أرخى الميدان والمواجهات العسكرية التي تشهدها ساحات الجنوب بظلالهما على السياق السياسي. وقد أدخل ذلك كله عنصرًا مساعدًا للبنان، وضاغطًا على إسرائيل التي لم تتوقف وسائل إعلامها عن الحديث عن واقع أنّ حزب الله استعاد زمام المبادرة، خصوصًا بعد استهدافه وزارة الحرب الإسرائيلية، وتدمير مبنى في الجنوب كان جنود من الجيش الإسرائيلي موجودين فيه، وهذا ما أدّى إلى سقوط عدد من القتلى في صفوفهم.

وكردّ على الميدان، كثّفت إسرائيل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت، لليوم الثاني على التوالي. وقالت إسرائيل على سبيل التبرير إنّها استهدفت 30 موقعًا لحزب الله بهذه الغارات. يأتي التصعيد الإسرائيلي بالتزامن مع الإعلان عن الدخول في المرحلة الثانية من العملية العسكرية الإسرائيلية التي قابلها حزب الله بتزخيم الميدان وتوجيه ضربات موجعة إلى الإسرائيليين.

يؤكّد حزب الله أنّ الوضع في الميدان بات أفضل من ذي قبل، وأنّه تمكّن من استعادة المبادرة عسكريًا وسياسيًا. لم يتلقّ، بعدُ، أيّ صيغة تفاهم لوقف إطلاق النار على نحو مباشر، وما تبلّغه من المفوّضين من قبله، أي رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، هو أنّ ثمة مساعي جديدة مع إعلان الوسيط الأميركي آموس هوكستين استئناف مساعيه للاتفاق على تطبيق القرار الأممي 1701 بين حزب الله وإسرائيل.

حتّى الساعة، لم تدخل روسيا مباشرة على خطّ المفاوضات، ولا أعلنت نيّتها القيام بذلك

وحسب مصادر الثنائي الشيعي، فإنّ هوكستين، إن عاد، يفترض أن يحمل معه جوابًا عمّا أتُّفق بشأنه أخيرًا بشأن آلية تطبيق القرار الدولي 1701، ولا سيما الشقّ المتعلّق بالشرط الإسرائيلي الذي يرفضه لبنان ويعطي إسرائيل الحقّ بالعدوان إذا شعرت بالخطر على حدودها الشمالية وتنفيذ عمليات في جنوب لبنان.

وتعتبر المصادر أنّ المشكلة لا تزال في شروط إسرائيل وتعنّتها، وفي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يريد للحرب أن تستمر مستفيدًا من الزمن الفاصل عن تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، على سبيل التأكيد، أنّ نتيناهو يريد أن يقدّم اتفاق وقف النار هديةً إلى ترامب بعد تسلّمه ولايته الرئاسية.

وتتابع مصادر الثنائي قولها لـ"الصفا نيوز" إنّ التعويل على الميدان بات أساسيًا، خاصة أنّ الأيام المقبلة قد تحمل تطوّرات ميدانية على مستوى كبير من الأهمية قد تكون مفصلية في الحراك السياسي والديبلوماسي الذي يسير بوتيرة هادئة.

وعن حقيقة الدور الروسي في عملية التفاوض، قالت المصادر إنّ "إسرائيل تسعى إلى دور روسي ضامن لوقف نقل السلاح من سوريا إلى حزب الله، ونيل ضمانات لاتفاق وقف النار، وتراجع حزب الله إلى ما وراء شمال الليطاني". وهي مسائل يعتبر حزب الله أنّها وردت في سياق القرار 1701 الذي أعلن رئيس حكومة لبنان التزام تطبيقه، وهو شريك في هذا القرار ضمنًا لكونه مشاركًا في الحكومة.

حتّى الساعة، لم تدخل روسيا مباشرة على خطّ المفاوضات، ولا أعلنت نيّتها القيام بذلك، غير أنّ الزيارة السرية لوزير التخطيط الإستراتيجي، رون ديرمر، عزّزت الفرضية مع وجود معلومات تقول إنّ البحث تناول ملف تطبيق القرار 1701 الذي يفترض أن يبدأ الحديث بشأنه في ضوء نتائج الميدان، على ما يؤكد حزب الله الذي تقول مصادره إنّ الميدان دخل عنصرًا مباشرًا في المفاوضات التي ستتوضح معالمها فور تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهماته في البيت الأبيض. وإلى ذلك الحين، سيكون الوضع في مهبّ مسار تصاعدي عسكريًا قد تلجأ إسرائيل للرد عليه في مزيد من الاستهدافات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

يرى حزب الله أنّ مصيره بات متوقفًا على نتائج هذه الحرب، وهذا ما يعني استحالة التراجع أو الانعطاف باتجاه ما يصبو الجانب الإسرائيلي إلى تحقيقه، معتبرًا أنّ المفاوضات الجدية لم تبدأ بعد، والمؤكّد الوحيد بالنسبة إليه هو أن لا قرار جديدًا غير القرار 1701، وأيّ محاولات للالتفاف عليه تعني استمرار الحرب التي يستحيل وقفها من دون حسم لمصلحة المقاومة بعد جميع الخسائر التي مني بها الحزب وبيئته الحاضنة ولبنان.