منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، يواجه الكثير من المواطنين تحدّيات هائلة، ليس على صعيد الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل أيضاً على مستوى الأمان الوظيفي والاستقرار المهني. مع تدمير العديد من المنازل والنزوح إلى مراكز الإيواء كالمدارس الرسمية أو السكن مع الأقارب، أصبحت الشركات الخاصّة إزاء تحدٍ كبير في كيفية التعامل مع الموظفين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم. 


تأثير النزوح على الموظفين 

تعرّض العديد من الموظفين في لبنان للضغوط النفسية والمادية بسبب النزوح القسري، بعدما دُمّرت منازلهم جزئياً أو كلياً، بينما نزح آخرون إلى أماكن إيواء مؤقتة. هذا الوضع يشكّل عبئاً إضافياً على الموظفين الذين يواجهون صعوبات في العودة إلى حياتهم الطبيعية، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى المهني. فالنزوح يجعل من الصعب على هؤلاء الموظفين الالتزام بروتين العمل المعتاد أو حتى الوجود في مكان العمل. 

صورة تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي



القانون اللبناني وحقوق الموظفين في حالات الأزمات 

يعتبر قانون العمل اللبناني من القوانين التي تشمل حقوقاً مهمة للموظفين، لكنّه لم يُصمّم خصيصاً للتعامل مع حالات الطوارئ الكبرى مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية. إلّا أنّ هناك بعض المواد التي قد تساعد في حماية حقوق الموظفين في هذه الحالات. ومن تلك المواد: 

1.العطل الطارئة: يُسمح للموظفين بالحصول على إجازات طارئة أو استثنائية في حال حدوث أزمات تؤثّر على حياتهم الشخصية أو قدرتهم على التوجه إلى العمل. ويمكن الشركات التفاوض مع الموظفين لمنحهم إجازات مدفوعة أو غير مدفوعة بحسب الحالة. 

2. التعويضات: القانون يضمن حقوق الموظفين في الحصول على تعويضات عن الفصل غير المشروع. وفي حالات الطوارئ، يُعتبر الفصل بسبب غياب قسري نتيجة النزوح غير قانوني إذا لم يكن هناك أسباب تُبرّر هذا الإجراء. وحتى الآن لم يُعلن عن أيّ حالة فصل لموظفين بسبب الأوضاع الأمنية، أو نتيجة اضطرارهم إلى النزوح. 

3. التعاطف مع الظروف الإنسانية: يشجّع القانون اللبناني الشركات على مراعاة الظروف الإنسانية التي قد تؤثّر سلباً على أداء الموظفين. يجب على الشركات أن تأخذ في الاعتبار ظروف النزوح القسري والضغوط النفسية الناجمة عنه قبل اتّخاذ أيّ إجراءات قانونية تجاه الموظفين.  


أمثلة على كيفية تعامل الشركات في هذه الظروف 


إلى ذلك، رصد "الصفا نيوز" عدداً من المساعدات التي قامت بها بعض الشركات الخاصة في لبنان لدعم موظفيها. ومن هذه المساعدات: 

1. توفير الدعم المالي والمعنوي: بعض الشركات في لبنان تقدّم دعماً مالياً مباشراً لموظفيها المتضرّرين من الحرب، مثل منح مساعدات مالية لتغطية تكاليف السكن المؤقت أو الإقامة في الفنادق. بالإضافة إلى ذلك، يُقدّم الدعم النفسي والمعنوي للموظفين من خلال ورش العمل والاستشارات النفسية. وخصص عدد من الشركات جلسات دعم نفسي لقسم من الموظفين بغية مساعدتهم على تخطّي الضغوط النفسية التي يعيشونها نتيجة الحرب. وتعهدت مؤسسات أخرى تأمين سكن آمن لموظفيها، وغطّت نصف بدل الإيجار أو البدل كاملاً. كذلك عمدت بضع مؤسسات إلى إعطاء زيادات على الرواتب، تراوحت بين الـ150$ والـ300$ لمساعدة الموظفين على تدبير أمورهم في هذه الأزمة.  

2. تسهيلات في العمل: نظراً لعدم قدرة بعض الموظفين على الحضور إلى مقار العمل بسبب الأوضاع الأمنية أو النزوح، وخصوصاً في شركات العاصمة بيروت، التي تعتبر منطقة مستهدفة أمنياً، قدمت بعض الشركات تسهيلات تشمل العمل عن بُعد، وسمحت لموظفيها بالعمل من المنزل ريثما تهدأ الأوضاع. يساعد هذا النظام الموظفين على الاستمرار في أداء وظائفهم من دون الحاجة إلى الوجود الفعلي في مكان العمل. إلاّ أنّه يواجه تحديات تقنية وعملية، خصوصاً إذا كانت الشركة غير مجهّزة لاعتماد نظام العمل عن بعد. على مقلب آخر، كشف لنا أحد الموظفين العاملين في شركة هندسة في منطقة الحمرا "أنّ صاحب الشركة أبلغ الموظفين بأنّه سيحسم نصف يوم عمل لكلّ موظّف يقرّر العمل من المنزل". هذا دليل على بعض الممارسات غير الأخلاقية التي تعتمدها بعض الشركات الخاصة مع موظفيها. 

