لا تزال الخسائر تُسَجَّل في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان. وتشمل الاعتداءات القطاع الزراعي على مستوى الدمار الذي قضى "حتّى الآن، على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، إلى جانب نزوح عشرات الآلاف من المزارعين"، وفق ما أكّده وزير الزراعة عباس الحاج حسن الذي أوضح في حديث صحافي أنّ "الأمن الغذائي مهدّد إذا ما استمر العدوان على وتيرته".

الضرر كبير جداً

وأشار الحاج حسن إلى أنّ خسائر القطاع "بدأت تُسَجَّل منذ 8 تشرين الأول من العام الماضي، مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكانت تركّز على المناطق الجنوبية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، بيد أنّ الضرر الأكبر بدأ منذ 23 أيلول الماضي، مع توسّع العدوان، ويمكن وصفه بالكبير جداً". علماً أنّ الإنتاج الزراعي للجنوب، يشكّل "بين 25 و35 في المئة من الناتج القومي المحلي".

واستناداً إلى أرقام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإنّ 70 في المئة من القطاع الزراعي في لبنان تأثّر بشكل مباشر وغير مباشر، وآلاف الهكتارات قُضيَ عليها بشكلٍ كاملٍ أو شبه كاملٍ، وإنّ 65 ألف شجرة زيتون أحرقت نتيجة القصف بالفوسفور الأبيض المحرَّم دولياً، والقصف بالقنابل العنقودية التي ستدفع حتماً الحكومة ووزارة الزراعة إلى العمل طويلاً لتنظيف هذه الحقول الشاسعة، إذ بمجرّد أن تكون هناك قنابل عنقودية يعني عدم إمكان وصول المزارعين إلى هذه الحقول، لأنّها ستكون مهدِّدة لحياتهم.

وعلى مستوى المزارعين، أعلن الحاج حسن بدء "إجراء مسح لأربعة آلاف مزارع، وسيُستكمَل حتّى نصل إلى 22 ألفًا من المسجلين في سجل المزارعين، لمعرفة أين يقيمون الآن، وهل هم في مناطق تتعرَّض للقصف أو في مناطق اللجوء؟ وهذا من شأنه أن يؤسِّس لمعرفة أعداد المزارعين النازحين، وكيفية انعكاس ذلك وضرره على القطاع الزراعي، وتاليًا بحث سبل دعمهم".

التعويض بمساحات زراعية خارج الجنوب

تعويضًا للمواسم الزراعية التي تضرّرت في الحرب، أوضح الحاج حسن أن العمل جاريً على "توسيع المساحات الزراعية في المناطق التي لم تتعرَّض للقصف، أي سهول عكار والضنية والشريط الساحلي وجبل لبنان والبقاع الأوسط وبعض المناطق في البقاع الشمالي". وأكّد أنّه جرى "مسح كشوفات حول ما يزرع في هذه المناطق وما هي الكميات، وبالتالي ما هي إمكانية توسيع المساحات؟ وكانت هناك عدة لقاءات عبر غرف التجارة والصناعة والزراعة في الشمال ورئيسها توفيق دبوسي، والتقينا عدداً من المزارعين، واستكملت بلقاءات عدة مع النقابيين والتعاونيات الزراعية، ونحن اليوم أمام واقع يمكن لسهول عكار والضنية والشريط الساحلي أن تعوّض قدرًا كبيرًا من المساحات التي فقدناها، نتيجة تعرّضها لاعتداءات إسرائيلية مرحليًا كخطة بديلة وسريعة".

لا شيء مفقوداً من السوق

رغم التأثير السلبي للحرب على المواسم الزراعية والأمن الغذائي، "لا يوجد أي منتج مفقود من الأسواق، ونجهد لأن يكون هناك استمرارية في سلاسل الإنتاج كي لا نفقد أيّ محصول من المحاصيل، وستتأثر عمليات التصدير، لكن الأمن الغذائي مقبول حتى الآن، ونخاف من اهتزازه لو استمرت وتيرة العدوان في التصاعد. هناك مساعدات من الجهات المانحة، تحديداً للقطاع الزراعي. وهناك خطط طوارئ موجودة أصلاً، ونحن في طور وضع خطط وبدائل معها لكيفية تحويل بعض الأموال التي رصدت سابقًا لاستمرار القطاع الزراعي وديمومته، للتحول إلى مساعدات طارئة للمزارعين اللبنانيين".

