يُعدّ الجيل "Z"، أو الجيل الذي وُلد بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الأول من الألفية الثالثة، من الفئات التي دخلت سوق العمل حديثاً وتختلف رؤاه وتوقعاته عن الأجيال السابقة. يُعرف هذا الجيل أيضاً باسم "المواطنين الرقميين"، أي أنّه الجيل الأول الذي نشأ مع توفّر الإنترنت كجزء من الحياة اليومية. يتمتّع الجيل Z بأسلوبه وتفضيلاته المميزة. هذا المزيج الفريد من تجربة التكنولوجيا وتغيّر المناخ والنجاة من الأزمة الصحية العالمية COVID-19 والمشهد المالي غير المؤكّد في مثل هذه السن المبكرة، شكّل وعي الجيل Z بطريقة عميقة.
وعلى الرّغم ممّا لدى هذا الجيل من مهارات تقنية متقدّمة وقدرة على التعامل مع التكنولوجيا، فإنّ عالم الوظيفة بالنسبة إليه يشكّل تحديات فريدة أمام المؤسسات.
يقول 74 في المئة من المديرين وأصحاب العمل إنّ الجيل Z هو "الجيل الأكثر تحدياً" لسوق العمل، وفق ما ذكر موقع "Business Insider" الأميركي في استطلاع رأي. وقال نحو 40 في المئة من المشاركين إنّ السبب في ذلك هو أنّ موظفي "الجيل Z" يفتقرون إلى الحافز ويسهل تشتيت انتباههم.
يشكل الجيل Z حالياً 30٪ من سكان العالم. ومن المتوقع أن يمثل 27٪ من القوى العاملة في العام 2025.
التوقّعات العالية للتوازن بين الحياة والعمل
الجيل "Z" يهتم كثيراً في تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. بينما كانت الأجيال السابقة مستعدة للعمل ساعات طويلة من دون اعتراض. يميل الجيل "Z" إلى رفض هذه الفكرة، متطلعاً إلى مرونة في العمل، مثل ساعات العمل المريحة والعمل عن بعد. وفي حال عدم تلبية الشركة هذه التوقعات، يشعر الموظفون بالإحباط ويبحثون عن وظائف أخرى.
في هذا الإطار، شرحت خبيرة الموارد البشرية، باتريسيا الأشقر، لـ "الصفا نيوز" أنّ "أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الشركات لدى توظيفها أشخاصاً من الجيل z هو التكيّف مع تفضيلاتهم الفريدة في العمل. إذ في سلّم أولويات هذا الجيل المرونة والتوازن بين العمل والحياة، والعمل المعني. وغالباً ما يتوقع بيئة عمل تتماشى مع قيمه، مثل التنوع والاستدامة". وتضيف "قد تواجه الشركات صعوبة في توفير هذه الشروط، خاصة إذا كانت لديها هياكل تقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تختلف أنماط التواصل، إذ يفضل هذا الجيل غالباً التواصل الرقمي على التفاعل المباشر، مما قد يؤدي إلى سوء فهم إذا لم تتمّ إدارته بشكل جيد".
التغيّر السريع في الالتزامات
يميل جيل "Z" إلى التنقل بين الوظائف بشكل أسرع من الأجيال السابقة. بسبب سهولة الوصول إلى المعلومات والشبكات المهنية عبر الإنترنت، يكون أكثر ميلاً للبحث عن فرص جديدة إذا لم يشعر بالرضا في مكان عمله الحالي. هذا التنقل السريع يمكن أن يسبّب ارتفاع معدلات دوران الموظفين ويؤدي إلى تكاليف إضافية للشركات في التوظيف والتدريب.
وعن مدى تأثير توظيف الجيل Z على الإنتاجية تقول الأشقر إنّ " الإنتاجية تختلف من فرد إلى آخر، وليس من جيل إلى آخر"، مضيفةً "موظفو الجيل Z قد يطلبون المزيد من المرونة أو الإجازات، وهو أمر يمكن أن يُساء فهمه فيُعدّ نقصاً في الالتزام. ومع ذلك، فإنّ العديد منهم مندفعون جدّاً، وغالباً ما يسعون إلى لعب أدوار مؤثرة. المفتاح هو تعزيز بيئة يشعرون فيها بالتفاعل والقيمة. عندما يرون أنّ مساهماتهم مهمة، يمكن أن تزداد إنتاجيتهم فعلياً".
وبحسب استبيان أجراه لينكدإن، فإنّ 72 في المئة من الجيل Z هو الجيل الأكثر احتمالاً لترك الوظيفة أو التفكير في تركها لأنّ صاحب العمل لم يقدم سياسة عمل مرنة مجدية.
