خارج الميدان، والحرب المشتعلة على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، لا وجود لأيّ مسعى يعوّل عليه. الطرف الذي يفترض أنّ وجوده أساسي في الحلّ والربط، انصرف إلى مواجهة إسرائيل وصدّ هجماتها على الحدود، وأقفل باب البحث بأيّ ملف خارج إطار وقف النار. قالها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وأكد أنّ الكلمة للميدان وأهله. قبل كلامه كما بعده، ما من مبادرات علنية برغم ما يستجديه لبنان من تدخّل دول عربية وغربية، لكن من دون جدوى.


مجدداً، حاولت فرنسا إحياء مبادرتها المتصلة بهدنة الأيام. طلبت عقد جلسة لمجلس الأمن لهذا الغرض. لكنّها لم تعد فاعلة ولم يبقَ لمبادرتها أثر يذكر. تبشير رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإعادة الحياة الى الوساطات لم يؤخذ على محمل الجد، ولو أنّه أعقب لقاءه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

تقلّل مصادر وزارية من أهمّية ما يجري تداوله بين وقت وآخر حول الوساطات الخارجية، وتؤكد لـ"الصفا نيوز" أنّ أيّ مسعى جدّي لم يتحرّك بعد من قبل الدول المؤثّرة على إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أمّا الدول العربية فلا حول لها ولا قوة برغم عبارات الدعم الخجولة. ومثل هذا الواقع يؤكّد أنّ كلا الطرفين، إسرائيل وحزب الله، بات يسلّم بأن الكلمة الفصل هي للميدان. حزب الله يرى أن استمرار الحرب واجب ضروري لأنّها مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه. في المقابل يشكّل القضاء على حزب الله هدف رئيس وزراء إسرائيل، وإن كان تحقيقه مستحيلاً.

يتلمس لبنان وجود تواطؤ دولي مع نتنياهو. هي المرّة الأولى التي لا يتحدّث فيها المجتمع الدولي ولا يعلن موقفاً حيال ما يتعرّض له لبنان من تدمير ممنهج من قبل إسرائيل. وأبعد من ذلك، تعبّر جهات ديبلوماسية عن أنّ بلادها، كما دول أخرى، تعتبر أنّ هدف إسرائيل هو القضاء على حزب الله، وأنّ هذا الهدف مشروع، مسلّمةً بأنّه سيستلزم المزيد من الوقت لتحقيقه. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم عدم تلقّف مبادرة الاجتماع الثلاثي الذي عقد في عين التينة، والبيان الداعي إلى استعداد لبنان للبحث في وقف النار وتطبيق القرار 1701.

أمّا المبادرة الفرنسية لوقف النار فلم تُصرف في حسابات نتنياهو، وإن كانت فرنسا بصدد معاودة المحاولة وتحيّنِ الفرصة لذلك. وتقول معلومات موثوق بها إنّ ألمانيا سعت إلى تجميد أيّ مسعى فرنسي في الوقت الراهن لعدم وجود استعداد دولي لتلقّفه. فرنسا في الأساس فقدت تأثيرها على إسرائيل بدليل السجال العنيف الذي جرى أخيراً بين رئيسها ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي.


وأكثر من ذلك، فالأمر لا يتوقّف على تراجع المبادرات فحسب، بل إنّ هناك اتجاهاً دولياً لإحكام الحصار على لبنان براً وبحراً وجواً، بدليل التهديدات المتكرّرة والتضييق الغربي على مطار بيروت الدولي، وسعي الحكومة إلى إثبات سيطرتها عليه كي لا يكون هدفاً لاعتداءات إسرائيل بعدما تنجز الدول الغربية إجلاء رعاياها.

ليس في وارد التراجع عن الميدان لأنّ المسألة باتت مسألة وجود

وفي حين تتحدّث مصادر موثوق بها عن دور لقطر في مسعى قريب بهدف وقف النار وتأمين انتخاب رئيس للجمهورية، فإنّ أيّ خطوة من هذا النوع ستكون موضع شكوك، خصوصاً بعد إعلان وزير خارجية إيران عباس عراقجي أنّ بلاده تعارض أيّ بحث لوقف النار أحادي الجانب، قبل أن توقف إسرائيل حربها على غزة.

العين على الميدان، وأيّ حديث خارجه لن يؤتي أكله، ما لم يتمّ الضغط على نتنياهو لوقف الحرب، أو أن يقول الميدان كلمتهة فيضطر عندئذ إلى التراجع تحت ضربات حزب الله، وهذا ما يتوقّعه الحزب الذي تطمئن مصادره إلى وضع المواجهات في الميدان، وتقول إذا كانت إسرائيل قد تفوّقت في غاراتها على ضاحية بيروت لكنّها عجزت حتّى الآن عن إحداث خرق على الحدود.

على أنّ شريط "الهدهد" الجديد الذي وزّعه حزب الله للمستعمرات التي صوّرها في الداخل الإسرائيلي خير صورة عن واقع الحال، وتطوّر الميدان واستعداد حزب الله للانتقال إلى مرحلة جديدة من حربه في مواجهة إسرائيل، لإيمانه أنّ أيّ مفاوضات لن تنجح ما لم يعد الميدان التوازن إلى البحث السياسي. تهديده بأن لا مفاوضات إلّا بعد وقف الحرب يندرج هو أيضاً تحت بند تحسين شروط التفاوض ورفع السقف، لكن ليس قبل أن تتضح معالم الحرب في الميدان.

هي لعبة شروط وشروط مضادة بين حزب الله وإسرائيل. فالأول ليس في وارد التراجع عن الميدان لأنّ المسألة باتت مسألة وجود، والثاني لا يقبل بوقف اعتداءاته ما لم يحقّق هدفه المدعوم أميركياً، وهو القضاء على حزب الله. وهذا يعني أنّها حرب طويلة، يتوقّف مصيرها على عوامل عدّة، ليس أقلّها ردّ إسرائيل على ضربات إيران وما يمكن أن يجرّ بعده من حروب.