اعتمد مشروع قانون موازنة 2025 على زيادة التحصيل خلال العام الجاري بنسبة 23 في المئة عمّا كان متوقعاً، لـ "نفخ" الإيرادات إلى نحو 410 ترليونات من الليرات. وسيُقابِل هذا الرقم لجهة النفقات رقماً يفوقه بنسبة 4.2 في المئة، ويبلغ 427695 ترليون ليرة. والفرق المقدّر بين الواردات والإيرادات بـ 17.5 ترليون ليرة هو عجز الموازنة الذي سيُغطّى من الاستدانة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ههنا، هو على ماذا ستنفق موازنة 2025 الأموال؟

الاعتمادات المرصودة في مشروع موازنة 2025

إذاً، بلغ مجمل الاعتمادات 427.7 ترليون ليرة (4 مليارات و779 مليون دولار على سعر صرف السوق)، وهو يشكّل 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ13 و14 في المئة المصروف الفعلي المقدّر لعام 2024"، بحسب تقرير وزارة المال عن المالية العامة ومشروع موازنة 2025. وقد توزّعت النفقات على الشكل التالي:

- بلغت الاعتمادات المخصّصة للرواتب والأجور والمنافع الاجتماعية لموظفي القطاع العام 211415 مليار ليرة (ملياران و362 مليون دولار). توازي 8.6 في المئة من الناتج المحلي، مقارنة بـ 7.6 في المئة لعام 2024، و4 في المئة لعام 2023. بناء على هذا الرقم، يمكن استنتاج أمرين أساسيين: الأول أنّ حجم الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى 27.5 مليار دولار، من 21.5 مليار بحسب آخر التقديرات المحدّثة من البنك الدولي. والثاني هو عودة الرواتب والأجور لتمتصّ نسباً أكبر من هذا الناتج عاماً بعد آخر.

- تشكل الاعتمادات المخصّصة للرواتب والأجور 49 في المئة من مجمل اعتمادات مشروع موازنة 2025، وحوالى 52 في المئة من الإيرادات المرتقبة في عام 2025، ومن ضمنها الحوافز للقطاع التربوي بـ 13500 مليار ليرة (150 مليون دولار).

- خُصص مبلغ 55855 مليار ليرة (624 مليون دولار) لاحتياطي الموازنة. ويلحظ هذا الاعتماد مبلغاً لم تحدّد قيمته لتغطية أيّ زيادة إضافية لدعم أجور القطاع العام، على ألّا تتجاوز الكلفة الإجمالية لرواتب القطاع العام وأجوره، بما فيها المساعدات الاجتماعية، 10 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، حفاظاً على الاستقرار المالي والنقدي في البلاد. واستناداً إلى كون كتلة الرواتب تبلغ مليارين و362 مليون دولار وتشكّل 8.6 في المئة من الناتج المحلي المقدّر بـ 27.5 مليار دولار. وبالتالي، فإنّ مجمل الزيادة التي ستخصص للرواتب والأجور يبلغ 384 مليون دولار.

- يتضمّن احتياطي الموازنة أيضاً 100 مليون دولار لسداد كلفة شراء الفيول العراقي لشركة كهرباء لبنان. المفارقة أنّ هذا المبلغ لن يُدفع إلّا "بعد إصدار القوانين المؤاتية". إذ تتطلّب اتفاقية استيراد النفط الأسود الثقيل من العراق مقابل التسديد بالليرة اللبنانية مصادقة مجلس النواب عليها. وتكمن المشكلة الأساسية في كون هذه الاتفاقية جُددت مرتين من دون موافقة مجلس النواب، الذي سبق أن أقرّ الاتفاقية بنسختها الأولى في العام 2022، والتي تغيرت كثيراً في المرتين اللاحقتين. فالاتفاقية الأولى كانت تقضي باستيراد لبنان مليون طن من الفيول الأسود الثقيل، مقابل سداد لبنان الثمن وفق سعر صرف منصة صيرفة، الذي كان يقلّ عن سعر الصرف في السوق الموازية غير المعترف به آنذاك. أمّا اليوم فالسعر الوحيد هو سعر السوق المحدّد بـ 89500 ليرة، والسداد على هذا السعر يعني بشكل غير مباشر السداد بالدولار، ذلك أنّ الأموال المسحوبة لشراء السلع من لبنان والاستفادة من الخدمات، ولا سيما الصحية، ستتحوّل طلباً على الدولار. وهو ما ينعكس، بحسب آراء المسؤولين، على سعر الصرف. خصوصاً أن المبالغ المطالب بها لبنان تتجاوز 1.5 مليار دولار، مقسّمة على الشكل التالي: 462 مليون دولار عن السنة الأولى، 500 مليون عن الثانية، وحوالى 700 مليون عن السنة الثالثة، وهذه يفترض أن يستفيد منها لبنان بـ 1.5 مليون طن.

