منذ اللحظة الأولى لتوقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بدأ التشكيك في جدّية الملاحقة. الآراء انقسمت بين من اعتبر أنّ التوقيف، وإن أفضى إلى اتهام جدّي، هدفه حماية سلامة من المحاكمات الخارجية الأشدّ ضراوة. ومن ذهب أبعد من ذلك معتقداً أنّ سلامة سيخرج من التحقيقات كـ "الشعرة من العجينة" ما دامت الاتهامات محصورة ببضعة ملايين من الدولارات، ويتبيّن لاحقاً أنّ مصدرها خاص وليس عاماً. فتسقط تهمة الاختلاس، ويقضي مرور الزمن على الملاحقة بتبيض الأموال. تبقى قلّة قليلة أملت، أكثر مما اعتقدت، توسعة التحقيقات وتدحرج الرؤوس الكبيرة واستعادة المليارات المنهوبة.

وبعد مضي قرابة الأسبوعين على توقيف سلامة وبدء التحقيق معه، ظهر فريق الدفاع "راضياً عن إجراءات التي يتّبعها قاضي التحقيق الأول بلال حلاوي، والتي تخدم مصلحة موكلهم"، بحسب ما نقلت صحيفة "الشرق الاوسط" عن مصادر متابعة عقب جلسة التحقيق الثانية، الخميس الماضي. أكثر من ذلك، فقد قالت المصادر للجهة نفسها "لو أنّ النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار أمهل سلامة لتقديم مستنداته إلى حين الاستماع إلى الشهود، لما اتخذ قراراً قضى بتوقيفه". فهل هذا يعني تقدّم فرضية تبرئة سلامة وتخلية سبيله، وأنّ الملف فارغ من الارتكابات المالية الجرمية؟

تبقى قلّة قليلة أملت، أكثر مما اعتقدت، توسعة التحقيقات وتدحرج الرؤوس الكبيرة واستعادة المليارات المنهوبة.

إذا كان من المبكر الاستنتاج، أو الأصحّ عدم جواز إطلاق الأحكام ما دام الملفّ في عهدة القضاء، فمن حقّ السلطة الرابعة ممارسة عملها المكفول في الدستور وطرح الأسئلة بناءً على ما يجري:

- التجاوزات المالية من الـ "Ponzi scheme" إلى "الهندسات المالية" في المصرف المركزي تحت إدارة الحاكم السابق رياض سلامة، وإضاعة نحو 164 مليار دولار من الودائع، كيف يعقل أن تقتصر القضية على 42 مليون دولار فقط من العمولات أو الأموال المشبوهة؟ وهناك تقارير دولية تكشف عن هذه التجاوزات من التدقيق الجنائي لـ "ألفاريز آند مارسال"، وKPMG، وتدقيق شركة كرول، وقبلها ثمة تقارير صندوق النقد الدولي بدءاً من العام 2016. وهي تقارير يفترض أن تكون في عهدة القضاء.

- لماذا رُفض حضور رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر التحقيقات؟ وهل قانونية هي حجة عدم استحصالها على كتاب من وزارة المال لتفويض متابعة القضية إليها، أو اتخاذ صفة الادّعاء بالوكالة عنها؟ مع العلم أنّه يحقّ لها حضور الجلسات من أجل تحصيل حقوق الدولة التي كفلتها المادة 113 من قانون النقد والتسليف. ومن المعروف أنّ البحث بالصفة يحصل أمام قضاء الحكم وليس التحقيق.

- هل مردّ عدم استقبال إسكندر إلى حماية الملف في الاستئناف من الإفشال، أم لحماية سلامة؟ إذا حوّل الملف إلى الاستئناف فسيحطّ حكماً في غرفة القاضي حبيب مزهر نتيجة مخاصمة سلامة بقية الغرف؟ وهنا يبرز افتراضان: الأول أنّ السماح لإسكندر بحضور التحقيقات والاستجواب قد ينتهي بمطالبتها بتنحية مزهر في الاستئناف نظراً إلى مواجهة إسكندر، مزهر على قضية سابقة لسلامةنفسه، والأخير طلب إحالتها على التفتيش. وفي حال عدم وجود هيئة اتهامية تنظر في الملف، يخلى سبيل المتهم فوراً. أو قد يتنحّى مزهر عن الملف كما فعل سابقاً، أو يرأف بسلامة.

- كيف يمكن عدم توقيف المحامي ميشال تويني بعد التحقيق معه؟ وهل تنفع الحصانة النقابية حتّى ولو كان تويني هو الوسيط الذي حُوّلت عبره الأموال من حساب الاستشارات إلى الحاكم مرّة جديدة بحسب ما يرشح من التحقيقات؟ وألا يعتبر هذا الجرم في حال تحقّقه أكبر من الحصانة ويمثّل تبييض أموال؟ فهو صلة الوصل المشترك بالجرم وحرّض عليه.

- لماذا سيضع القضاء رياض سلامة في مواجهة تويني؟ وهل هناك تضارب بالاعترافات؟

- أين دور المصرف الذي حُوّلت عبره الأموال من الليرة إلى الدولار؟ وهل وجود رئيس مجلس إدارته خارج لبنان مصادفة؟

- لماذا لم يبلّغ الموظفان في مصرف لبنان نعمان ندور، مدير دائرة القطع والعمليات الخارجية، وبيار كنعان مدير الشؤون القانونية، بموعد جلسة التحقيق، الخميس الماضي ضمن المهل القانونية؟ فلمَ بلّغا قبل ثلاثة أيام، الأمر الذي أعطاهما المبرّر لعدم الحضور، وتأجيل الاستجواب، مع العلم أنّه كان هناك فترة 10 أيام لتبليغهما؟

- الأموال التي يُحقّق فيها واردة كمطلوبات خارجية في مصرف لبنان، وعليه، هل اعتبارها أموالاً خاصة يبرّىء الحاكم من تهمة الاختلاس؟ وهل يمكن طيّ الملفّ بتهمة تبييض الأموال بعدم فتح الملف لثلاث سنوات؟

- هل بلغ الغرور بالحاكم السابق إلى درجة إجراء عملية تثير شبهات الأموال كنقل الـ 42 مليون دولار بهذه البساطة؟ صحيح أنّه متهم بارتكاب موبقات لا حصر لها، إلّا أنّه ليس غافلاً عن مثل هذا التفصيل. وعليه، هل يقتصر الاتهام على ما يمكن إثبات البراءة منه، وترك بقية الاتهامات، ولا سيما المتعلقة بقضية فيوري وتلك التي يجري التحقيق فيها في الخارج؟

مسار الملف ونهايته يمكن توقّعه أو معرفته في مرحلة الاستئناف. فإذا جرى ما يتخوّف منه المراقبون من حيث التنحّي أو المخاصمة أو عدم وجود هيئة ناظرة، يُخلى سبيل سلامة. وفي حال حصول العكس، فإنّ الملف سيستمر ويصبح من الضروري التوسع فيه لمعرفة بقية التفاصيل التي شابت المرحلة السابقة.