3. الإجازات المدفوعة وغير المدفوعة: بعض الشركات تبنّت سياسة الإجازات الاستثنائية للموظفين المتضررين من النزوح، فقدّمت إجازات مدفوعة الأجر لفترات محدودة، تليها إجازات غير مدفوعة حسب الحاجة والظروف. ووصلت إلى "الصفا نيوز" معلومات عن قيام عدد من الشركات بإعطاء النازحين الذين خسروا منازلهم إجتزة مدتها أسبوع لمساعدتهم على الانتقال إلى أماكن أكثر أماناً وتدبير أمورهم، ونقل أغراضهم، والبحث عن شقق للإيجار. 

4. المرونة في ساعات العمل: قام عدد من الشركات بتعديل ساعات العمل أو توزيع العمل بين أعضاء الفريق بحيث يتناسب مع وضع الموظفين النازحين، ممّا سمح لهم بالاستمرار في أداء واجباتهم من دون ضغوط إضافية. 

في هذا الإطار، شرحت خبيرة الموارد البشرية باتريسيا الأشقر: "لا توجد قوانين تلزم المؤسسات الخاصة بتأمين مسكن أو مساعدات مادية لموظفيها، وبالتالي يختلف تعامل المؤسسات مع موظفيها في الأزمات بين شركة وأخرى، وحسب السياسات التي تتبناها المؤسسة وطبيعة الوظيفة التي يشغلها الموظف. فهناك شركات ترى أنّ الحفاظ على استمرارية العمل يتطلّب المحافظة على الموظف، ولذلك، تسعى لمساعدته على الانتقال إلى أماكن آمنة تتوفّر فيها الكهرباء والإنترنت وكلّ متطلبات استمرارية العمل".  

في المقابل، تقول الأشقر لـ"الصفا نيوز" إن هناك شركات لا يفكّر أصحابها بهذه الطريقة، ربما بسبب العوائق المالية التي تواجه الشركة، من ناحية الموازنة وعدم توفّر خطط طوارئ للعمل في الأزمات، أو لكون هذه الشركات تعدّ نفسها غير  مسؤولة عن تقديم هذه الخدمات لموظفيها. لذلك، هنالك العديد من الشركات لا تدعم الموظفين مالياً أو نفسياً أو معنوياً أو حتى تراعي ظروفهم المعيشية في الأزمات". 

ومع ذلك، أضافت الأشقر "أعتقد أنّ ربع الشركات الخاصة في لبنان، قدّم مساعدات للموظفين بغية تخطّي الأزمة الحالية، إمّا عبر مساعدتهم في التنقل أو أخذ إجازات مدفوعة والاستراحة قليلاً من دون أن يؤثّر ذلك على إجازاتهم السنوية، أو عبر تقديم دعم مادي أو لوجستي إذا أراد الموظف الانتقال، لتيسير أموره. كما هناك شركات ساعدت موظفيها على تأمين مسكن آمن وتغطية التكاليف. وثمة شركات نقلت مقارّها إلى أماكن آمنة نسبياً خارج بيروت، كجبيل وكسروان، لعدم تعريض حياة موظفيها للخطر". 


التوصيات للشركات اللبنانية 

في ظلّ الظروف الحالية، يُنصح باتخاذ إجراءات مرنة ومراعية لحقوق الموظفين، ومنها: 

1. إعطاء الأمان النفسي والجسدي الأولوية: يجب أن تضع الشركات صحّة الموظفين وسلامتهم النفسية والجسدية على رأس أولوياتها. 

2. إجراء مفاوضات شفافة مع الموظفين: التواصل المفتوح مع الموظفين بشأن التغييرات المحتملة في نظام العمل أو الرواتب بسبب الأزمة، قد يساعد في تخفيف الضغوط وزيادة الولاء للشركة. 

3. التعاون مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الإنسانية: يمكن الشركات الاستفادة من التعاون مع مؤسسات حكومية أو منظمات غير حكومية لدعم الموظفين النازحين، من خلال تأمين مراكز إيواء أو تقديم مساعدات مادية. 

يتطلب الوضع الحالي في لبنان من الشركات الخاصّة التكيّف مع الواقع الجديد وتقديم الدعم اللازم للموظفين المتضررين من النزوح بسبب القصف الإسرائيلي. إنّ تبنّي سياسات مرنة وإنسانية يساعد في الحفاظ على العلاقة بين الشركات وموظفيها، ويدعم استمرارية الأعمال في ظلّ هذه الظروف الصعبة.