التّاريخ لا يعيدُ نفسه فحسب، بل المنظومة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة التي تنُتج الأحداث أو أقله تؤثّر بها بشكلٍ كبير، هي نفسها. عام 1974 أي قبلَ اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة بسنةٍ واحدة، سادَ اتجاهان في لبنان، الأوّل يؤيّدُ المقاومة الفلسطينية، والثّاني يُعزّز فكرة عزل لبنان عنها، هذان الاتجاهان يستمران إلى الآن. ومنذُ ذلك الحين أيضاً، يعجُ البلد بالتناقضات بينَ مركز بيروت حيثُ المصارف والشّركات والسّياسيين والاقتصاد الذي يقوم على الصفقات والسّمسرة والفساد، وبين الضّواحي شمال وجنوب بيروت، حيثُ الفقر والعوز والويلات، هذا المشهد أيضاً مستمر إلى الآن.

مع الصّورة التي كانت سائدة في لبنان عام 1974، كتبَ فارس يواكيم مسرحية (آخ يا بلدنا) وأخرجها روجيه عسّاف، بينما قام بدور البطولة الفنان حسن علاء الدين (شوشو) وفرقته. 

شحادين يا بلدنا

في المسرحية كانت الأُغنية الأشهر لـ (شوشو) وهي "شحادين يا بلدنا" كلمات ميشال طعمة وألحان الياس الرحباني، والأُغنية تُناسبَ واقعَ الحال اليوم بعدَ مرور خمسينَ عاماً.

تقولُ الكلمات: "شحادين يا بلدنا، قالوا عنا شحادين، نشّالين يا بلدنا، قالوا عنا نشالين. نحنا مين يا بلدنا؟ نحنا شوية مساكين! مظلومين يا بلدنا إيه وحياتك مظلومين! عطشانين يا بلدنا والمي بخمسة وستين (65 قرشاً، ما يعادل ربع دولار في حينها)، جوعانين يا بلدنا وما عنّا رز ولا طحين، طفرانين يا بلدنا والبنوكة مليانين، محتارين يا بلدنا لمين منشكي محتارين؟".

وتُكمل الأُغنية: "أراضينا للبيع للأغراب يا بلدنا، جرايدنا للبيع للسفارات يا بلدنا، ضمايرنا للبيع للجواسيس يا بلدنا، على أونا على دوّي مين بدو يشتري مين نحن يا أهل المروّة زبون العوافي ناطرين! وزرا ونوّاب للبيع، مدرا وحجّاب للبيع شُعرا وكتّاب للبيع، باب وبوّاب للبيع".

ويسألُ المؤدّون في نهاية الأُغنية: "لَيش منسرق ما سألتونا، منسرق لأن سرقونا. ليش منبيع ما سألتونا، منبيع لأن باعونا! سرقونا الكبار باعونا الكبار ونحنا حرامية دراويش صغار"، في دلالة لأثر ما يفعلهُ الكبار على الصغار.

تمتازُ الأُغنية بالتّناقض بين الكلمات الموجعة واللحن الإيقاعي، فتقدّم صورةً ثوريّة للألم، بادئةً بكلمة تُستخدم بكثرة في لبنان "شحادين"، ولها دلالات كثيرة وقاسية، فلا يقتصر معناها على التسوّل فقط، بل توصّفُ واقعاً لدولةٍ تحاولُ الاقتراض وجمع التبرعات، تماماً كما سيحصل مع انتهاء الحرب، فيُقال "شحّادين"!