تحوّلت الخشية على الأمن الغذائي إلى الشغل الشاغل للبنانيين، منذ ما بعد الثالث والعشرين من أيلول الماضي. وقد عزّز هذه المخاوف استهدافُ العدو معبر المصنع الحدودي في 4 تشرين الأول، وفرضه حظراً بحرياً من الأولي شمال صيدا حتّى الناقورة جنوباً وبمسافة 60 كيلومتراً، ومنعه أيّ محاولة لإعادة وصل ما انقطع من طرق بين الأقضية والمحافظات، ولا سيّما جنوباً. فهل تطبق "كماشة" الحصار، تدريجياً، على عنق الاقتصاد اللبناني؟
يعتمد لبنان في الاستيراد والتصدير على مجموعة من المعابر البرية والبحرية والجوية. وتوزّعت النسب، بحسب تقرير منشور على موقع "بلوم للأعمال" استناداً إلى أرقام الجمارك اللبنانية، على الشكل التالي:
- معبر العبودية في عكار، شمال لبنان: مرّ عبره 0.81 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 24.5 مليون دولار. و0.21 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 37 مليون دولار.
- معبر العريضة في عكار، شمال لبنان: مرّ عبره 0.53 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 15.8 مليون دولار. و0.20 في المئة من الواردات بقيمة 35.3 مليون دولار.
- معبر المصنع في البقاع: مرّ عبره 5.8 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 175.8 مليون دولار. و 1.9 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 344 مليون دولار.
- مرفأ بيروت: مرّ عبره 49.1 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 1.5 مليار دولار. و62.6 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 11 مليار دولار تقريباً.
- مطار رفيق الحريري الدولي: مرّ عبره 33.9 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة مليار دولار. و24.3 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 4.2 مليار دولار.
مرفأ صيدا البحري: مرّ عبره 2.6 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 79 مليون دولار. و1.6 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 283 مليون دولار.
- مرفأ طرابلس البحري: مرّ عبره 7.1 في المئة من إجمالي الصادرات بقيمة 213 مليون دلار. و9 في المئة من الواردات بقيمة 1.5 مليار دولار.
- مرفأ صور: لم يسجّل أيّ تصدير عبره في العام 2023. في حين مرّ عبره 0.01 في المئة من إجمالي الواردات بقيمة 1.7 مليون دولار.
لا حصار
يتضح ممّا تقدّم أن الممرّات الرئيسة الثلاث: ميناء بيروت، ومطار رفيق الحرير الدولي، ومرفأ طرابلس، تستحوذ على 90 في المئة من إجمالي الصادرات، و96 في المئة من إجمالي الواردات. في حين لا تتجاوز حصة بقية المعابر، وأحدها معبر المصنع المقطوع بفعل القصف الإسرائيلي، الـ10 في المئة من إجمالي الصادرات و4 في المئة من إجمالي الواردات. وعليه، فإنّ وزن معبر المصنع في التجارة، مِن لبنان وإليه، خفيف جداً. فهذا المعبر يُستعمل بشكل أساسي لتصدير الخضراوات والفاكهة. وتمثل هذه التجارة حوالى 7 في المئة من إجمالي الصادرات اللبنانية، وقد شهدت من بعد العام 2021 تراجعاً كمياً ونوعياً نتيجة عاملين أساسيين:
الأول: توقّف دول خليجية عن استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية، ومنع مرور الشاحنات بأراضيها إلى غير وجهات، بذريعة عجز لبنان عن ضبط تهريب الممنوعات بالشحنات.
الثاني، ارتفاع كلفة المرور عبر سوريا بشكل هائل. إذ وصلت كلفة عبور شاحنة محمّلة من المصنع إلى الحدود العراقية إلى حوالى 5 آلاف دولار. فيما لم تكن التكلفة تتجاوز 50 دولاراً قبل العام 2019.
