خالد أبو شقرا

يتخوّف الموظفون في القطاع العام من تعليق الحكومة قرارها القاضي بإلغاء المادة (3) من المرسوم 14033، (إعطاء جميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين تعويضاً مؤقّتاً ومساعدة مالية). فتَحت وطأة الحرب والقتل والتهجير، تنازلت الحكومة قبل نحو شهر عن شرط إلزامية حضور الموظفين 16 يوماً في الشهر لنيل الحوافز المالية، التي تشكّل تقريباً ثلث المستحقّات. ومع محاولة لملمة الدولة نفسها في ظلّ حرب يبدو أنّها لن تنتهي سريعاً، عاد الحديث عن ضرورة السعي إلى انتظام العمل في الإدارات العامّة وفتح المدارس الرسمية مطلع الأسبوع المقبل. وبالتالي، الضغط مجدّداً على "اليد" التي تؤلم الموظفين لتأمين الحضور تحت طائلة عدم دفع الحوافز.

ووقت كان البعض يرى أنّ ضغط المسؤولين مالياً على الموظّفين لتأمين الحضور في ظلّ الحرب والتهجير، يدلّ على "عقلية لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية"، يرى البعض الآخر أنّ القرار يؤمّن الحدّ الأدنى من بقاء الدولة ويلغي الاستنسابية. فالظروف الصعبة تشمل الجميع، ولا يمكن إعفاء الموظفين الإداريين والأساتذة من مسؤولياتهم والالتحاق بالمراكز القريبة إليهم، فيما يطلب من القوى الأمنية والعسكرية الخدمة في طول البلاد وعرضها.

تأمين الخدمات وتحصيل الإيرادات

هذا من حيث الشكل، أمّا في المضمون، وهو الأهم في هذه الظروف، فإنّ إقفال الإدارات العامّة والمؤسسات والمصالح يعني تعطّل الدولة، وعجزها عن تقديم الملحّ من الخدمات وتحصيل الإيرادات. وهذا ما سينعكس بشكل سلبي جداً على الموظفين أولاً، والمواطنين ثانياً، والاقتصاد عموماً. إذ إنّ تراجع الإيرادات، وإن لم يهدّد سريعاً بعدم القدرة على تسديد الرواتب، يعني اضطرار الدولة إلى العودة إلى إجراءات التمويل السابقة من مصرف لبنان. واستتباعاً، وضع المزيد من الضغوط على سعر الصرف، والتهديد بتهاوي القيمة الشرائية للرواتب والأجور. وهو ما سيدفع ثمنه كلّ القاطنين في هذا البلد. خصوصاً أنّ ثمة تقديرات لـ"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، تشير إلى إمكان تراجع الإيرادات العامة بنسبة 9 في المئة من الناتج الإجمالي، أي خسارة ملياري دولار، إذا افترضنا أنّ الناتج 20 ملياراً. هذا فضلاً عن أنّ تعليق العام الدراسي يعني توقّف المساعدات من الجهات الدولية التي كانت تغطي رواتب الأساتذة من خارج الموازنة، والإيرادات العامة. وهذا ما يهدّد إمّا بالعجز عن تسديد هذه الرواتب أو تحميل الإيرادات العامة المزيد من الأعباء التي كانت في غنى عنها. هذه الأسباب مجتمعة تدفع، بحسب مصادر رسمية، إلى البحث جدياً بجميع الطرائق التي تسمح للدولة بتأمين الحد الأدنى من الانتظام العام في عمل المؤسسات، من دون أن تلقي أعباء مالية ومعنوية إضافية على الموظّفين.

