مع دخول لبنان مرحلة جديدة من الحرب التي تشنّها إسرائيل، باتت مسألة تأمين السلع الأساسية من طحين ومواد غذائية وأدوية ومحروقات أكثر من مجرد حاجة، وعليه، يخشى المواطنون انقطاع هذه السلع ويتساءلون عن مدى القدرة على توفير هذه السلع بالكميات المطلوبة في ظلّ الحرب القائمة.
في هذا الإطار، طمأنت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات (LPIA) المواطنين إلى توافر الأدوية في السّوق، مؤكدة أنّ المخزون العامّ للدّواء المتوفّر حالياً بين المستوردين والمؤسسات الصّيدلانيّة كافٍ لمدّة 5 أشهر. وأوضح رئيس النقابة جوزيف غريّب في بيان أنّ المخزون الإستراتيجي للدواء يتشكّل من بضعة مكوّنات، أبرزها حجم المخزون الاحتياطي المتوافر لمواجهة أيّ انقطاع في الإمدادات. والكمية المتوافرة حالياً لدى الشركات المستوردة للأدوية كافية لتلبية حاجة السوق طوال 4 أشهر.
وعلى الرّغم من الاعتداءات الإسرائيلية والحرب الدائرة حالياً، فإنّ الطلب على الأدوية لم يشهد أيّ حركة تهافت غير طبيعية من قبل المواطنين، بحسب غريّب، وهذا ما يعكس استقرار سوق الدواء في لبنان وحالته الطبيعيّة بشكل عام.
سلاسل الإمداد
ولفت غريّب إلى أنّ سلاسل الإمداد اللوجستية للأدوية لم تتأثّر، حتّى اللحظة، بالحرب الدّائرة، إذ لا تزال الشركات المستوردة قادرة على تلبية حاجة السوق، ما دامت المرافئ الوطنيّة لا تواجه حصاراً. كما أنّ الشركات المستوردة تعمل على زيادة حجم المخزون بشكل مستمرّ.
وأشار غريّب إلى أنّ نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات بدأت منذ نهاية العام 2023 باتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان استمرار إمدادات الأدوية، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة. وقد تمّ التحوّط على نحو فعّال لضمان توفر الإمدادات الأساسية في حالة حدوث أيّ طارئ أو انقطاع. في هذا الإطار، من الممكن الجزم بأنّ المخزون الإستراتيجي كافٍ لفترات طويلة. كما أنّ الشركات المستوردة تعطي الأولوية للأدوية التي لا بديللها، من أجل ضمان توفرها دائماً ضمن المخزون الإستراتيجي.
الأدوية السرطانية
في ما يتعلق بأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية والمزمنة، فقد أكد غريّب أنّه يتم حالياً إعطاء الأولوية القصوى لهذه الأصناف، "المخزون العام للأدوية السرطانية متوفّر لعدة أشهر، بما في ذلك أدوية السّرطان وغسيل الكلى. ويتم تسليم الأدوية بانتظام إلى المؤسسات الصّيدلانيّة. وفي حال حدوث صعوبات في التسليم في بعض المناطق، يجري التنسيق الفوري مع الصيدليات والمؤسسات المختصة بغية ضمان وصول الأدوية إلى السوق".
وبالنسبة إلى الأدوية المخصّصة لمعالجة مصابي الحرب، أكّدت الشركات المستوردة للأدوية توفّر مخزون إستراتيجي يكفي أربعة أشهر. كذلك تعمل الشركات بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة على زيادة هذا المخزون بشكل دائم.
تهافت على الخبز
في السياق نفسه، أكّد رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخازن ناصر سرور في حديث لـ "الصفا نيوز" أن "لا داعي للهلع، ولا خوف من انقطاع الطحين في لبنان، رغم الضربات الإسرائيلية على مناطق مختلفة"، مضيفاً "في لبنان كميات وافرة من الطحين، تكفي نحو شهرين، وستقوم المطاحن والأفران بعملها المعتاد لتأمين الخبز إلى اللبنانيين. أضف إلى ذلك، أنّ هناك شحنات تم الاتفاق عليها، وهي في طريقها إلى الشحن بحراً".
