في تكرار لسيناريو مستشفى الشفاء في غزة، بدأت إسرائيل منذ الثالث من تشرين الأول، شنّ غارات وحشية على أكثر من 13 مستشفى حكومياً وخاصاً، فأصابتها وأخرجتها كلّياً أو جزئياً عن العمل، ومنها 4 مستشفيات في الجنوب في يوم واحد، وهي مستشفى ميس الجبل الحكومي، ومستشفى بنت جبيل الحكومي، ومستشفى مرجعيون الحكومي ومستشفى صلاح غندور. ثم كرّت السبحة وصولًا إلى مستشفياتٍ أخرى أعلنت تباعاً خروجها كلياً أو جزئياً عن الخدمة. وآخر أهداف العدو الإسرائيلي كان مستشفى الساحل في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث زعم الاحتلال وجود مخازن أسلحة تابعة لحزب الله في داخله، وهذا ما أثار جدلاً كبيراً وخوفاً لدى القسم الطبي الذي اضطر إلى إخلاء المستشفى تحسّباً لضربة إسرائيلية.
وعلى الفور، خرج النائب في البرلمان اللبناني الدكتور فادي علامة بتصريح يرد فيه على المزاعم الإسرائيلية بشأن مستشفى الساحل، مؤكّداً أنّها "عارية من الصحّة لكننا اضطررنا إلى الإخلاء".
ولفت علامة الى أنّ "مستشفى الساحل لا علاقة له بالأحزاب"، داعياً قيادة الجيش "إلى الكشف والتثبّت من عدم وجود أيّ أنفاق في مبنى المستشفى".
لاحقًا، دعا علامة الصحافيين إلى جولة كي يتثبّوا بأنفسهم من عدم صحة المزاعم الإسرائيلية. وخلال الجولة غرّد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة x برسالة إلى الصحافيين قال فيها إنّ "المدخل يقع في المبنى الشرقي بين المبنيين الواقعين شمال المستشفى"، مشيرًا إلى أنّ "مدخل المخبأ الذي يحتوي على نصف مليار دولار من الأموال والذهب يقع في هذا المبنى في الجهة الشرقية من الطابق السفلي". وهذا ما يؤكّد حجم العناد الإسرائيلي ومحاولاته البائسة لتسليط الضوء على ما يعتبره أنشطة لحزب الله، بينما ينفي الحزب بشكل قاطع هذه الادعاءات.
في موازاة ذلك، شكّكت الإدارة الأميركية على لسان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في المزاعم الاسرائيلية، إذ قال أوستن "لم نر أدلّة حتى الآن على وجود مخبأ لحزب الله تحت مستشفى الساحل".
فما الأهداف الحقيقية وراء استهداف إسرائيل مستشفيات لبنان؟ وهل أجادت إدارة المستشفى التعامل مع الأزمة؟
رسائل سياسية وأهداف عسكرية
يجيب عن هذه الأسئلة الدكتور أيمن المصري، وهو أستاذ جامعي وباحث إعلامي، لـ "الصفا نيوز" عازيًا أسباب استهداف إسرائيل المستشفيات في لبنان إلى "سعي العدو من خلال قصفه الوحشي إلى تدمير ليس البنية العسكرية لحزب الله فحسب، بل أيضاً بنيته المؤسساتية. فبذلك يضرب العدو عناصر قوة البيئة التابعة لحزب الله، فتفقد مقومات صمودها، لتنقلب شيئاً فشيئاً على مشروع المقاومة، وتالياً يفقد الحزب أحد أهم عناصر قوته، وهي بيئته الحاضنة". مذكراً "أنّ المستشفيات التي توقفت عن العمل، تقع جميعها في مناطق بيئة الثنائي الشيعي".