هل تتحوّل الزيادات المقطوعة على الرواتب إلى "شبه سلسلة"

يتقاضى موظفو الدولة بمختلف مسمّياتهم وإداراتهم، 9 رواتب وحوافز مالية تراوح بين 15 و25 مليون ليرة، وما بين 8 و16 صفيحة بنزيناً، بحسب الفئات. وقد أضيف إليها مطلع الشهر الماضي راتبان، وراتب واحد مطلع تشرين الجاري، وسيُعطى راتب مطلع كانون الأول. كما أعطي الموظفون مبلغاً مالياً مقطوعاً بقيمة 10 ملايين ليرة يُصرف لمرّتين فقط، مرة في أيلول ومرة ثانية في كانون الأول المقبل. وعليه، فإنّ حصيلة الزيادة هي 4 رواتب، تضاف إلى الرواتب التسعة المعطاة، ويستمرّ الموظفون في تقاضيها حتى نهاية العام 2026 .

بشكل أو بآخر، استغلّت الدولة ظروف الحرب لتنفذ القرار، الذي لطالما رفضه الموظفون، والقاضي بإعطاء المزيد من الرواتب بدلاً من إقرار سلسلة جديدة للرتب والرواتب. والسكوت ليس علامة الرضى، بحسب ما يؤكد عضو الهيئة الادارية في رابطة موظفي الإدارة العامة إبراهيم نحال. فـ"الهم، اليوم، هو التصدّي للحرب والمحافظة على الوحدة الوطنية ولملة الجراح. ولكلّ حادث حديث من بعد انتهاء الحرب". وإذا كان من المستبعد أن تتوقف الدولة عن سداد المستحقات، فالأكيد أنّها "ستفرمل الزيادات"، برأي نحال. "ومن المرجّح أن تعمد الحكومة إلى دمج الإضافات المعطاة، أي الرواتب الـ 13، بأساس الراتب، واعتبارها سلسلة رتب ورواتب جديدة. و"هو الطرح الذي نرفضه جملة وتفصيلاً"، يقول نحال. "لأنّ كلّ ما يحصل عليه الموظف، اليوم، من زيادات، وحوافز، وبدل نقل، لا توازي أكثر من 25 في المئة من القيمة الشرائية للراتب قبل الانهيار". والمطلوب في نظره "ليس معالجة أساس الراتب فحسب، بل أيضاً تعديل المنح الاجتماعية التي لا تزال كما كانت عليه قبل الانهيار، وتحتسب على أساس سعر الصرف البائد 1500 ليرة". إذ ما برح الزوج يتقاضى عن زوجته 66 ألف ليرة، كانت تعادل 42 دولاراً وأصبحت قيمتها أقلّ من دولار، وعن الولد الواحد 33 ألفاً، أي أقلّ من نصف دولار. كذلك الأمر بالنسبة إلى منح الزواج والوفاة وغيرها من التقديمات المجمدة والتي بحاجة إلى تعديل جوهري".

30 في المئة من الموظفين نزحوا

بالاستناد إلى التهجير الكثيف من المناطق الجنوبية والبقاعية، ومن الضاحية الجنوبية لبيروت، يقدّر نحال نسبة نزوح الموظفين بنحو 30 في المئة. ويتحمّل الموظفون النازحون، بالإضافة إلى مشقة النزوح، تكاليف المعيشة نتيجة خسارة ممتلكاتهم وأرزاقهم وجنى عمرهم. وبعضهم اضطر إلى النزول في مراكز الإيواء الجماعية، وأصبح بعيداً جداً عن مركز عمله. وعليه، "من المفترض التمييز في المعاملة بين من يستطيع الحضور إلى مركز عمله نتيجة عدم التهجير، وبين العاجز نتيجة الظروف الصعبة. وبحسب نحّال فإن الموظفين لا يزالون عند كلمتهم التي أطلقوها منذ بداية الحرب، ومختصرها أنّهم مستعدون للانخراط في هذه المعركة الكبيرة من خلال الخدمات اللوجتسية أو توزيع المساعدات أو الاهتمام بالنازحين. وهناك كثيرون موجودون في لجان تنظيمية وفي ورش عمل رسمية أو أهلية ومجتمعية".

عدا انهيار قيمة الرواتب وهموم النزوح، فإنّ أكثر ما يخشاه الموظفون أن تشكّل الحرب فرصة للحكومة تتيح لها دسّ سلسلة الرتب والرواتب في "دسم" ما أضيف من رواتب، والقول: هذا هو الموجود، وبهِ نجود!