- لحظ مشروع موازنة 2025 مبلغ 31485 مليار ليرة (352 مليون دولار) لسداد فوائد دين بالعملة المحلية، بما فيها متأخرات للبنك المركزي، وقروض إنمائية بالعملة الأجنبية، ومستحقات SDR لصندوق النقد الدولي.

- حصلت 3 وزارات هي: الصحة، التربية والشؤون الاجتماعية على 124 ألف مليار ليرة (1.4 مليار دولار) تمثّل 29 في المئة من مجمل اعتمادات مشروع موازنة 2025.

الفرق المقدّر بين الواردات والإيرادات بـ 17.5 ترليون ليرة هو عجز الموازنة الذي سيُغطّى من الاستدانة. 

غياب الانفاق على الاستثمار

تحفّظت موازنة 2025، على غرار سابقتها، عن الإنفاق الاستثماري، "لأنّ الأولويات تكمن في الإنفاق الاجتماعي في ظلّ الشحّ في الموارد. أمّا في ما يتعلّق بتمويل المشاريع الإنمائية والاستشارية فسيتم من خلال "الاستقراض" (concessional loans)، بحسب تقرير وزارة المال، التي تجهد لسداد الالتزامات والمستحقات في موعدها لإعادة استقطاب ثقة المجتمع الدولي والتمويل الخارجي لمشاريع إنمائية.

انطلاقاً ممّا تقدّم، يتبيّن أنّ نسب الزيادة الملحوظة في اعتمادات مشروع موازنة 2025، كانت بشكل أساسي من حصة القطاعات التالية:

* القطاع الصحي، وتهدف إلى تمويل: المواد المخبرية لكلّ من المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي والمختبر المركزي لوزارة الصحة. الاشتراكات واعتمادات لنفقات الاستشفاء في القطاعين العام والخاص. المساهمة في تفعيل المستشفيات الحكومية وتجديدها وتأهيل العاملين. نفقات استشفاء لقوى الأمن الداخلي والسجون.

* القطاع التربوي، وتهدف إلى تمويل: التجهيزات المعلوماتية في المديرية العامة للتعليم العالي، وخاصة لرصد التجاوزات والمخالفات. المساهمة في المدارس المجانية، لمديرية التعليم والمهني والتقني وتمويل المشاريع المشتركة، للمركز التربوي للبحوث والانماء. مساهمة الدولة في صندوق التعاضد لأساتذة الجامعة. تأمين أعمال النظافة والصيانة والتشغيل.

* القطاع الأمني، وتهدف إلى تمويل: تطويع عناصر جديدة، بدل الملابس والسجون وإدارة الجمارك. ثمن محروقات. تجهيزات أمنية متخصصة. بدل ثمن مطبوعات وبدلات أتعاب للتعاقد مع مختبرات معيّنة. صيانة تجهيزات المعلوماتية للجمارك. تقديمات مدرسية وتغذية ونفقات شتّى متنوعة.

* القطاع الاجتماعي: دفع كامل المتأخّرات المترتّبة على الدولة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. مساهمات داخل القطاع العام منها مراكز الخدمات الانمائية. تمويل المشاريع الاجتماعية والصحية بالاشتراك مع الجمعيات الأهلية. تمويل الصندوق التعاوني للمختارين.

باختصار بسطت الدولة "كفّها اليمنى" للإنفاق على الرواتب والتقديمات الاجتماعية بنسبة 78 في المئة من مجمل اعتمادات الموازنة. لكنّها صفعت بالكف اليسرى الموظفين وبقية المواطنين بهزالة التقديمات. إذ على الرّغم من الحجم الهائل للإنفاق، ما زال راتب المتقاعد لا يتجاوز 20 في المئة ممّا كان عليه قبل الانهيار. ويطالب الموظفون والمتقاعدون بإعادة قيمة الرواتب إلى ما بين 40 و45 في المئة ممّا كانت عليه قبل الانهيار في المرحلة الأولى، وبدخول الزيادات في صلب الراتب، وإلّا فإنّ التصعيد مستمر، وكلّ الإنفاق الذي يرتّب من الجهة الأخرى أعباء زيادة الإيرادات سيبقى هباءً منثوراً.