لم تنجُ مناطق البقاع الأوسط والشمالي والغربي من نيران العدوان الإسرائيلي على لبنان، إذ تلقّت حصّتها من الدمار والتهجير والقتل، مع ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، وهذا ما تسبب في دمار واسع النطاق وتضرر البنية التحتية ونزوح عدد كبير من الأهالي. وقد سجّلت منطقة البقاع الأوسط وبعلبك، في حصيلة أولية غير نهائية، (نتيجة استمرار العدوان) سقوط 282 شهيداً، و777 جريحاً فيما وصل عدد الغارات إلى أكثر من 704، آخرها على أحد أحياء مدينة بعلبك وبلدتي طاريا وبريتال. وشوهدت، أمس، أعمدة الدخان تتصاعد عقب غارة على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.

وقال محافظ بعلبك بشير خضر في حديث صحافي إنّ "الغارة وقعت على بعد حوالى 500 إلى 700 متر من القلعة". لكنه حذّر من أنّ لغارات مماثلة قريبة "أثراً سلبياً" على الموقع الأثري "سواء من الدخان الأسود الذي يؤثر على الحجارة، أو من قوة الانفجار “الذي قد تؤثر ارتجاجاته على الموقع، حتى لو لم يتم استهدافه مباشرة".

وقبل أسبوع استُهدف منزل، بالقرب من الطريق العام، في بلدة الحفير غرب بعلبك، وسبق ذلك نحو 15 غارة على بعلبك تركّزت بمحيط القلعة وحي العسيرة ومحيط الهرمل، وأسفرت عن سقوط 21 شهيداً وإصابة 47 آخرين.

تجارب النازحين 

في هذا الإطار، يقول بعض النازحين من منطقة بعلبك لـ "الصفا نيوز" إنّ "حجم الدمار في بعلبك أقلّ ما يقال عنه إنّه مرعب، فمبانٍ بأكملها سويّت بالأرض وقد يكون الدمار الذي حلّ بالمدينة أكبر بكثير مما حصل في العام 2006. علماً أنّ أغلب السكان غادروا المنطقة".

ومن المدنيين الذين قتلوا، المهندسة علا احمد محي الدين (من بلدة الفاكهة في بعلبك) التي استشهدت متأثرة بجراحها التي أصيبت بها جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مخزنًا للسجاد يوم الجمعة الفائت، وصودف مرورها على الطريق العام في بلدة العين. وهي موظفة في الصليب الأحمر اللبناني في وحدة الحد من الكوارث DM. ورفضت ترك المنطقة لإصرارها على مساعدة النازحين وإسعاف المصابين في القصف.

المناطق المستهدفة

في سياق متصل، فنّدت مصادر مطلعة لـ "الصفا نيوز" أكثر المواقع استهدافاً في البقاع، وهي:

- البقاع الشمالي: تعرّضت القرى الحدودية مثل الهرمل ويونين للقصف الإسرائيلي، وتمّ استهداف مواقع يُعتقد أنّها تابعة للمقاومة.

- البقاع الأوسط: تركّزت الضربات على بعلبك وشمسطار وبريتال.

- البقاع الغربي: تم استهداف بايا، وعيون السيمان، وسحمر، ومشغرة، ويحمر، بالإضافة إلى المناطق الزراعية الواسعة التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم.

حجم الدمار والخسائر المادية

أسفرت الاعتداءات عن تدمير كبير في المنازل والمزارع والممتلكات الخاصة والعامة نتيجة استهداف العديد من البنية التحتية. وتشير التقديرات إلى أنّ مئات المنازل قد تضررت جزئياً أو دُمّرت كلها، خاصّة في القرى القريبة من الحدود. كما جرى تدمير الطرق والجسور الصغيرة، وهذا ما أدّى إلى عزل بعض القرى عن بعض وتعطيل الحركة اليومية للسكان. وتسبب القصف في تدمير مساحات من الحقول والمحاصيل الزراعية، فأثّر ذلك سلباً على الأمن الغذائي المحلّي والاقتصاد الزراعي.

أسفرت الاعتداءات عن تدمير كبير في المنازل والمزارع والممتلكات الخاصة والعامة 

عدد النازحين

نتج من هذه الاعتداءات سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى. كما شهدت المستشفيات المحلّية توافداً كبيراً للجرحى في ظلّ نقص الموارد والمعدات الطبية.

كذلك فرّ عشرات آلاف السكان من منازلهم بحثاً عن الأمان إلى مناطق أكثر أمناً. وتشير التقديرات إلى أنّ عدد النازحين البقاعيين نحو 50 ألفاً.

تروي إحدى النازحات من منطقة سحمر تجربتها: "شهدت منطقتنا استهدافات إسرائيلية مكثفة غير مبررة، فلا مخازن أسلحة في البلدة، ولا مراكز عسكرية، لذلك لم نفهم لماذا كل هذا التركيز على بلدة سحمر!".

وتابعت "كنت في المنزل مع أولادي وزوجي حين بدأت الغارات على المنازل المحيطة بنا، فهرعنا "بالملابس اللي علينا" إلى خارج القرية ولم نكن نعلم إلى أين نذهب، إلى أن تمكنّا من إيجاد منزل في منطقة غزة في البقاع الغربي، واحتمينا به. ثم عدنا إلى القرية لنجد أنّ معظم المباني سويّت بالأرض، والمنطقة دُمّرت كلها، إلّا أنّ بعض المنازل، ومنها منزلنا، نجت، فعدنا وأخذنا أغراضنا ورحلنا من جديد".

وعن مصدر دخلهم المادي أجابت "ميسورون الحمدالله، فأنا وزوجي وأخي وزوجته، أساتذة في التعليم الرسمي، وبالتالي نعتاش من راتب الـ250$ الذي يأتينا في آخر الشهر، ونحن نعيش اليوم معاً في المنزل نفسه".

التبعات الاقتصادية والاجتماعية

بالإضافة إلى الخسائر المباشرة في الأرواح والممتلكات، تسبّبت الاعتداءات في أزمة اقتصادية كبيرة، إذ توقفت الأنشطة الزراعية والصناعية في المناطق المتضررة، وهذا ما أدى إلى فقدان العديد من السكان مصادر دخلهم. كذلك تفاقمت الأوضاع الاجتماعية مع تزايد أعداد النازحين وحاجاتهم الملحّة للإيواء والمساعدات الإنسانية.

في المحصّلة، أدّت الاعتداءات الإسرائيلية على منطقة بعلبك والبقاع الأوسط والشمالي والغربي إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، وأسفرت عن نزوح آلاف السكان. هذه الأضرار تضاعف التحديات التي يواجهها لبنان في ظلّ الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة، وتهدد الاستقرار وتزيد من المعاناة الإنسانية.