أمّا في ما يتعلّق بمرفأ صور في المنطقة المحاصرة بحرياً، فدوره هامشي جداً. إذ كان يُعتمد عليه بشكل أساسي في سنوات ما قبل الانهيار لاستيراد السيارات المستعملة، و"المكسورة"، أي غير الصالحة للاستعمال. وهي التجارة التي شهدت تباطؤاً كبيراً من بعد العام 2019، نتيجة انهيار المداخيل وتراجع القدرة الشىرائية للبنانيين. وعليه، فإنّ إقفال معبر المصنع ومرفأ صور لا يشكّل أيّ تهديد للأمن الغذائي اللبناني.
الأضىرار وعودة التهريب
على الرّغم من الحجم الضئيل للاستيراد والتصدير عبر معبر المصنع، وعدم تأثيره على الوضع الاقتصادي بشكل عام، فإنّ لانقطاعه انعكاسات واسعة على معيشة آلاف المزارعين والعاملين في القطاعات الرديفة، ولا سيما منهم البقاعيين. "فهذا المعبر يمثّل شريان التجارة البرية الأهمّ بين لبنان والدول العربية، والأكثر انضباطاً ومراقبة من قبل الأجهزة الأمنية والزراعية"، بحسب رئيس "تجمّع مزارعي وفلّاحي البقاع" ابراهيم الترشيشي، "وانقطاعه سيزيد أعباء المزارعين والمصدّرين الزراعيين بشكل كبير جداً. خصوصاً انّه كان يمرّ عبره يومياً حوالى 300 طن من المنتجات الزراعية، إلى سوريا والعراق والأردن". وسيضطرّ المصدّرون الزراعيون اللبنانيون إلى سلوك المعابر الشمالية، ومنها معبر العبودية، الذي يربط محافظة عكار بمحافظة حمص السورية من جهة الدبوسية. ويستغرق وصول البضائع إلى الشام عبر هذه الطريق 48 ساعة، فيما لا يتجاوز الوقت عبر المصنع أكثر من ساعة. وسيؤدي الالتفاف هذا إلى ارتفاع تكلفة النقل بين 10 و20 في المئة. الأمر الذي ينعكس ارتفاعاً بأسعار المنتجات، ويقلّل من قدرتها التنافسية في الأسواق العربية. هذا عدا ضعف الرقابة على هذا المعبر مقارنةً بالرقابة على المصنع، وهذا ما يرتد سلباً على القطاع الزراعي في حالتي التصدير والاستيراد. فمن جهة، قد يستفيد المهرّبون من ضعف الرقابة على بقية المعابر البرية فيعودون إلى تهريب الممنوعات، ويؤدي ذلك إلى حرمان المزارعين مزيداً من الأسواق. في حين أن فتحُ هذه المعبر قد يدفع في الجهة الأخرى إلى إغراق الأسواق اللبنانية بالمنتجات الزراعية المهربة، وهذا ما ينعكس تراجعاً بالاسعار داخلياً واضطرار المزارعين إلى البيع بأسعار أدنى من الكلفة، وبالتالي، خسارتهم مادياً، وهجرهم للأراضي، وإلحاق الأذى بالاقتصاد اللبناني. وليس مؤكداً بحسب الترشيشي "بقاء الطرق من البقاع إلى الشمال آمنة في الأيام المقبلة ووجود سائقين مستعدين للمخاطرة من أجل نقل البضائع عبر هذه الطريق".
السلع الزراعية متوفرة
بالإضافة إلى تضرّر المزارعين من انقطاع معبر المصنع، فهم يعانون من "عدم توفّر اليد العاملة وارتفاع أجرها مرّتين وثلاث مرات"، بحسب الترشيشي. إلّا أنّه وسط هذا الجو الملبّد بالمشكلات، يطمئن الترشيشي إلى "توفّر السلع الزراعية بكميات كبيرة نتيجة ضعف التصدير وتراجع الاستهلاك محلياً، ومغادرة مئات آلاف اللبنانيين منذ بدء الحرب على لبنان".
صحيح أنّ النتائج العامة لانقطاع معبر المصنع صغيرة، إلّا أنّ ما سيتحمّله الأفراد سيكون كبيراً ومرهقاً. وإذا ما أضفنا الأزمة الراهنة على ما يتحمّلونه منذ 5 سنوات لوجدنا أنّ الهم "يركّع" جبالاً. فإلى متى ستستمر المعاناة؟