تضرّر قطاع الدواجن

وعلى غرار القطاع الزراعي، شملت نيران الحرب الإسرائيلية قطاع الدواجن أيضًا، وبحسب رئيس النقابة اللبنانية للدواجن، وليَم بطرس، فإنّ "كلّ الوحدات الإنتاجية في المناطق الساخنة توقّفت كليًا عن العمل، وهناك مزارع كثيرة استُهدفت ودُمّرت. وتكبَّدَ العاملون في القطاع من أصحاب مزارع ومنتجين خسائر كبيرة باتت تشكل حملًا ثقيلًا على القطاع برمّته".

وأوضح أنّ "الاستهلاك المحلّي من الدجاج والبيض انخفض نحو 25 في المئة، في ظلّ وجود عرض كبير لدى القطاع، وهذا يؤدي أيضًا إلى تكبّده خسائر إضافية خصوصًا أنّ الدجاج يُباع في السوق بأقلّ من سعر التكلفة، في حين أنّ سعر البيض متدنٍ إذ يباع الـ"صندوق" المؤلّف من 12 كرتونة بحوالى 32 دولارًا".

ومع ذلك، أكّد بطرس أنّ "القطاع يعمل بكفاءة عالية. وجميع المنتجين هم الآن خارج مناطق الاشتباك، ولم يخفّضوا مستوى إنتاجهم، وهذا ما سيبقي العرض في السوق أكبر من الطلب"، وأكّد أنّ "هذا الموضوع يمكن الاستمرار فيه بضعة أشهر مع وجود كمية كبيرة من الأعلاف لدى المنتجين".

ليس الأمن الغذائي في لبنان مجرد مسألة اقتصادية، أو آنية، بل هو قضية إنسانية وصحّية

تدهور مقلق في واقع الأمن الغذائي

في سياق متصل، علّقت خبيرة التغذية بتول اللو، في حديثها لـ "الصفا نيوز" على مسألة الأمن الغذائي في لبنان، مضيفةً أنّه "يشهد في السنوات الأخيرة تدهورًا نتيجة تراكم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي انعكست بشكل مباشر على قدرة المواطنين على تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية".

وعددت اللو التحديات الرئيسية، ومنها:

- ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية، إذ أدّت الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية، وهذا ما جعل أكثر من 80 في المئة من الأسر اللبنانية تعاني من صعوبة تأمين غذاء كافٍ ومغذٍ.

- الاعتماد على الاستيراد، إذ يعتمد لبنان بنسبة تفوق 80 في المئة على استيراد الغذاء. مع تقلّب أسعار العملات وارتفاع تكلفة الشحن، أصبح تأمين المواد الغذائية المستوردة مكلفًا جدًا وغير مستدام.

- امتلاك لبنان إمكانات زراعية كبيرة، إلّا أنّ هذا القطاع يعاني من ضعف الاستثمارات، وغياب الدعم الحكومي، وتدهور البنية التحتية، وهذا ما يحدّ من الإنتاج المحلي ويزيد من الاعتماد على الخارج.

وإلى ذلك، أشارت تقارير الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي إلى أنّ حوالى مليوني لبناني يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، خاصة في المناطق الريفية والأسر ذات الدخل المنخفض.

انعكاسات وحلول

وعن انعكاسات ذلك على الصحة العامة، تقول اللو "تزايدت حالات سوء التغذية ونقص الفيتامينات والمعادن، خاصة بين الأطفال والحوامل. ومع ارتفاع أسعار الغذاء الصحي، يلجأ الكثيرون إلى الخيارات الأرخص، ولكن الأقلّ قيمة غذائية، وهو ما يزيد من مخاطر الأمراض المزمنة كالسمنة والسكري".

واقترحت اللو حلولًا عدة، منها "تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي عبر دعم المزارعين وتأمين مستلزمات الزراعة بأسعار مدعومة، يمكن أن يخفف من الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاكتفاء الذاتي. وتحفيز البرامج الغذائية من خلال إطلاق برامج دعم غذائي موجهة إلى أكثر الأسر حاجةً بالتعاون مع المنظمات الدولية. بالإضافة إلى التحكم بالأسعار، إذ يجب على الحكومة مراقبة الأسواق وضبط الاحتكار لضمان وصول الغذاء بأسعار معقولة. فضلًا عن التوعية الغذائية، إذ يجب تعزيز الوعي الغذائي لتشجيع الخيارات الصحية وتنظيم استهلاك الموارد المتاحة بفعالية أكبر".

ليس الأمن الغذائي في لبنان مجرد مسألة اقتصادية، أو آنية، بل هو قضية إنسانية وصحّية تتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية والمحلية. ومن دون خطة مستدامة، ستزداد الأعباء الصحية والاجتماعية، وتضع البلاد في مهب تحديات أكبر في المستقبل.