"إذا مش كلّ شهر جدّدت سيارتي لشو عيشتي؟"، "سجلوا معي بتعملوا بالشهر بين 400 و5 آلاف و24 ألف دولار"، بهذا الأسلوب يروّج عدد من التيكتوكرز ومن يطلقون على أنفسهم صفة "مؤثّرين"، والمستغرب أنّ هؤلاء لا يقدمون على ذكر اِسم التطبيق في الإعلان الترويجي بل يكتفون بإغراء المتابعين بفكرة حصد المال من عمل معيّن، ويضعون رقم هاتف في آخر الإعلان ليتواصل من خلاله كلّ مهتم بمعرفة المزيد. 

تشجيع على الظهور لايف والتعارف 

وبسبب كثرة هذه الفيديوهات الترويجية، المنتشرة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، والمجهولة غايتها، أثار الموضوع حفيظتنا فاتصلنا بالرقم، إلّا أنّ أحداً لم يردّ. ثم فوجئنا برسالة مع تسجيل صوتي تقول "مرحبا هذا العمل هو عبارة عن بث مباشر بالصوت والصورة وقريب بالمبدأ من تطبيق تيك توك ولكن بطريقة أخرى نوعاً ... وعلى مبدأ الدعم فقط تبدأ الرواتب من 16 دولاراً لأرقام جداً عالية، يعتمد هذا على كثرة فتح اللايفات وشخصية الشخص ورزقته". 

وتتابع الرسالة "شو بدنا نحكي باللايفات؟ ما في شي محدّد تعارف وأحاديث وصداقات. ممكن أي شخص يشتغل معنا اينما كان في أنحاء العالم. منسلم الرواتب عبر مكاتبنا لكلّ انحاء العالم. إذا بهمّكن رح اتركلن هذا الرقم هو رقم حسابي على البرنامج، بتحطوا هذا الرقم ومن بعدها بتتواصلوا معي من جديد لنكفي الإجراءات (كل أسئلتكم رح يتجاوب عليها لاحقاً في اجتماعات تعليمية) إذا ما بهمكن ممكن تتجاهلوا الرسالة مباشرةً، مشكورين ويعطيكم العافية". 

أمّا التسجيل فهو بصوت أنثى، ومحتواه:”هاي، كيفكن؟ نحنا ... ايجينسي، وهيدا الابليكيشن عبارة عن لايف صوت وصورة، يفضل صوت وصورة إذا أنتو سكرتوا دعم أقل شي ألفين بالشهر، اللي هو كتير سيمبل، الواحد يجيبه إذا كان اللايف عنده كتير حلو، والعالم عم تفوت لعنده، ولازم تكونوا مسكرين من أول ما بتبلشوا معنا لآخر يوم بالشهر، لازم تكونوا مسكرين ثلاثين ساعة، يفضل لأنكن جداد تفتحوا ثلاث ساعات بنهار، أكيد مش ورا بعض، متل ما أنتو بتحبوا، إذا بهمكن الأمر، إذا كل شي أوكي، بعتولنا ID أو المعرف، الرقم الموجود تحت اسمكن لحتى نبلش بالإجراءات". 

وهنا يظهر مدى تشجيع الناس على الظهور بالصوت والصورة، وفتح المجال للتعرّف على أشخاص جدد عبر هذا التطبيق. وكأن اللايفات والتعرف على غرباء أصبحا مصدر رزق في هذا العصر. 

إلاّ أنّ المفاجأة كانت بعد تنزيل التطبيق، والنظر في محتواه، واكتشاف أنّه لا يختلف عن محتوى تيك توك، لا بل هو أيضاً من دون ضوابط أو رقابة.  


ماذا يقول علم النفس؟ 


في هذا الإطار، حذّرت الاختصاصية في علم النفس لانا قصقص، الشباب والشابات من الوقوع ضحايا هؤلاء "المؤثرين"، وقالت لـ "الصفا نيوز": "في عصر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل اصطياد الأطفال بهدف كسب المال". مذكّرة بحادثة التيكتوكرز، وكيف وقع أكثر من 30 طفلاً ضحايا في فخوخهم، "بعدما تأثروا بهم، وباتوا على علاقة ثقة معهم، وأصبحوا ينظرون إليهم كأبطال أو قدوة". 

والتجربة، اليوم، تتكرر مع عدد من "المؤثرين"، برأي قصقص، "الذين يستغلّون متابعينهم من أجل المال، ويقنعونهم بأنّ هناك فرصاً لتحقيق ثروات عبر تطبيق معيّن، مستغلّين وضعهم المادي السيئ بسبب الأزمة الاقتصادية". 

واعتبرت قصقص أنّ "تطبيقات التعارف والمحادثة، مثل تيك توك وغيره، قد تبدو في ظاهرها وسيلة ممتعة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، إلّا أنّها تحمل في طياتها مخاطر عديدة، خاصة على الشباب . إنّ الدفع المتزايد نحو الظهور في اللايفات الصوتية والمرئية بحثًا عن الدعم المادي فتح الباب للعديد من التحديات التي تهدد سلامة الشباب وصحتهم النفسية". 