رفع الدعم عن الخبز
في إطار متصل، ارتفع سعر ربطة الخبز بشكل لافت منذ أن قامت وزارة الاقتصاد برفع الدعم تدريجياً، من 7500 ليرة إلى نحو 60 ألفاً، وذلك مع إنفاق القرض المقدّم من البنك الدولي للبنان بالدولار. ارتفعت الأسعار بالتدرّج، وهذا ما دفع المعنيين في المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد والتجارة إلى عقد لقاءات مع الجهات المعنية من مطاحن وأفران، تحضيراً لمرحلة ما بعد الدعم إن على صعيد الأسعار أو توفّر القمح بهدف المحافظة على الاستقرار التمويني في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد. وأكّدت مصادر مقرّبة من وزارة الاقتصاد لـ"الصفا نيوز" أنّ "هناك ما لا يقلّ عن 40 ألف طن من القمح، وهي كمّية كافية على الأقل لمدة شهر ونصف الشهر". ويحتاج عادة لبنان إلى ما بين 20 إلى 25 ألف طن شهرياً.
ماذا عن البنزين؟
من جهة أخرى، ومنذ اليوم الأول للضربات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية، هرع المواطنون إلى محطات المحروقات للتزود بالوقود، خوفاً من أزمة جديدة، تتسبب بفقدان مادة البنزين، التي قد تضمن انتقالهم إلى مناطق آمنة إذا تعرضت مناطقهم للقصف.
وفي جولة لـ"الصفا نيوز" على بعض محطات المحروقات، تبيّن أنّ أحداً من اللبنانيين لم يلجأ إلى شراء كميات كبيرة من المحروقات لتخزينها بل اكتفوا "بتفويل" سياراتهم.
وحذّر رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط مارون شمّاس المواطنين من تخزين "غالونات" بنزين في منازلهم لما تشكّل من خطورة على حياتهم، مطمئناً إلى أن لا أزمة بنزين في الوقت الحاضر. لأنّ المخزونات الحالية من البنزين تكفي 21 يوماً في حال كان الطلب على المادة طبيعياً، يقول شمّاس. من هنا فالأمر متوقف على عدم التخزين واستمرار الاستيراد.
المواد الغذائية المتوافرة تكفي مدة تراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر
أما المقصود بالطلب العادي على البنزين فيقتصر على 6 ملايين ليتر يومياً. ومن الممكن أن يرتفع إلى 7 ملايين ليتر في حال الذروة على غرار ما حصل بالتزامن مع كثافة النزوح من الجنوب والبقاع إلى المناطق الآمنة في بيروت والشمال والجبل، لكن بحسب شماس لا يشكّل هذا الأمر أزمة باعتبار أنّ السوق تعود في الأيام اللاحقة وتوازن نفسها بنفسها.
التوزيع مستمر
كذلك نفى المتحدث باسم محطات المحروقات جورج البراكس ما أشيع عن صعوبة وصول صهاريج شركات النفط إلى المخازن لتعبئة البنزين، موكّداً أنّ مخزونات الشركات المستوردة موجودة في مناطق آمنة.
ولفت إلى استمرار الشركات بتعبئة البنزين وتسليمه إلى المحطّات بشكل طبيعي من دون معوقات مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة حيال محطات الجنوب حيث تشتد الغارات الإسرائيلية. ودعا البراكس المواطنين إلى عدم التهافت على تعبئة البنزين والاكتفاء بتلبية الحاجات الفعلية، لأن المحروقات متوافرة بشتى أنواعها. فيما لا تنوي وزارة الطاقة رفع أسعارها.
المواد الغذائية
على مقلب آخر، طمأنت نقابة أصحاب السوبرماركت ونقابة مستوردي المواد الغذائية المواطنين إلى أنّ المواد الغذائية المتوافرة تكفي مدة تراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، "مع العلم أنّ الاستيراد لا يزال مستمراً عبر الموانئ اللبنانية، وهذا من شأنه أن يحافظ على المخزون"، على قول البراكس.
وأكدت النقابتان أنّ مخازن المواد الغذائية قد لبّت كلّ الطلبات التي وردت إليها، معلنةً أن ليس هناك نقص في أيّ من السلع الغذائية.
ولفتت النقابتان خلال لقاء عُقد في وزارة الاقتصاد إلى حصول نوع من الازدحام وارتفاع الطلب على المواد الغذائية من السوبرماركت ومراكز البيع بالتجزئة، إلّا أنّ الوضع لم يرقَ إلى مستوى التهافت كما أنّ الأمور سرعان ما هدأت.
وبناءً على هذه المعطيات، توقعت النقابتان استقرار أسعار المواد الغذائية كون العرض كبيراً وكلّ السلع متوافرة بكميات كبيرة.
وعلى الرّغم من اشتداد الحرب الإسرائيلية على لبنان لا داعي للقلق من أيّ انقطاع لأيّ سلعة أساسية، وبالتالي لا داعي للتخزين أو التهافت على شراء كميات كبيرة من أيّ سلعة، فالوضع تحت السيطرة والمخزون يكفي عدة أشهر.