التركيز الكبير على التطوير الشخصي
يحرص الجيل "Z" على التعلم المستمر والتطوير الشخصي. إذا لم تقدم الشركة فرصاً واضحة للنمو المهني والتدريب، يمكن أن يتعرّض الموظفون من هذا الجيل للإحباط. في المقابل، فإنّ الشركات التي لا تستطيع تلبية هذه التوقعات قد تواجه صعوبة في الاحتفاظ بالموظفين.
وهنا، اعتبرت خبيرة الموارد البشرية أنّ "هناك قيمة في توظيف الجيل Z، لأنه يقدم وجهات نظر جديدة، ومهارات تقنية عالية، ولديه إحساس قوي بالمسؤولية الاجتماعية".
وتابعت الأشقر "على الرّغم من وجود تحدّيات في توظيف هؤلاء، فإنّ قدرتهم على التكيّف ورغبتهم في تبنّي التغيير يمكن أن تعززا الابتكار. علاوة على ذلك، فإنّهم غالباً ما يدفعون المنظّمات للتطوّر وتبنّي ممارسات أكثر حداثة، وهو ما يمكن أن يكون مفيداً في بيئة الأعمال المتغيّرة بسرعة. إنّ تعزيز بيئة داعمة تلبّي توقعاتهم يمكن أن يؤدي إلى قوة عمل متحمسة ومشاركة".
الاختلاف في التواصل
يختلف أسلوب تواصل الجيل "Z" عن الأجيال السابقة. يفضل التواصل الرقمي، مثل الرسائل النصية أو التطبيقات، على اللقاءات أو المكالمات الهاتفية. يمكن أن يؤدي هذا الاختلاف في أسلوب التواصل إلى سوء الفهم بين الأجيال المختلفة في بيئة العمل، خاصة مع الجيل "X" والجيل "Y"، اللذين قد يعتمدان أكثر على التواصل الشخصي والمباشر.
تفضيل القيم الاجتماعية والأخلاقية
يهتم الجيل "Z" بالقضايا الاجتماعية مثل البيئة، والتنوع، والشمولية. يميل إلى العمل في شركات تجاري قيمه الشخصية، وإذا لم تتبنَّ الشركة التي يعمل فيها هذه القضايا، يشعر بعدم الانتماء. بالإضافة إلى ذلك، يطالب هذا الجيل بوجود سياسات واضحة حول المساواة والعدالة الاجتماعية في الشركة.
التحديات في بيئة العمل التقليدية
تميل الشركات التي لا تزال تتبع أساليب العمل التقليدية إلى مواجهة صعوبات في جذب هذا الجيل الذي يفضّل الابتكار، وبيئات العمل التعاونية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في المهمات اليومية. فإذا كانت الشركة تعتمد على أساليب قديمة في العمل، يشعر موظفو الجيل "Z" بالملل أو فقدان الحافز.
وهو ما أكّدته الأشقر ولفتت إلى أنّ "الجيل Z يجلب مجموعة من المهارات الإيجابية إلى مكان العمل، منها إتقان التكنولوجيا وقدرة عالية على التكيف وتقدير التنوع والشمول، ويميل للعمل في بيئات تعزّز التعاون والمسؤولية الاجتماعية. كما يسعى لتحقيق توازن صحي بين العمل والحياة، وهذا ما يعزز رضا الموظفين والإنتاجية، ويسهم في نشر ثقافة عمل ديناميكية ومبتكرة".
قلة الالتزام الوظيفي
يُعرف الجيل "Z" بالميل إلى تجربة أمور جديدة ورفض الالتزام الطويل الأمد بوظيفة واحدة. يبحث باستمرار عن التحديات والفرص الجديدة، مما يجعل من الصعب الاحتفاظ به مدة طويلة في الوظيفة نفسها. هذا يمكن أن يؤثر في استقرار الفريق وزيادة الضغوط على إدارة الموارد البشرية.
فيما كشفت دراسة أجرتها The Forage أن 70 في المئة في Gen Z يعطون الراتب الأولوية باعتباره الجانب العلوي الذي يريدونه من وظيفتهم التالية.
وعلى الرّغم من أنّ توظيف الجيل "Z" يقدّم العديد من الفوائد بسبب قدرته على التكيف مع التكنولوجيا وسرعته في اكتساب المهارات، تواجه المؤسسات تحديات تتعلّق بتوقّعاته العالية وسلوكياته المختلفة في بيئة العمل. وبالتالي، يحتاج قادة الشركات إلى فهم حاجات هذا الجيل وتطوير بيئات عمل مرنة وشاملة لاستيعابه والحفاظ عليه في السوق التنافسية الحالية.