أمّا السبب الثاني لاستهداف المستشفيات، كما جرى في اليومين الأخيرين لمستشفى رفيق الحريري الحكومي ومستشفى الساحل، فرأى المصري أنّه "توجيه رسائل سياسيّة إلى رئيس مجلس النوب نبيه بري، المفاوض عن لبنان، والمفوّض من حزب الله. فالقصف الذي استهدف محيط المستشفى الحكومي وهو منطقة تخضع لنفوذ حركة أمل، ومستشفى الساحل الذي يُستهدف معنوياً، هو أيضاً محسوب على الحركة. وبالتالي، يضع المحللون هاتين الخطوتين في إطار الضغط على الرئيس بري لإخضاعه للشروط الإسرائيليّة".
واعتبر أنّ "الوضع في لبنان مختلف عن الوضع في غزة. فالعدوّ الإسرائيلي يضرب في غزة جميع مقومات الحياة لمختلف أبناء القطاع، لا يفرّق بين منطقة وأخرى، لأهداف ترمي ربما إلى تهجير أبناء القطاع إلى سيناء، أو إلى أية صيغة أخرى يسعى إليها العدوّ. أما في لبنان، فهو لم يصل إلى هذا المستوى بعد، إذ يعلن أنّ حربه هي على حزب الله وبنيته المؤسساتية وبيئته، وليس على لبنان ومرافقه الصحية والخدماتيّة. هذا ما يعلنه إلى الآن. وبالتالي، نجد أنّ جميع الاستهدافات تندرج تحت ذلك العنوان".
كيف تعاملت إدارة المستشفى مع الأزمة؟
أضاف المصري أنّ "المزاعم الإسرائيليّة بوجود مخزن للمال تابع لحزب الله أسفل مستشفى الساحل، لا يستحق هذه الضجة الإعلاميّة التي أثارها المتحدث باسم جيش العدوّ. فامتلاك الحزب أموالًا ليس تهمة يحاسب عليها القانون، وليس انتهاكاً للقانون، ولا يشكّل خطراً على الأرواح كما تفعل مخازن السلاح، إذ يعمل لمصلحته آلاف الموظفين في المؤسسات الاجتماعية والصحية والتربوية،"، مبيّنًا أن "جميع الأحزاب الكبرى في لبنان لديها نفقات وموازنات بملايين الدولارات شهرياً حتى لو خبأتها في مؤسسة تربوية أو صحيّة. أين المشكلة في هذا؟". وقال "في لبنان بتنا رهينة توجيه المتحدث باسم جيش العدوّ أفيخاي أدرعي وتحريضه. لأنه يستثير الرأي العام بتغريدة يكتبها في حسابه".
أمّا عن تفاعل إدارة مستشفى الساحل مع هذه الأزمة التي شغلت الرأي العام، فعلّق المصري "لم يكتفِ المستشفى بإصدار بيان نفي المزاعم الإسرائيليّة، وهذا ما هو متعارف عليه عند اتهام مؤسسة بشبهة ما، لكن إدارة المستشفى نظمت حملة إعلاميّة منذ إطلاق المزاعم، وتواصلت مع الفضائيات اللبنانية، لتنفيها وتجيب عن جميع أسئلة الصحافيين، وتدعو الأجهزة العسكرية والأمنيّة اللبنانيّة إلى تحمّل مسؤولياتها والقيام بالكشف على المستشفى للتحقق من خلوّه مما يزعم العدوّ الإسرائيلي. فبدت إدارة المستشفى عبر هذا النداء، كأنّها أكثر حرصًا من اللبنانيين على الاطمئنان على سلامة وضع المستشفى".
وتابع المصري "لمزيد من الشفافية، دعت إدارة المستشفى جميع وسائل الإعلام، المحلية والدولية، إلى جولة مباشرة على الهواء، في أقسام المستشفى وطبقاته،للتثبّت من كذب المزاعم الإسرائيليّة"، معتبراً أنّ "إدارة المستشفى، من خلال هذه الخطوات، أحسنت التعاطي مع الأزمة، فهي أخرجت نفسها من دائرة الاتهام، وأظهرت كثيراً من الشفافية حين دعت جميع وسائل الإعلام إلى الجولة الميدانيّة، وحمّلت الجيش اللبناني مسؤولية الكشف الهندسي المتخصص".