ككرة لهيب يُتوقع أن يتدحرج التحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. الجلسات المقبلة لا بدّ أن تشهد تطوّرات مهمّة. في جلسة الأمس استمع قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي إلى إفادة المحامي ميشال تويني بصفة شاهد في ملف الحاكم السابق لمصرف لبنان. وخلافًا لجلسة الاستماع الأولى إلى سلامة، فإنّ الجلسة لم تدم أكثر من نصف ساعة. ولم يحضر باقي الشهود الذين جرى استدعاؤهم، فيما لا يزال قاضي التحقيق ينتظر إجابات الحاكم حول صفة الممثلين له في الدعوى المرفوعة عليه.

في موازاة ذلك، كان إصرار القاضي حلاوي على إخراج رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة إسكندر من جلسة الاستماع لسلامة موضع استغراب في الأروقة القضائية وهو مستمر في التفاعل، حتى أنّ إثارتها للموضوع طغت على القضية الأساس، أي التحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. إذ اعترض قاضي التحقيق على صفة إسكندر التي أصرّت على حضور التحقيق كمحامية، ومن دون أن تستحصل على إذن مسبق من وزير المال، وفقًا للمقتضيات القانونية، بحجّة أنّها تقدّمت بدعوى ضدّ سلامة باسم الدولة اللبنانية، وطلبت شفهيًا ضمّها إلى القضية الأساس موضع التحقيق.

وفي تطوّر لافت، قدّمت القاضية إسكندر استئنافًا لعدم صدور قرار يقضي بضمّ الدعوى التي تقدّمها ممثلةً للدولة اللبنانية كرئيسة هيئة القضايا أمام محكمة الاستئناف، علمًا أن قاضي التحقيق لم يقدّم لها قرارًا بالضم أو يسمح بحضور الجلسة كي لا يترك مجالًا لدعاوى المخاصمة ووقف التحقيق. ويفترض أن يرسل القاضي حلاوي إلى النيابة العامة جوابًا بقبول الردّ أو رفضه بالشكل والمضمون.

فقد علم أنّ القاضية هيلانة إسكندر تقدّمت من الهيئة الإتهامية في بيروت بطلب استئناف، بواسطة قاضي التحقيق الأول في بيروت بوجه المستأنف عليهم الحق العام رياض سلامة ومصرف لبنان، ضد القرار الصادر عن قاضي التحقيق الأول في بيروت في الملف الرقم 2024/50 والقاضي بتكليف الدولة اللبنانية إبراز ترخيص وزير المال بإقامة الدعوى ومناقشة صفتها في تقديم الدعوى في ضوء ادّعاء مصرف لبنان ضدّ المدّعى عليه رياض سلامة ومن يظهره التحقيق. رفضُ المحقّق حلاوي ضمّ دعوى إسكندر إلى القضية الأساس أثار غضبها وكذلك رفضه حضورها من غير أن تكون حاملة صفة تظهرها كجهة متضررة من سلامة.

تظهر إسكندر في نصّ الاستئناف كيف أنّها استنكرت عدم توجيه دعوة إلى ممثلة الدولة اللبنانية لحضور الاستجواب، وهي التي توجهت قبل موعد الجلسة إلى مكتب قاضي التحقيق الأول للاستفسار عن سبب عدم دعوتها إلى موعد الاستجواب، لكنها لم تذكر إصرارها على الحضور برغم الطلب إليها بالمغادرة، والدخول إلى التحقيق بلا استئذان، فطلب القاضي حلاوي إبراز ترخيص من وزير المال يرخّص لها بإقامة الدعوى والحضور، وناقشها صفتها في ضوء ادّعاء مصرف لبنان في الملف نفسه مصرًا على مغادرتها القاعة. ولمّا لم يكن بحوزتها الكتاب المطلوب غادرت وطالبت الانضمام إلى الدعوى العامّة وحضور جلسة استجواب المدعى عليه.

تقول القاضية إسكندر إنّ القاضي وعدها بضم هذا الطلب إلى الملف قبل استجواب المدّعى عليه، لكنّ المعلومات تقول إنّ الطلب قُدّم شفهيًا وليس كتابيًا. كما أنّ القاضي حلاوي اعتبر حضورها مخالفًا لإجراءات التحقيق، خاصة أنّها تمثل أمامه كمحامية الدولة وليست كقاضية. تقصدت القاضية إسكندر إثارة بلبلة حول رفض حضورها، وهذ ما تسبب بصرف الأنظار عن القضية الأساس، وهي التحقيق مع رياض سلامة. والمستغرب أكثر أنّها تطلب وقف السير في التحقيق في ملف سلامة إلى حين بتّ الاستئناف، وإبطال استجواب المدّعى عليه رياض سلامة الذي جرى في غيابها، وتطالب بإعادة استجوابه بحضورها.