ومن أبرز المخاطر التي تواجه الشباب، ذكرت قصقص:  

- الاستغلال الجنسي: يمثل الظهور في اللايفات هدفًا سهلاً للمتحرشين جنسيًا، الذين يمكنهم استغلال حاجة الشباب إلى المال أو الشهرة لتحقيق أغراضهم المشبوهة. 
- التعرض للابتزاز: بعض الأشخاص يسعون إلى الحصول على صور أو مقاطع فيديو خاصة بهم مقابل المال أو التهديد بنشرها. 
- الأضرار النفسية: إن التعرض للانتقادات والسخرية والتحرش في اللايفات يمكن أن يؤدي إلى أضرار نفسية كبيرة للشباب، مثل الاكتئاب والقلق وانعدام الثقة بالنفس. 
- الإدمان: قد يؤدي الانغماس في عالم اللايفات إلى الإدمان على البحث عن الإعجاب والتقدير، وهذا ما يؤثر سلبًا في حياة الشباب الاجتماعية والدراسية. 
- تكوين صورة غير واقعية عن الواقع: قد يؤدي التركيز على المظهر الخارجي والبحث عن الإعجاب إلى تكوين صورة غير واقعية عن الحياة والنجاح، وهو ما يزيد من الضغوط النفسية على الشباب". 

وعن أسباب الدفع نحو الظهور في اللايفات، تجيب قصقص "أهمّها الحاجة إلى المال. قد يدفع الفقر أو الحاجة بعض الشباب إلى اللجوء إلى اللايفات للحصول على الدعم المادي. وهنالك آخرون يسعون إلى تحقيق الشهرة والانتشار السريع عبر الإنترنت، ويرون في اللايفات وسيلة سريعة لتحقيق ذلك. وربما يشعر فريق منهم بضغوط يمارسها عليهم الأصدقاء للظهور في اللايفات ومشاركة حياتهم الشخصية". 

وتشدد قصقص على أهمية التوعية المتعلقة بمخاطر الظهور في اللايفات وكيفية الحماية من الاستغلال والابتزاز. كذلك تشدد على وجوب سن قوانين صارمة لحماية الشباب من الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، من دون إغفال دور الأسرة والمدرسة في توفير بيئة آمنة للشباب وتشجيعهم على التواصل المفتوح مع الكبار. ويجب على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لحماية المستخدمين، ومنها تفعيل المراقبة المستمرة والحد من المحتوى الضار". 

الخبراء التقنيون يحذّرون 


في سياق متصل، يشرح الخبير التكنولوجي إلياس الأشقر لـ "الصفا نيوز" أنّ "التطبيقات غير المعروفة هي تلك التي لا تُحمّل من المتاجر الرسمية مثل Google Play أو App Store. قد تجدها على مواقع ويب غير موثوق بها، أو من خلال روابط مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي". 

لماذا تعتبر هذه التطبيقات خطيرة؟ يعدد أشقر أربعة أسباب هي: 1- قد تحتوي على فيروسات وبرامج ضارة تستهدف جهازك بهدف سرقة بياناتك الشخصية، أو التحكم في جهازك، أو حتى تعطيله تمامًا. 
2- تسمح بالوصول غير المصرّح به إلى بياناتك: مثل جهات اتصالك، ورسائلك، وصورك، وحتى معلوماتك المالية. 
3- الاحتيال والتضليل: قد تكون هذه التطبيقات مجرد واجهة لعمليات احتيال، إذ يتم جمع أموال من المستخدمين مقابل خدمات وهمية. 
4- انتهاك الخصوصية: قد تقوم هذه التطبيقات بتتبع نشاطك على الإنترنت وجمع بياناتك الشخصية من دون علمك، وهذا بذاته يمثّل انتهاكًا صارخًا للخصوصية. 

وينصح الأشقر باتباع بعض الخطوات للحماية كـ"تحميل البرامج من المتاجر الرسمية فحسب، لتجنّب التطبيقات الضارة. والتحقق من المراجعات والتعليقات التي كتبها المستخدمون الآخرون. والانتباه إلى الصلاحيات المطلوب منحها لأيّ تطبيق من أجل العمل بشكل صحيح. وتحديث الجهاز بانتظام لأنّ هذا يساعد على سدّ الثغرات الأمنية في نظام التشغيل. واستخدام برنامج مكافحة الفيروسات للمساعدة في اكتشاف التطبيقات الضارة وحظرها". 


الجدير ذكره أنّ ظاهرة الظهور في اللايفات بحثًا عن الدعم المادي تمثّل تحديًا كبيرًا للمجتمع، وتتطلّب تضافر جهود جميع الأطراف لحماية الشباب من مخاطرها، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم بطرائق صحية وسليمة. عدا أنّ تحميل التطبيقات من مصادر غير موثوق بها هو مخاطرة كبيرة لا تستحق العناء. 

يُروّج لهذه التطبيقات عبر إغراء الجمهور بجني المال من دون ذكر اسم التطبيق، واستخدام أساليب غير مباشرة لجذب المستخدمين بغية التسجيل والعمل في بث مباشر بالصوت والصورة.