُحلّ الأزمة.
بينما يُعتبر وقف إطلاق النار خطوة ضرورية لتخفيف التصعيد العسكري، تتطلب آثاره معالجة عاجلة. يجب على جميع الأطراف المعنية العمل من أجل ضمان حقوق المدنيين، والسماح لهم بالعودة إلى قراهم وممارسة حياتهم على نحو طبيعي من دون قيود، مع مراعاة الالتزامات الأمنية المتفق عليها.