مستغربًا جاء طلب القاضية إسكندر بالاستئناف لأنّ القرار لم يصدر من الأساس، بل تقدمت به شفهيًا، ولو صدر القرار لكان من حقّها أن تستأنف. وخلافًا لما ذكرته في كتاب طلب الاستئناف فإنّ القاضية قدمت مذكّرتها في اليوم الثاني وليس في اليوم الأول. وردًا على اعتبارها جهة متضررة لم يتعاطَ المحقق معها كما هو واضح انطلاقًا من موقعها كرئيسه هيئة القضايا في وزارة العدل بل بوصفها محامية تمثّل، على حد قولها، الدولة اللبنانية. فمن وجهة قاضي التحقيق، فإنّ المعني هو مصرف لبنان وليس الدولة اللبنانية، وهو جهة مدّعية على سلامة وممثّلة بمحامٍ داخل جلسة الاستماع. ثمّة رأي قضائي يقول إنّ الدولة ليست متضررة من الجرم، والأموال هي أموال مصرف لبنان، وهو جهة مدعية وصاحب الحقّ بالادّعاء، وهناك ممثل عنه داخل جلسة التحقيق.

أمّا إثارة مسألة الصفة والإصرار عليها فاعتبرتها مصادر قضائية مسألة تتعلّق بالشأن العام. ووفق قانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية يستطيع القاضي الواضع يده على الدعوى إثارة المسألة من تلقاء نفسه.

الخطورة في تعاطي القاضية إسكندر هي أنّ قبول حضورها بالشكل الذي أصرّت عليه كان سيفتح الباب أمام التقدّم بدعاوى مخاصمة...

وتتابع المصادر "حين مُنعت إسكندر لم تكن قد أبرزت كتابًا جديدًا لوزير المال، وهي تملك كتابًا يتعلّق بملف قديم وليس الملف موضع التحقيق. أي ملف سلامة، ولكنّها تعاطت معه على أنّه ترخيص ضمني ساري المفعول، علمًا أنّ الوزير لا علم له بالموضوع. وإذا كان كلام القاضية إسكندر صحيحًا عن ضرورة ضمّ طلبها كجهة متضررة، فإنّ ذلك سيفتح المجال لضمّ طلب أيّ متضرر من المودعين. وهل من واجبات القاضي قبول طلب كلّ من تقدّم بطلب ضمّ قضيته إلى القضية الأساس، وسلبه حقه في أن ينازع بالصفة لا من قريب أو من بعيد؟ كما أنّ القاضية الموجودة كمحامية لم تثبت أين مكمن الضرر الواقع عليها.

الخطورة في تعاطي القاضية إسكندر هي أنّ قبول حضورها بالشكل الذي أصرّت عليه كان سيفتح الباب أمام التقدّم بدعاوى مخاصمة، ويهدد التحقيقات ويعرقل مسارها لا سيما أنّها كانت سببًا لدعاوى ردّ ومخاصمة، مما أوقف التحقيقات في الملف القديم لسلامة، وهي تعمل حاليًا بالطريقة نفسها لتعطيل الملف الثاني. فهل هي محاولة لتعطيل التحقيق مع سلامة؟

في معرض مطالعة قانونية أدلت بها القاضية إسكندر ونشرت في "نداء الوطن" في كانون الثاني 2023، توضح مسألة وجود محام لجلسات الاستجواب. تقول "ليس بين محامي الدولة مَن له الحق بالمثول أمام المحاكم الأجنبية التي تلاحق حاكم مصرف لبنان ورفاقه، (...) و لا يحقّ لرئيسة هيئة القضايا تكليف محامٍ في الخارج لأنّ ذلك يتطلّب قرارًا من الوزير المختص واستدراج عروض وتوقيع عقد مع مَن يتم تكليفه من قبل وزير العدل تُحدّد فيه الأتعاب ويُعطى العقد صيغته النهائية بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء". أي أنه اعتراف ضمني بوجوب توافر كتاب من الوزير. فما الذي تغير، اليوم، كي تصرّ على الحضور بلا إذن مسبق من الوزير؟ ولماذا تصرّ على حضور التحقيق مع ملف سلامة وتعاكس رأيًا سابقًا لها في هذا المجال؟ وألا يعتبر ذلك مساسا في حياديتها؟ تسأل المصادر القضائية.